مازالت تداعيات الأحداث التي عصفت بالبلاد العام 2011 موجودة على الأرض وفي الشارع وفي النفوس.

البحرين انقسمت منذئذٍ إلى فسطاطين، وحتى الآن لايزال المجتمع على ذات الحدة في هذا التوزع، ويبدو أنه يتجه ليكون هذا الاصطفاف سلوكاً مستمراً وليس طارئاً كما كان يفترض.

البلد الآن فيها توجهان، الأول ينادي بمطالب يراها محقة، تتعلق بالعدالة والحرية والديمقراطية ومكافحة الفساد والاستئثار بالأراضي والثروة عند فئة قليلة من الناس، فيما يظن طرفٌ آخر أن تحقيق هذه المطالب سيكون على حسابه، وبالتالي فإن مطلبه انحصر تقريباً في منع تحقيق الأول لتلك المطالب، دون أن يقدم رؤيةً موضوعيةً لأية مطالب رغم ما يقول إنه يراه من فساد وظلم في البلاد وللعباد.

هناك من أراد طوال الأشهر الماضية أن يحتوي الأزمة التي خنقت البحرين اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً عبر الحل الأمني، وهناك من ظن أن هدم المساجد وترويع المواطنين الآمنين والاعتقالات التي تتم في ظلمة الليل من شأنها أن توجد الحل لإنهاء هذه الأزمة.

لكن اليوم ومع اقتراب عام كامل على ما جرى نقطع يقيناً أن الحل الأمني لم يكن حلاً قادراً على إسكات مواجع البلد وعلاجها، بل أثبتت التجربة أن هذا الحل يزيد من المشاكل ويعقّدها، بل ربما لدرجةٍ أكبر مما لو تركت دون علاج أصلاً.

ما يؤسف له، أن الحلول الأمنية دائماً ما تكون هي كلمة السر للتعاطي مع كل الأزمات التي تمر بها البحرين، وكأن قدر هذه الأرض وأهلها أن يرجف الأمل في قلوبهم وعقولهم كلما نشدوا مطالب تتعلق بالكرامة والحرية والعدالة.

إن هذه الحلول أكثر ثقلاً وكلفة من الذهاب إلى حوار حقيقي يضع مصلحة شعب البحرين بكل أطرافه وتلاوينه فوق مصلحة الذات، الطائفة، القبيلة، والعائلة، وليس عيباً أن يتم ولو لمرة واحدة في تاريخ بلدنا حوار مؤثر وذو مغزى بين الأطراف ذات الثقل الأكبر في الأزمة والقادرة على احتواء ما يجري لو تحققت إصلاحات عادلة يشمل خيرها الجميع.

عندما نتحدث عن المصالحة الوطنية، فلابد من التذكير أننا اليوم وصلنا الى العام 2012، ولا أحد يمكنه أن يظن أن توقيعاً على ورقة هنا أو هناك هو الطريق إلى هذه المصالحة. المصالحة الوطنية طريقها واضح وهي تتطلب أفعالاً لا مجرد أقوال أو توقيعات.

أخيراً، لا أحد ممن يحب البحرين وشعبها يقبل أن تبقى الأمور على حالها، ولا أحد يريد أن يرى شعبين منقسمين في بلد واحد، واقتصاداً متراخياً، وانتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان. ولا أحد يريد لسمعة البحرين إلا أن تظل عالية، وكل ذلك لا يتم إلا إذا اتجهنا للحوار الجاد.

بودّنا أن تتحقق العدالة والحرية والديمقراطية الحقيقية لينعم بها كل أبناء البحرين بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم، لكننا لغاية اليوم نعتقد أن الطريق إليها لايزال طويلاً ومليئاً بالأشواك، الأمر الذي يدفعنا للقلق أكثر فأكثر كلما سألنا هذا السؤال: إلى أين تسير البحرين؟