منذ بضعة أسابيع عبت، مع غيري من الآخرين، على القوى السياسية غير الإسلامية بأطيافها الايديولوجية المختلفة، مواقفها الحذرة السلبية من نجاح المنتمين للأحزاب الإسلامية في انتخابات حرة ونزيهة. ذلك أن الإيمان بالديمقراطية يستوجب الاحترام الكامل، بل حتى التقديس، لإرادة الشعب حتى ولو اختلفنا مع خياراته. وإذا كان هناك من ظلٍّ لله على هذه الأرض فإنها إرادة وسلطة الشعوب على كل مقدَّراتها.
إذاً، أما وان الأحزاب السياسية الإسلامية قد أصبحت قادرة على أن تلعب أدوارا رئيسية، بل وقيادية، في بعض المؤسسات التشريعية العربية كما في مصر وتونس، وهي أيضاً مرشَّّحة لأن تلعب أدواراً مفصلية فاعلة في الكثير من مؤسسات الحكم العربية في المستقبل القريب، فإنها ستحتاج إلى أن تمعن النظر في نوع الخطابات التي ستقولها والمنطلقات الايديولوجية التي ستتبنَّاها وتجعلها مرجعية لها، وفي الأفعال التي ستمارسها في الحياة السياسية العربية الجديدة، حياة ما بعد ثورات وحراكات الربيع العربي. هناك جوانب يجب أن تعطى لها الأولوية القصوى ومن بينها:
أولاً: إن العالم كله يراقب أقوالها وتصرفاتها ليراجع بعضاً من انحيازاته السابقة وبعضاً من مخاوفه غير المبررة أو ليثبتها ويمعن في تعامله السّلبي المخزي مع الإسلام والمسلمين. سيحتاج خطابهم في البرلمانات وداخل الحكومات إلى ألا يأخذ في الاعتبار جماهير ناخبيهم المراقبين لهم فقط وإنَّما أيضاً قوى كثيرة عبر العالم كله تراقبهم وترجو أن يرتكبوا الأخطاء والخطايا. وإذاً فالمسئولية التي سيحملونها ستكون مضاعفة، وهذا قدرهم.
ثانيا: إن كل خطاب يحتاج إلى حسم للمرجعية التي تحكمه. وفي حالة الأحزاب الإسلامية لن يكفي ترديد الشعار الشهير من أن الإسلام هو الحل. ذلك أن الإسلام ليس نصوصاً جامدة وإنَّما هو قراءة وفهم لتلك النَّصوص ومن ثمَّ تطبيق لها. هناك فهم وتطبيق كما في إيران وفهم وتطبيق كما في تركيا وفهم وتطبيق كما في السعودية، على سبيل الأمثلة. هناك فهم وتطبيق جامد متزمّت لا يترك لحرية المسلم وضميره وقدراته وضعفه البشري الحقَّ في الوجود وهناك الفهم والتطبيق السَّمح المرن الذي لا يرى الحياة كتجلٍّ واحد يتمثَّل فقط في الدين وإنَّما يراها كتجليات رائعة أخرى حتى ولو أعطى للدين مكاناً مميَّزا.
مطلوب من هذه الأحزاب المنتخبة أن تفصح بوضوح ودون غمغمة عن نوع القراءة التي ستمارسها وعن فهم تلك القراءة المحدَّدة التفصيلية لشعارات من مثل حرية العقيدة والتعبير والإبداع والدولة المدنية وحقوق الإنسان، بما فيها حقوق ومسئوليات المرأة، والعدالة والمساواة والمواطنة وعدم رضوخ الدولة والمجتمع لأية أقليَّة تحت أيّ مسَّمى... إلخ... سيريد الناس، وعلى الأخص النَّاخبون، أن يطمئنوا إلى أن اللجان أو المجالس أو الأشخاص الذين سيقومون بقراءة نصوص الدين الإسلامي للأحزاب السياسية الإسلامية ستكون جهات غير متخلفة متزمّتة جاهلة لمتطلبات العصر وتطوراته، ولهذه الأحزاب قدوة في اختلاف تعامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع مستجدات الحياة كصحابي وكخليفة للمسلمين.
