العدد 3428 - الأربعاء 25 يناير 2012م الموافق 02 ربيع الاول 1433هـ

البعد الإنساني في شخصية الفتاة الأميركية «راشيل كوري»؟

منصور القطري comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ذهبت راشيل كوري ابنة الثالثة والعشرين (Rachel Corrie) إلى غزة متطوعةً مع حركة التضامن الدولية، حيث شاركت في نشاطات متنوعة للتخفيف من أوضاع الفلسطينيين المعيشية والحياتية، كمساعدة المزارعين في حصد الغلال وتجهيز المستشفيات ومرافقة الأطفال للمدارس وإبقاء الطرق مفتوحةً أمام سيارات الإسعاف والمشاركة بالاحتجاجات السلمية.

كانت راشيل طالبة جامعية تدرس في كلية افرجرين ستيت في مدينة أولمبيا بولاية واشنطن، وكانت تعيش بسلام وحرية في جنة ما بعدها جنة، لأنها تؤمن بأن لها رسالة في الحياة، لذا التحقت بحركة التضامن الدولية. وهي حركة عالمية أرسلت ما يقارب من ألفي ناشط من أميركا ومناطق أخرى من العالم إلى الضفة الغربية وغزة، ومن بينهم ثمانية من مدينة أولمبيا الأميركية، بلدة راشيل. وتذكر حركة التضامن الفيدرالية أن الناشطين يدفعون تكاليف سفرهم ومعيشتهم من مواردهم الخاصة!

وقد انطلقت حركة التضامن الدولية International Solidarity Movement خلال مؤتمر لناشطي السلام الدوليين عُقد بمدينة جنوة بإيطاليا في يونيو/ حزيران 2001، حيث تم الاتفاق خلاله على إرسال وفود شعبية دولية إلى الأراضي الفلسطينية تمثل المجتمع المدني العالمي تحت شعار: «حملة الحماية الشعبية للفلسطينيين».

وتوضح حركة التضامن (ISM) نفسها أنها أنشئت لمساندة وتقوية الشعب الفلسطيني من خلال توفير حماية دولية وصوت مؤيد للمقاومة الفلسطينية السلمية ضد قوة الاحتلال العسكرية الهائلة، وهو الذي شكّل نظاماً شبيهاً بالنظام العنصري الجنوب إفريقي (الأبارتهايد)، والذي يسلب الفلسطينيّين حق الحياة والحرية يومياً.

وقد قامت صحيفة «الغارديان» اللندنية بنشر بعض رسائل راشيل كوري لعائلتها وأصدقائها، حيث كتبت إلى أمها تقول: «إن مجيئي إلى هنا واحد من الأمور الأفضل التي قمت بها طوال حياتي».

وتقول راشيل كذلك: «أنا أمشي على أنقاض منازل دمرها الإسرائيليون»، وتضيف «أواجه أيضاً صعوبةً في الحصول على أخبار عمّا يحصل في العالم، وقد سمعت أن الحرب الأميركية مع العراق باتت محتملةً، لكن المظاهرات ضد الحرب تجعلني أشعر بالاطمئنان.

وتضيف كوري «نحن نعمل هنا في رفح من غير توقف في بعض الأحيان علينا التواجد ليلاً لحماية آبار المياه من القوات الإسرائيلية ومن المستوطنين. إنني أومن بأن بلدتي (أولمبيا) تستطيع تقديم الكثير لرفح عبر إقامة علاقات اجتماعية مباشرة مع الناس وخصوصاً أن هناك مجموعات تعمل على رعاية الأطفال بحاجة إلى المعونة».

عند استعراض تراجيديا قصة راشيل يلوح في الأفق سؤال يطرح نفسه بإلحاح: ترى هل كانت راشيل كوري يوم ذهبت مع أصدقائها إلى غزة تعي أخطار هذه الرحلة؟

راشيل لم تمت برصاصة طائشة قضاءً وقدراً، وهى لم تقتل بصاروخ سقط عليها من دون علمها، بل وقفت قبالة الموت، واجهته وواجهها... ثم ماتت. ليس دفاعاً عن قومها بل عن قومٍ آخرين، وعن حلمٍ نبيلٍ بعالم أفضل يختفي فيه الظلم والقمع والقهر.

إنها قصة مواطنة أميركية دفعت حياتها ثمناً لتضامنها مع الشعب الفلسطيني، وقضت نحبها بين أسنان جرافة إسرائيلية سحقت جمجمتها، بينما كانت تحاول لوحدها منع الجرافة من هدم بيت فلسطيني في مدينة رفح بقطاع غزة العام 2003. هذه المواطنة الأميركية التي جاءت من بعيد لتقول لنا شيئاً عن الضمير الإنساني، يجعلنا نثق ليس فقط في الآخرين ولكن في عدالة كفاحنا. شكراً لمن يذكرنا بالشموخ، وشكراً لمن يوقظ في دواخلنا الترمومتر الإنساني المثقل بالنعاس.

نحن نذكر راشيل الأميركية المولد الإنسانية الجنسية، نذكر أيضاً حلمها وحلمنا وقيمها المتسربلة بالكرامة «ولقد كرمنا بني آدم»، فلولا أمثالها لظللنا كائناتٍ داجنةً في إسطبل الآراء المحنطة. ولمثلها من الأبطال الذين يصنعون التاريخ بصمود الأنبياء نوقد شموع الذكرى من أجل أن يطلع فجر العدالة، وربما نموت مثلها بغتةً أو وجهاً لوجه، لكننا مثلها سنظل نعشق الكفاح ضد كل أشكال القهر في كل مكان على هذه الأرض. وقد حدثني ذات مرة الفقيه السيدمنير الخباز قائلاً: «كل من يتصف بصفة الرحمة بفعله أو سلوكه فهو مستحق للرحمة كافراً كان أم مسلماً».

الدرس العائلي التربوي الرائع الذي نرغب في تسجيله هنا هو تعليق والديها في تصريح لهما: «لقد أنشأنا كل أولادنا على تقدير المجتمع والأسرة الدوليين، ونشعر بالفخر لأن راشيل استطاعت أن تعيش بحسب قناعتها. كانت راشيل تزخر بالمحبة والشعور بالواجب تجاه إخوانها من بني البشر - أينما كانوا - وقد ضحت بحياتها وهي تحاول حماية أولئك الذين لا يستطيعون حماية أنفسهم».

هكذا دوماً تصدح الذكرى في الضمير، والقلم يتأوه بين الأنامل متماهياً مع قول الإمام علي: «الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق»، ومردّداً قول الشاعر العربي: «ضمن نطاق هذا الحزام الأخضر ولدت ونطقت كلماتي الأولى... كان اصطدامي بالجمال قدراً يومياً... كنت إذا تعثّرت أتعثّر بجناح حمامة... وإذا سقطت أسقط على حضن وردة»

إقرأ أيضا لـ "منصور القطري"

العدد 3428 - الأربعاء 25 يناير 2012م الموافق 02 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:07 م

      :)

      اني من اشد المعجبين بهذه الفتاة و بموقفها السامي و كنت اود و بشدة لو أن هوليود صنعت فيلما عنها اكراما لما مثلته من تضحية و شجاعة و ايثار بموتها على الاقل لا بحياتها...و لكن حسبنا الله و نعم الوكيل

اقرأ ايضاً