سعدت بزيارة تونس الأسبوع الماضي، البلد العربي الذي انطلقت منه الصحوة العربية، أو ما أطلق عليها في 2011 باحتجاجات وانتفاضات وثورات «الربيع العربي». فعند دخولك المطار في تونس تشعر أن البلد قد تغير، وموظف الجوازات لا يهمه إن كنت صحافياً أو سياسياً أو حقوقياً أو سائحاً... فليس هناك شيء تخشى تونس منه، والرعب الذي كان يفرضه الاستبداد قد ولى.
التونسيون شعب مثقف، ولذا فإن الحديث حتى مع سائق التاكسي، والبائع في المحل الشعبي، والإنسان العادي يجرك الى حوارات معمقة. ولأن التونسي لم يعد إنساناً خائفاً من أجهزة قمع ومخابرات فستراه حراً ومنطلقاً. خرجت مع سائق التاكسي وهو في الستينات من عمره، وسرعان ما وصل بنا الحديث إلى مرور سنة على الاحتفال بثورة الياسمين. مررت بكومة من المخلفات، وثم بأخرى على جانب الطريق... وسألته عن السبب في ذلك، فقال إن عمال النظافة اعتصموا قبل أيام محتجين على المعاش الشهري (نحو 180 ديناراً تونسياً، أو ما يعادل 45 ديناراً بحرينياً)، وقد تعدّل وضعهم وسيعودون إلى العمل بعد عطلة الأسبوع.
سألته إن كان خائفاً من الإسلاميين الذين وصلوا إلى الحكم، أو من هيمنة بعض دول الخليج الذين قد يعتبرون أن لهم دوراً في بعض ما جرى، فكان جوابه بأن تونس تعدّت مرحلة الخوف، وأن التونسي الذي لم يخشَ الاستعمار من قبل، واستطاع إزاحة الطاغية زين العابدين بن علي لا يخاف من حزب إسلامي أو غير إسلامي جاء بانتخاب ويخرج بانتخاب، ولن يقبل بهيمنة أي دولة خليجية أو غير خليجية، صغيرة كانت أو كبيرة، عليه.
زرت الشارع الرئيسي في العاصمة «جادة بورقيبة» ولاحظت شعاراً على الجدار «مبروك المرزوقي يا تونس»، ولكن شخصاً آخر كتب شعاراً آخر على اسم المرزوقي، إذ أضاف كلمة غير لائقة. سألت مرافقي عن معنى ذلك، فقال إن الشعار الثاني يعبر عن غضب لدى البعض بسبب محاورة كلامية بين الرئيس التونسي وزعيم خليجي أثناء الاحتفالات بالثورة، ورغم أن تلك المحاورة كانت من باب الطرفة إلا أن التونسيين لم يكونوا راضين بها، إذ إنها أوحت بأن الزعيم الخليجي يعلّم الرئيس التونسي كيف يستقبل الآخرين كرئيس دولة. المهم، أن شعاراً عن الرئيس في أهم شارع لم يعد ممنوعاً، ولم ولن يعتقل كاتبه لسبب سياسي.
الشارع الرئيسي في العاصمة «جادة بورقيبة» يبدو لي أصغر بكثير مما توقعت. وهذا الشارع هو الذي احتضن مظاهرات أنتجت هتافات هزت الشعوب العربية وأسقطت الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وربما كان عدد المتظاهرين - قياساً بالمساحة في مكان التجمع - عشرين ألف شخص. وفي مكان قريب سترى الموقع الذي خرج فيه أحد الأشخاص التونسيين (آخر يوم لحكم بن علي وأثناء حظر التجول) ليمشي وحده في الشارع وهو يصرخ «بن علي هرب» وليبلغ التونسيين بنهاية حقبة الاستبداد.
الصحافة في تونس أكثر من حرة، وفي مقال في صحيفة «الصباح» بعنوان «مستقبل الثورة... بين انزلاقات النهضة وسلبية المعارضة ويأس المحرومين»، كتب سمير السماوي بعد أيام قليلة على مرور ذكرى انتصار ثورة 14 يناير... «وما حملته من أمل في نفوس التونسيين بعد سنوات الجمر وانسداد الأفق في ظل حكم الديكتاتور للبلاد». وطرح الكاتب عدداً من الأسئلة والهواجس والتخوفات على مستقبل الثورة، مشيراً إلى «انزلاقات» قد تقع فيها «حركة النهضة» التي تحصلت على النسبة الأهم من مقاعد المجلس التأسيسي، واحتمال عدم إيفاء النهضة بالتزاماتها وتعهداتها أثناء الحملة الانتخابية، «إذ كانت الحركة تروّج إلى حكومة ائتلافية وكفاءات وطنية، تجمع أكبر قدر ممكن من الأطراف من الأحزاب والمستقلين... ولكن وبكل أسف، الحكومة القائمة اليوم هي حكومة الحزب الفائز بامتياز». كما حذر الكاتب من انفلات خطاب بعض الأحزاب السياسية المناضلة والمؤمنة بأهداف الثورة التي هزمت في الانتخابات وأصبحت الآن تتموضع في خندق «المعارضة السلبية» التي لا همَّ لها إلا رصد الأخطاء ونشرها وتوظيفها لهدف واحد، هو إضعاف الحكومة وإرباكها والتشكيك في مصداقية النهضة... وتتغافل عن ظواهر أخرى أو تقزمها مثل الاعتصامات العشوائية التي تتسبب في حرمان الآلاف من مواطن الشغل وتحرم البلاد من ثروات طائلة».