ثالثاً: تحتاج الأحزاب ألا تنسى قط أن بقاء تواجدها في الساحة السياسية مستقبلاً، في الحكم أو في المعارضة، سيعتمد لا على مقدار الديني في خطابها فقط وإنَّما أيضاً، وبشدَّة وإلى حدٍّ بعيد، على عدد المدارس والمستشفيات والمصانع والطرق والخدمات الأخرى التي ستبنى، ونسبة العمالة والشفافية والانحياز للفقراء ومقدار حجم الطبقة الوسطى إلخ... التي سيساهمون في تواجدها بقوَّة وتصميم. ليتأكَّدوا أنهم حتى لو رفعوا القرآن الكريم على أسنَّة الرِّماح فإنَّ ذلك لن يكون كافياً لإعادة انتخابهم ولبقائهم في الحياة السياسية وسيحتاجون للإنجازات الدنيوية.
رابعا: إن تعاملهم مع قضايا كبرى من مثل التعامل مع العدوِّ الصهيوني وحليفه الأميركي، أو مقدار انحيازهم مع الثورات والحراكات التي ستجتاح بقية أجزاء الوطن العربي في المستقبل القريب، أو مقدار قربهم أو بعدهم من بعض الأنظمة العربية المتخلفة المستبدَّة التي لا ترى في الدُّنيا إلاَ بقاء امتيازات أقليَّاتها المهيمنة على مجتمعاتها، أو مقدار الاستقلال الوطني والقومي والإسلامي عن إملاءات القوى الاستعمارية في الاقتصاد والسياسة والثقافة... إن تعاملهم مع مثل هذه القضايا، وغيرها كثير، سيكون حكماً على مقدار جديتهم في تبنّي مشروع نهضوي متكامل أو انصياعهم لألاعيب السياسة المؤقَّتة التي خضع لها الكثيرون من قبلهم.
سواء أكنَّا ننتمي للقوى السياسية الإسلامية أو قوى الايديولوجيات السياسية الأخرى فإننا نريد للتجربة الجديدة النجاح لأنَّها حصيلة توق هائل كبير لدى جماهير الشعب العربي للتغيير والتجريب. نجاحها لن يعني بقاءها الأبدي في قيادة السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكنه سيعني عودة الثقة والإرادة في نفوس الجماهير العربية لممارسة مزيد من التغيير والتجريب والإبداع إبَّان ربيع عربي سيمتد عبر القرون، وسيثمر ويزهر
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3429 - الخميس 26 يناير 2012م الموافق 03 ربيع الاول 1433هـ
دكتور انت مشعل من مشاعل الوعي العربي
دكتور انت احد الذين استشعروا مشاكل الوطن قبل حدوثها وانت تجسيد لمثل بحريني قديم وهو (تبرز الدواء قبل الفلعه ) وهذا هو بعد النظر المستقبلي عند المفكر الواعي الذي يقراء الدنيا صح دكتور تكلمت امام اميرنا الراحل طيب الله ثراه في احدى احتفالات عيد العلم عندما كنت وزيرا للتربيه وحينها كانت قضيه البطاله لم تطفوا على السطح بعد كان طرحك في ذاك المحفل طرح جريء لا يتناوله الا شجاع مثلك ولو طُرحت كل المشاكل التى اوصلتنا لحافه الهاويه بنفس الطريقه من باقي الوزراء لما وصلنا لما نحن فيه الان
احتراماتي
نقف لك احتراماْ يادكتور على ونحيك على شعورك الوطني وحسك الانساني.
تحياتي واحترامي لك من مواطن شيعي مهمش
عبد الرحمن الكواكبي
كإبداعك اللامع في ندوة طبائع الاستبداد للمفكر السوري الكبير عبد الرحمن الكواكبي إبداعك اللا متناهي في تحليلك للمواقف السياسية لمختلف التيارات وقرائتك الدقيقة لما ستؤول إليه الأمور وفقاً لما تنتهجه هذه التيارات.
عشت يا دكتور فخرو وعاش فكرك النيّر وقلمك الماض.
الشريف يبقى شريف
شكرا يادكتور يا صاحب ضمير . في الايام العصيبه وبلخصوص في التسعينات موقفك المشرف لن ننساه .. قرية الديه تشكرك على موقفك المشرف لدعم حقوق الناس .
دكتورنا العزيز
ياريت يا دكتور يكون للك عمود دائم في الوسط للتنورنا بفكرك الغزير النابع من ثقافتك وخبرتك الواسعة فأنت ومن دون مجامله من اهم الأقلام الموجودة في الساحة العربيه الغير ملوثة بغبار الطائفية البغيضة وشكرآلكم
شكرًا دكتور
أطال الله في عمرك دكتور، انت من الأصوات المهمة لنشر الوعي السياسي والثقافي في البحرين.
شكرًا لك
شكرًا لك يا دكتور على هذا الفكر النير.
من دمستان