العدد 3425 - الأحد 22 يناير 2012م الموافق 28 صفر 1433هـ

ثقافة الكراهية نقيض للتعايش وتقويض للمصالحة الوطنية

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يعتبر خطاب الكراهية أداة تنفيذية تؤسس لثقافة الكراهية التي تعتبر من الكبائر التي نهى عنها الدين الإسلامي الحنيف وحرَّمتها القوانين الدولية لما لها من نتائج ضارة تنشر العداء والتنافر بين أفراد المجتمع الواحد، وتحفز الإنسان لازدراء أخيه والتنكر لحقوقه التي كفلتها له القوانين الإلهية والوضعية. ومن المفارقة في كثير من الأحيان هي أن القائمين على تنفيذ ثقافة الكراهية هم أناس أتخذوا من الدين وسيلة للإساءة لتعاليمه التي تنص على المحبة والتسامح.

فعندما يدمر الإسلام السياسي آثاراً تاريخية أو إسلامية أو مساجد يعبد فيها الله؛ فإننا نكون أمام منعطف خطير لا يبشر بخير لهذه الأمة. من هنا تصبح إساءتنا لديننا ولأمتنا مضاعفة من حيث الإضرار بخلق الله وعصيان تعاليم الخالق وتشويه سمعة هذه التعاليم النبيلة على المستوى العالمي من خلال إبراز المسلمين كأمة متناحرة لا يمكن الركون إليها أو التعايش معها. وهذا بالفعل ما لمسناه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 التي ضربت الولايات المتحدة الأميركية ولم يكن للقائمين على تنفيذها تلك الجرأة والمقدرة لولا عملية غسل الدماغ المتمثلة في الشحن المؤسس لثقافة الكراهية.

إن لثقافة الكراهية جذورها التي قد تكون على شكل موروث تاريخي تتوارثه الأجيال دون محاولة السلطات الحاكمة المتعاقبة التأثيرعليه أو تصحيحه لأسباب سياسية تجعل من استمراره واقعاً مرغوباً في بعض المجتمعات. وتستند هذه الثقافة على أسس دينية أو مذهبية تارة، وقبلية أو عنصرية أو طبقية تارة أخرى وذلك وفقاً لتركيبة المجتمع وطبيعة مكوناته.

ولهذه الثقافة مخرجات عدة؛ منها التفرقة بين أبناء الوطن الواحد على أسس من الأنتماء إلى دين أومذهب أوقبيلة أو إلى عنصر بشري. ففي دولة كجنوب إفريقيا العنصرية أسس حكم الأقلية من البيض ثقافة الكراهية ضد الغالبية من المواطنين السود على أساس اللون حيث ولدت عقدة التعالي الاستعمارية قناعة لدى غالبية البيض أنهم أفضل وأجدر بالحياة الكريمة من المواطنين السود الأصليين. وهذه القناعة لم يكن لها أن تتجذر في ذهنية الإنسان الأبيض لولا عملية غسل الدماغ التي تعرض لها بفعل ثقافة الكراهية التي جاء بها المستعمر الغربي، وهي الثقافة ذاتها التي عصفت بالمجتمع الأميركي قبل أن يحزم المواطن الأبيض أمره ويقرر مرغماً الاعتراف بالحقوق المتساوية للمواطن الأسود.

ففي الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر رائدة العنصرية حتى وقت قريب صدرت وثيقة الاستقلال عن المستعمر البريطاني في العام 1776 مستلهمة مبدأً إنسانيّاً نبيلاً وهو أن الناس قد خلقوا أحراراً ومتساوين. ومن هذا المبدأ استمد الدستور الأميركي في العام 1787 وتعديلاته المتلاحقة مبادئ العدالة والمساواة بين جميع المواطنين. إلا أن هذه الوثيقة الدستورية على رغم أهميتها لم توفر العدالة والمساواة لجميع المواطنين. فالعبودية في أميركا لم تنتهِ من الناحية الدستورية إلا في العام 1865.

كما أن حق المرأة في التصويت لم يتحقق إلا في العام 1920. أما المواطنون الأصليون من الهنود الحمر؛ فلم تعطَ لهم حقوق المواطنة الكاملة إلا في العام 1924. وعلى رغم هذه الإنجازات التي تحققت عبر سنوات طويلة على المستوى التشريعي؛ فإن الولايات المتحدة الأميركية لم تتخلص كلية من ذلك الموروث البغيض الذي تلبس عقل الإنسان وقلبه من خلال عملية مستدامة وممنهجة من غسل الدماغ بدوافع عنصرية ومصلحية تمثلت في تجارة الرقيق. فقد استمرت ممارسات التمييز ضد الأقليات لعدم الاعتراف بحقوقهم على المستوى العملي. وهكذا تغلبت ثقافة الكراهية على المبادئ والنصوص الدستورية.

