مرّ عامٌ على الربيع العربي... الذي أسقط ثلاثةً من رؤساء الجمهوريات المعمِّرين منذ عقود... وأكمل دورته بخلع الرئيس الرابع قبل أيام.
الأنظمة الأربعة شاخت وهرمت... ولم يعد لديها ما تقدّمه لشعوبها، ونامت مطمئنةً على قرع طبول الإعلام الرسمي الذي خدَّر أعصابها. كتائب كاملة من الكتاب والمذيعين والفنانين والشعراء تخصّصوا في عملية التخدير، حتى احتاج كلٌّ منهم إلى زلزالٍ يهزّه كي يفيق، فمنهم من قال: «فهمتكم»، ومنهم من قال «افهموني»، ومنهم من خاطبهم بالجرذان!
جيلٌ عُمّر في الحكم، ومُدّ له في العمر حتى التصق بالكرسي، وظنّ أن النساء لن ينجبن مثله. وكلما عاش في هذه الشرنقة زاد غيبوبةً وغياباً عن الواقع.
في 2011، خرج فجأةً جيل الثورة من شاشات الكمبيوتر إلى الميادين. جيلٌ لم ينتظر إذناً من سلطة، ولا فتوى ولا إجازة. جيلٌ تربّى في غير المحاضن التقليدية فجاء جيلاً غير تقليدي. إنه جيل الثورة والتغيير.
جيلٌ هو ابنُ عصره، متسلحٌ بأدوات جديدة، وفكر جديد، وطريقة تعاطٍ جديدة. خرج في تشكيلات لم نعهدها من قبل، فلا مكان للهرمية وتسلسلها، ولا مجال لطاعةٍ إلا بما يقتنع به الفرد. تُبثّ الدعوة على شبكات التواصل الاجتماعي، فيتلقفها من أعجبته ويعيد نشرها للآخرين، فيتكون رأي عام في عالمٍ خدَعَ «الكبار» أنفسهم حين أسموه افتراضيّاً!
جيلٌ له قياداتٌ شابةٌ، تصدّرت وأخذت مكانتها بفضل جرأتها ومبادرتها وإصرارها على التغيير، متسلحةً بثقافة حقوقية ومنطق لا يُغلب. الأنظمة المتآكلة تتكلّم عن القانون وهي تتكلّم عن الحقوق، وأن الرئيس مجرد خادم للشعب، فإن أحسن وإلا فعليه أن ينخلع غير مأسوفٍ عليه... هكذا بكل وضوحٍ وبساطة.
قبل عشرين عاماً، كنا نقرأ أو نشاهد وقائع بعض الثورات في آسيا أو أوروبا أو أميركا اللاتينية، ونشعر أنها تقع في المريخ أو على أطراف درب التبّانة. لم يخطر ببالنا أن يوماً سيأتي لنشاهد تفجّر هذا البحر العربي الهادر في عددٍ من البلدان، بحثاً عن الكرامة والحرية والرغيف، وثأراً للشرف العربي المسفوك.
جيلٌ هضم تجارب الشعوب الأخرى وآمن بفلسفات اللاعنف، واختار ما يناسبه من تجارب نضالية سلمية الطابع، في ظلّ انقلابٍ شديدٍ في موازين القوة ضده.
وإذا ما استثنينا ما حصل في ليبيا؛ فإن شباب الدول الأخرى، أثبت تمسكاً عجيباً بالنهج السلمي، ولم يُستدرج إلى مواقع العنف التي يُراد له أن يقع فيها، فاستقبل شباب ميدان التحرير حجارة بلطجية مبارك بمثلها أو تمترسوا عنها. أما إخوانهم من شباب اليمن المدجّج بالسلاح، فأبدوا تمسكاً أكبر بالسلمية ولم يشهروا بندقية على رغم سقوط المئات على أيدي قوات الرئيس المنخلع وبلاطجته.
جيلٌ جديدٌ يرسم مستقبل هذه الأمة، لا يضره من تخلّف عنه أو عاداه، أو حاول مشاغلته بحروب طائفية صغيرة فاشلة. وفيما كنّا أمةً مستهلِكةً لكل شيء؛ بات هذا الجيل يفرض اسم بلداننا على وسائل الإعلام الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة.
الشاعر البحتري حين شاهد تفتح أزهار الربيع قبل ألف عام أنشد:
أتاك الربيعُ الطلقُ يختال ضاحكاً... من الحسنِ حتى كاد أن يتكلما
وقد نبّه النيروزُ في غسقِ الدجى... أوائل وردٍ كنّ بالأمسِ نُوّماً.
فماذا لو شاهد أزهار الربيع العربي تتفتح في الميادين وتُوقظ النائمين وتلقي الحجة على الخانعين والمتواطئين؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3429 - الخميس 26 يناير 2012م الموافق 03 ربيع الاول 1433هـ
انها استفاقة الامه يافرقد
سيدنا اولا عتبي على مشرفي الوسط من تجاهلهم بعض التعقيبات التى لا تقل اهميه من المقال في معظم الاحيان وتعكس مدى الوعي الواسع عند القراء وهذا هي المراه الصادقه التي يرى الكاتب نفسه فيها ..... سيدنا عندما توضع دولنا في الميزان الصادق ترى اننا رغم مواكبتنا لثورة الاتصالات التي جعلت العالم كقريه في منتهى الصغر اذا غرد احد في شرقه سمعها من هو في غربه الا اننا متاخرين مئات السنين عن باقي دول العالم سيدنا شباب الربيع العربي مؤمنين بان النساء مازالت تنجب رجال يامكانهم اخذ دولهم العربيه للمريخ
بوركت
بوركت هذه الكلمات الصادقة المحفزة للأمل
احسنت.. نحن على العهد باقون
لن نتراجع عن مطالبنا
جيل الربيع العربي
شكرا سيدنا على المقال الرائع .وعدنا وعندهم خير. ومثل ما قلت يا سيد في مقال قديم . كل لجمال اتعارك الا جملنا بارك.....