العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ

استلهام حلول للإسكان من الماضي

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

إن ارتباط المواطن بالماضي إشكالية تتسم بالعاطفة والتقديس أحيانا، تماما كتبعية بعض المواطنين لجمعياتهم السياسية أو الدينية، وكذلك كبعض النواب للمشاريع الحكومية. فلدى المواطن كل ما هو قديم جميل لا تشوبه الأخطاء. ويتسم المواطن بالحنين للماضي، فهل هو لاستعادة ذكريات الشباب أم للهروب من وطأة الواقع؟

الأدهى من ذلك المحاولة لاستلهام حلول للحاضر من الماضي كمشكلة الإسكان، فعلى الرغم من أن هذه المشكلة بيد السلطة التنفيذية ولعلمها بأن الحل بسيط يكمن بتخصيص أراضي لـ 45000 ألف وحدة سكنية إلا إنها دائما ما تقول إن هذه المشكلة في طريقها للحل. وفي المقابل يتم تخصيص الأراضي للمشاريع الاستثمارية وغيرها. الطريف أن ذلك الماضي قد لا يكون بهذه الصورة من المثالية، فما نعيشه هذه الأيام من حالة عدم استقرار لبلوغ الحد الأدنى من الأمن الاجتماعى، حيث نستشعر حالة التخبط والدوران حول أنفسنا من جراء عدم توفيق النواب والحكومة لتصحيح هذا الوضع هذا بجانب تعديل وضع المتقاعدين والبحارة وعلاوة معونة الشتاء، آسف معونة الغلاء، وفي المقابل يتم تعديل رواتب وتخصيص تقاعد لمن هم أحوج في وجهة نظر الحكومة والنواب!

ليس مستبعدا أن يأتي جيل جديد في زمن قادم ليرى كم كان هذا الماضي جميلا حيث الاستقرار والتخطيط والإنجاز! ومن الحاضر الذي يعيشه المواطن معاناته في محاولته لاستيعاب مفهوم (المعارضة الموالية) والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من أي نظام ديمقراطي، كذلك الحال مع المعارضة التي لم تكن ترى في ذلك تصحيحا للعملية السياسية بقدر ما كانت ترفع شعار يا غالب أو مغلوب. فهناك من أصبح حكوميا أكثر من الحكومة بعد دخول المجلس. والآخر انضم لهواة جدد في العمل السياسي يمارسون الصراخ وإلغاء العقل. ويبقي التحدي الحقيقي الذي يعتبر جزءا (رئيسا) في خلل الساسة، هو الكيفية التي تستطيع بها القوي السياسية والسلطة إرجاع بناء مفهوم (المعارضة الموالية).

إن ما يشهده المواطن طوال تاريخه المؤسسي، بالتأكيد ليس من خلال العودة للماضي، فأزمات الحاضر هي مسلسل طويل من أخطاء الماضي، والتي لم يدفع ثمنها إلا المواطن من الطبقة الدنيا والوسطى مجهول المستقبل! وهنا أقول لقد وصل فكر المواطن إلى نتيجة مفادها ضرورة إقامة مؤسسات بمنأى عن المصالح الضيقة، سواء كانت سياسية أو ربحية، لتمثل توافقا اجتماعيا ودستوريا ضامنا لجميع المصالح، وبالتالي وضع معايير سامية وكبيرة لعمل تلك المؤسسات من أجل تحشيد القناعة بجدواها، بحيث تحرم العمل السياسي من أجل مناصب أو منافع سياسية، وعلى بعض النواب مخافة الله في مفاهيم مقاييس الأداء الحكومي بحيث تتبع أهمية قياس الأداء الحكومي من عدة أسباب والمتمثلة في تزايد الصعوبات التي تواجه الحكومة في تمويل القطاع العام والتي تتطلب استيعاب طرق جديدة لتحسين الأداء، بدل التشريع للحكومة الاقتراض بنية الاستثمار، ويتم اعتماد المقاييس الكمية للأداء الحكومي أساسا لتضمن البعد الإداري والمؤسسي في خطط التنمية وحساب تقديرات الموازنة المطلوبة لمقابلة أنشطة كل جهاز، وليعلم سعادة النواب أن عدم وجود أهداف كمية قابلة للقياس يضعف من عملية التخطيط والرقابة.

لا أمل في إصلاح جدي ومشاركة سياسية فاعلة ما لم يقم الفكر النظري بواجبه النقدي، فيعيد تعريف المفاهيم السياسية، كالمواطن والوطنية والأمة والدولة والسياسة ودور النواب... على أسس جديدة، ويسهم في إعادة بناء الوعي الاجتماعي، والوعي السياسي خاصة، وفق مبادئ الحرية والاستقلال في مواجهة التبعية والانقياد، والديمقراطية في مواجهة الاستبداد والشمولية، والحداثة في مواجهة التقليد.

إن العمل والدولة مستويان متلازمان ومتداخلان في حياة المواطن، يتعلق أولهما بحياة الفرد الخاصة، في المجتمع المدني، ويتعلق الثاني بحياة العامة، في المجتمع السياسي، الأول هو ميدان الفرد والخصوصية، والثاني هو ميدان العمومية. وكي لا نتهم بهذا الطرح باللبرالية لتعلم أخي النائب أن الإسلام مثلما يقرر حق الحياة للإنسان يقرر حق الكرامة، فالإنسان بالإسلام مكرم لذاته بصرف النظر عن انتمائه القومي أو الجنسي أو القبلي أو الديني، قال تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم»، بما أن العدل هو القضية الأولي في الشريعة الإسلامية ومن ثوابت مقاصدها تحقيق كرامة الإنسان ومصالح الناس قال تعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان»، وإقامة العدل يمثل إرادة الله تعالى في إقرار المساواة بين العباد، فهل نحن متساوون؟ وهل المواطن بلغ الحد الأدني من أمنه الاجتماعي والمتمثل على أقل تقدير في السكن؟ حيث مساحة الكثافة السكانية لا تتعدى 28 في المئة من المساحة الإجمالية للمملكة ومساحة الشواطئ التي يتمتع بها العامة لا تتعدى 3 في المئة. عزيزي النائب والمسئول كثيرا ما نردد في أدبياتنا السياسية والاجتماعية، مقولة نقد الذات. إن هذا النوع من النقد، من المهام الكبرى التي لا يجوز لأحد أن يتخطاها، أيا كان موقعه أو حجم مسئوليته، ذلك لأن بناء ما يشاد على أمل الصمود والنجاح، لا يمكن أن يرسو على مجرد الأمل وحده، إن لم يقترن بالفعل الجاد والمسئول لحمايته من عوامل الطبيعة، لأن ذلك سوف يماثل عندئذ، عملية إشادة بناء على شاطئ رملي سرعان ما يندثر مع أول هبة ريح أو أول موجة من موجات المد المباغتة.

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً