العدد 3426 - الإثنين 23 يناير 2012م الموافق 30 صفر 1433هـ

المتهافتون على الثورة: المازري الحداد وكتابه «الوجه الخفيّ للثورة التونسية»

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

أسالت الثورة التونسية المداد ولاتزال على امتداد سنة كاملة، وحبَّر المحللون شرقاً وغرباً المقالات بل الكتب سعياً وراء فهمها والاستفادة من حيثياتها وخاصة بعد أن صارت نموذجاً يحتذى ومحكّاً لنجاح ما صار يعرف بالربيع العربي.

ولئن كانت غالبية هذه الكتابات ذات طابع انفعالي تمجيدي أو في أحسن الحالات وصفية تحليلية؛ فإن وجهاً آخر لهذه الكتابات ظلّ خفيّاً لأسباب كثيرة من ذلك كتاب المازري الحداد الموسوم بـ «الوجه الخفي للثورة التونسية» كتاب صدر أواخر العام 2011 لكنه سرعان ما توارى واختفى عن الأنظار في المكتبات التونسية ليظهر في مطلع ديسمبر/ كانون الأول في المكتبات الباريسية في طبعته الفرنسية وقد مثّل هذا الكتاب في رأي المحلل هاشم صالح «قنبلة موقوتة وغيَّر الصورة المثالية التي نشكلها عن الربيع العربي».

وصاحب الكتاب المازري الحداد كان سفيراً لتونس لدى اليونسكو إلى غاية صباح الجمعة (14 يناير / كانون الثاني2011) تاريخ إعلان استقالته احتجاجاً على قمع السلطة للمظاهرات الشعبية، لكن الذاكرة العامة للشعب تنتقي ما تشاء لتحتفظ به وتترك ما تشاء وخاصة أن هذا الموقف غير المسبوق للمازري الحداد قد رأى فيه البعض تكتيكاً متأخراً لأن الرجل صرح يوم 13 يناير 2011 لإحدى القنوات الفرنسية واصفاً المتظاهرين بالعصابة المتطرفة.

هذا عن الكاتب ولو بإيجاز بحسب ما يقتضيه المقام، أما الكتاب وهو الأهمّ فقد حمل الكثير من المفاجآت سواء عن أسباب الثورة ومحركاتها أو عن الربيع العربي أو عن الموقف من التيارات الإسلامية الصاعدة وغيرها... ولئن كنا ولا نزال نختلف معه في فهم نقاط كثيرة فإن هذا لا يمنع من عرض أفكاره أمام القارئ العربي لنردفه بمقال آخر لنقد هذه الأفكار وتنسيبها.

نكاد نقول إن المازري صدَمَ كثيراً من القراء والمتابعين للشأن التونسي حين اعتبر أن «الثورة التونسية لم تكن ثورة ياسمين بقدر ما هي انقلاب مزدوج أميركي قطري». هكذا ومنذ البداية يعتبر صاحب الكتاب أن «ما حدث يوم 14 يناير 2011 انقلاباً قادته الولايات المتحدة الأميركية مع قطر على النظام النوفمبري (نسبة إلى نظام الرئيس المخلوع الذي دشن حكمه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني1987)عبر استغلال التحركات الشعبية التي اتحد صوتها للإطاحة ببن علي.

كما ذهب إلى أنّ المدونين على صفحات التواصل الاجتماعي قد تلقَّوا تدريبات ودعماً مختلفاً من قوى أميركية، ولئن اعترف صاحب الكتاب بأن «للربيع العربي أسباباً واقعية موضوعية هي الدكتاتورية، الفساد، الرشوة، المحسوبية، والبطالة التي تصيب نسبة هائلة من شباب العرب» فإنه يلحّ على الدور الغربي في الدفع بالثورة إلى الأمام في قوله: «لكن هذه الحالة من الغضب الاجتماعي للشبيبة العربية استغلها الاستراتيجيون الأميركان لقلب النظم وتجديد الطبقة السياسية العربية وقطع الطريق على الديمقراطية الحقيقية والعدالة الحقيقية»، وهكذا يفسر الكاتب أموراً كثيرة انطلاقاً من نظرية المؤامرة وكون الغرب الاستعماري لا يريد خيراً للبلاد العربية. ويختم كلامه في هذا السياق بقوله: «يريدون إقناعنا بأن كل هذه الثورات عفوية، بأن هذه الفتنة الكبرى شيء جيد بالنسبة إلى العالم العربي... لكن وراء هذا الانتشاء بالحرية والفرح بالديمقراطية يقبع شبح ثلاثة مخاطر قاتلة: الأصولية الظلامية، والفوضى الشاملة، وفقدان السيادة الوطنية لمصلحة الأجانب». محذراً بذلك من هذا الربيع العربي.

أمّا عن الإسلاميين في تونس واعتبارهم تياراً معتدلاً قادراً على قيادة البلاد نحو إصلاحات ديمقراطية كما هو الحال في تركيا؛ فإن الكاتب ينفي ذلك قطعيا معتبرا أن اللاهثين وراء سراب المقارنة بين الحالة التركية والحالة العربية عموما والتونسية خصوصا هم كمن يلهث وراء سراب؛ ذلك أن حزب العدالة والتنمية التركي في نظر المازري الحداد اضطر إلى التأقلم مع تراث ديمقراطي كان موجودا سابقا في تركيا وهو معدوم بالكلية في العالم العربي.