هناك أيضاً بروز مفاجئ للسلفيين في تونس، وإحدى الكليات الجامعية تعطلت فيها الدراسة، لأن مجموعة من النساء أصررن على لبس النقاب الكامل، وهو ما يتعارض مع شروط التعرف على الشخص. والسلفيون يستخدمون لغة الحرية في الملبس لإحراج القوى الأخرى. وتكتمل الصورة لدي بمشاهدة أول عرض لفيلم وثائقي لمغني «راب» تونسي يعيش في أحد الأحياء الشعبية التي تعطيك صورة أخرى للمجتمع التونسي لا يمكن أن تراها بسهولة، ويوضح لك كيف ينتج الفقر الشديد إبداعات من نوع آخر.
مرافقي قال لي إن تونس تقوم على السياحة الراقية، وسنوياً يزورها 7 ملايين سائح، يمثل العرب جزءاً يسيراً فقط منهم بنحو 20 ألف شخص فقط، وإن نحو 60 إلى 70 في المئة من الاقتصاد التونسي يعتمد على علاقاته بفرنسا... ويبدو واضحاً التأثير الفرنسي على نمط الحياة لدى التونسي الذي يعتبر المقاهي وقراءة الصحف والتدخين جزءاً مهماً من حياته، تماماً كما هو الفرنسي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 3430 - الجمعة 27 يناير 2012م الموافق 04 ربيع الاول 1433هـ
هناك تخوف من حدوث انفلات أمني في الدول التي تخلصت من الرؤوساء المنتهين الصلاحية ..... ام محمود
بعد الاطاحة بحسني مبارك و القذافي و زين العابدين بن علي و (علي صالح ) و سفرة لسلطنة عمان و امريكا يعتبر هروب فاليمن لا تقبله بعد الجرائم الدامية
هناك تخوف من حدوث انفلاتات و انزلاقات و حروب أهلية وعدم السيطرة و تحقيق الأمن بسبب اللاعبين القذرين و المجموعات الارهابية المنتشرة و المتصيده
و ما يحدث في سوريا أكبر مثال على التدخلات الغير بريئة سواء العربية أو الأجنبية
D. Mansoor we missed your articles very much ....... ام محمود
اشتقنا الى مقالاتك خاصة ما تتعلق بالشأن المحلي و نحن نعيش في مراحل متوترة و غير عادية
و في نفس الوقت نحسدك لأنك تسافر و تشوف العالم و ليس مثلنا قابعين في المنازل و خائفين من الخروج بسبب الأوضاع المشتعلة
الثورات العربية في تونس و مصر و ليبيا و اليمن و (غيرها) من الدول التي كانت تحكم بالنار و الحديد نجحـــــت و أتت ثمارها رغم التضحية الكبيرة و شلالالات الدم و الألم و أصوات الرصاص التي أصابت الشباب و التي مازال صوتها يرن في آذاننا
ولكن هناك مؤامرة خبيثة لتخريب الثورة وتدميرها والنيل من المكاسب
مبروك
مبروك للشعب التونسي وعقبال الشعوب المظلوومة
نورت يا دكتور
نورت يا دكتور عمودك اشتقنا لمقالاتك الهادفة
نسأل الله ونتضرع له وبحق محمدا وآل محمد صلواته عليهم أجمعين أن يوفقنا لما يحب ويرضى .
الكرامة أولا
لا شك أن أسوأ ديمقراطية هي بالطبع أفضل من الدكتاتورية الاستعبادبة القمعية الظالمة الغاصبة ووو...
تحياتي / أبو سيد حسين
نعم يامنصور بعد عام من الحريه
هذه ثمار بو عزيزي يقطفها اهل تونس وكانه شجره نخل من القيروان تتدلى عراجينها بتمرها لتشبع جياع تونس احترق جسده الطاهر فاصبح كبخور العود ينثر طيبه و ورائحته الزكيه على مرابع تونس لتتلاشى رائحت الدكتاتوريه النتنه التي ازكمت انوف التونسيين خمسين سنه مضت بداءت تخضر مروج تونس بدائت زهور الحريه تتفتح لتكمل ما بدائه بوزيزي من نثر عبق لايشبهه اي شي الا الحريه والاباء فهنيئا لتونس والتونسيين التمتع بشمس الحريه