أما عن فوز الإسلاميين الساحق في الانتخابات وميل نسبة كبيرة من التونسيين إلى حزب النهضة؛ فلأن التونسيين في نظره : «مهيّأون سيكولوجيا وثقافيا لاستقبال الأصوليين وكأنهم منقذون أرسلهم الله لكي يعيدوا للإسلام دوره ومجده في تونس المحروسة بعد طول كسوف وغياب. لقد أنقذوا الروح التونسية من اللعنة الأبدية التي أصابتها طيلة العهود السابقة.في الماضي كنا شعبا كافرا زنديقا، والآن مع النهضة سنعود الى القيم «الحقيقية» للإسلام! سنصبح طاهرين، مطهرين. وعلى هذا النحو سنخرج من الجاهلية نهائيّاً ونقلب تلك الصفحة السوداء للمرتدين الذين أهانوا الإسلام في عقر داره منذ العام 1956. باختصار شديد: منذ الاستقلال كنا قد أصبحنا شعباً وثنيّاً مبتعداً عن الله من دون أن نعي ذلك... على هذا النحو يفكر الشعب التونسي البسيط الطيب... والذنب ليس ذنبه وإنما ذنب الفقر والجهل والظروف». انتهى كلامه.

وما يقلق الكاتب أكثر؛ هو ذاك الزمن القصير الذي لزم لكي تحقق قوى الارتكاس (ويقصد النهضة وكل الأصوليين الإسلاميين) بعض الانتصارات الرمزية ولكي تقنع الشعب التونسي بأنها المستقبل.

وعلى رغم معرفته برموز حركة النهضة وعلى رغم صلاته السابقة بالمنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر؛ فإن المازري الحداد يبقى على تحفظه بل وعلى تشاؤمه وناقداً عنيداً لأطروحات النهضة؛ فهو في نظره حزب محتكر للدين ولا يؤتمن له مهما أظهر من مواقف لينة واعتدال حيث يقول الحداد على هذا النحو:»نجح حزب الغنوشي في احتكار الإسلام كله لوحده فأصبح الإسلام وحزب النهضة متطابقين... وغدا التصويت في الانتخابات الماضية مشروطاً بالخوف من النار والطمع في الجنة...». والخطير في نظره أن هذه الجماعة ستكون في حل من مجلة الأحوال الشخصية من منطلق عداوتهم لبورقيبة حيث يقول: «فمكتسبات المرأة ليس خطّاً أحمر بالنسبة إليهم وقد يتراجعون عنها أو عن بعضها إذا ما استسلم لهم المجتمع وقواه الحية».

وهذه المقدمات الخطيرة وجهت الكاتب للوصول إلى نتائج أخطر حيث اعتبر أن الوضع القائم في شمال إفريقيا ينبئ بمشروع استعماري جديد حيث قال في كتابه: «وراء هذا الكرنفال الديمقراطي الكبير الممتد من المحيط الى الخليج ألمح شبح مشروع الاستعمار الجديد. هناك تحالف يتم تجميعه وحشده الآن لسحق آخر معاقل المقاومة العربية ولعزل إيران التي أصبحت قوة إقليمية عظمى مزعجة للكثيرين. بمَ يتمثل المشروع الاستعماري الجديد؟ ما هي الأدوات التي سيستخدمها لتحقيق هدفه؟ انه يحاول بعث النزاع المذهبي المفتعل بين السنة والشيعة، كما ويحاول اللعب على وتر الصراع التاريخي بين الامبراطورية الفارسية الصفوية والإمبراطورية العثمانية. وبعد ذلك كله يريد أن يضع كل الأنظمة الإخوانية العربية التي ستخرج من صناديق الاقتراع تحت مظلة أردوغان والهيمنة التركية. لماذا؟ لأن القائد التركي لا يتمرد على الأوامر مثل الإيرانيين. وأكبر دليل على ذلك هو أنه أذعن لنشر شبكة الدرع الصاروخية الأميركية على أراضيه». انتهى كلامه.

هذه بسطة مستفيضة لأهم الأفكار الواردة في كتاب الوجه الخفي للثورة التونسية للمازري الحداد سفير تونس سابقاً في منظمة اليونسكو وللقارئ الحكم على ما ورد فيه من آراء تقبل النقد والتنسيب

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3426 - الإثنين 23 يناير 2012م الموافق 30 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:19 م

      المقارنة ليست خطأ

      صحيح أن ما يبعد الحالة التونسية في الإسلام السياسي عن الحالة التركية أكثر مما يقربها
      إليها لكن المقارنة منهج للفهم تساعد على حسن الوصول إلى الحائق

    • زائر 7 | 6:36 ص

      غريب هذا الرأي

      الثورة التونسية لم تكن ثورة ياسمين بقدر ما هي انقلاب مزدوج أميركي قطري».

      هناك تطاول على الثورة التونسية

    • زائر 6 | 4:48 ص

      رأي ورأي

      طبعا تحليه فيه نسبة من المعقولية لكن يبدو متجني جدا على الثورة حين ربطها بقطر وأمريكا في اندلاعتها

    • زائر 5 | 4:33 ص

      وجهة نظر

      شكرا على عرض وجهة نظر مخالفة
      لكن تبدو مجانبة للحقيقة

    • زائر 4 | 4:32 ص

      فعلا متهافتون

      صدقت هؤلاء متهافتون على الثورة

اقرأ ايضاً