وهذا ما حدا بدعاة الحقوق المدنية من أمثال مارتن لوثر كنغ لتنظيم صفوفهم في حركة سلمية بهدف نيل الاعتراف الفعلي أولاً بحقوق المواطنة المتساوية لجميع الأميركيين. فقد أدرك مارتن لوثر كينغ أن الديمقراطية والنصوص الدستورية وحدها لا تمنح الحقوق ما لم يصاحبها اعترافٌ رسمي بوجود الآخر وحقه في المواطنة الكاملة. كما أدرك أن انتزاع هذا الاعتراف ليس بوسعه أن يتحقق إلا من خلال نضال سلمي متواصل استمد أساليبه من مبادئ المهاتما غاندي. فعلى ضوء هذا الاعتراف صدرت التشريعات والقوانين والآليات المنفذة لمبادئ المساواة على أرض الواقع. وهكذا تحققت أحلام مارتن لوثر كينغ في سبعينات القرن الماضي أي بعد مئة وتسعين سنة من صدور وثيقة الاستقلال وكتابة الدستور الأميركي. وهذا يدلل على أن استئصال ثقافة الكراهية التي تتحول إلى عقيدة مركبة بعوامل دينية وعنصرية وسياسية مصلحية هو أمر في غاية الصعوبة وباهظ الأثمان.

وإذا ما أسقطنا هذا الوضع على وطننا الجريح نشاهد إرهاصات خطيرة عبر وسائل وخطابات إعلامية تؤسس لثقافة الكراهية التي نخشى من تأطيرها وتأصيلها. كما نشاهد سعي البعض إلى تطبيق هذه الثقافة مدفوعة الأجر على أرض الواقع متمثلاً في بروز نزعة الانتقام وعرقلة أي توجه للمصالحة الوطنية وذلك في ممارسات تعتبر طارئة على هذا المجتمع المتسامح الذي تآلفت وانصهرت فيه جميع مكوناته بسلام. ومن ملامح هذا التحول البغيض؛ ممارسات تندرج ضمن مفهوم العنصرية التي تعتبر من إفرازات ثقافة الكراهية. وتمثلت هذه الممارسات في الاستئثار، والمقاطعة ورفض الجيرة والاعتداء على المصالح ولم ينج منها حتى الأبرياء والموالون. وقد بلغت هذه الثقافة ذروتها في الرصد والترصد لمحاربة الإنسان في رزقه وفي إنكار حقه في الحياة أو التمتع بمحاكمات عادلة ضمنتها له القوانين المحلية والدولية والشرائع الدينية. فرفع البعض المشانق على غرار محاكم التفتيش في الأندلس ولكن في وجه شريك الدين والوطن وذلك في محاولة لإعادة التاريخ الى الوراء باستحضار بعض فصوله غير المحببة، لاغياً هذا البعض تلك الحقبات المضيئة التي أكد فيها المواطن البحريني تمسكه بحكامه وتلك التي وقف فيها خلف قيادته لصد أطماع الخارج، وهذا يوحي بأن عملية غسل الدماغ الممنهجة قد بلغت ذروتها لتبشر بمجتمع غير آمن قد تفوق عملية إصلاحه تلك الفترة التي مر بها من سبقونا.

إن عملية غسل الدماغ هي من أكثر الأدوات فعالية لنشر ثقافة الكراهية التي بتنا نشاهد آثارها المدمرة في دول عدة كالعراق حيث يقتنع البعض بأن الشهادة التي تفتح له أبواب الجنة تكمن في العمليات الانتحارية لقتل أخيه. وعندما تستمد هذه الثقافة نشاطها من عامل المصلحة؛ كما كان الحال عليه في الولايات المتحدة الأميركية حيث سخرت تلك الثقافة لخدمة مصالح تجار الرقيق الذين وقفوا ضد قانون الحقوق المدنية؛ فإن المجتمع ينحدر بكامله نحو الاحتراب كما حدث في عهد ابراهام لنكولن .وهذا العامل المصلحي يذكرنا برفض بعض نوابنا الأفاضل لقانون يجرم التمييز وآخر لمكافحة الفساد للأسباب ذاتها.

إن معالجة الأوضاع المتفاقمة في بلادنا تتطلب أولاً وعياً بجذور المشكلة يقوم بتعطيل جميع وسائل غسل الدماغ التي تعمل على نشر ثقافة الكراهية وذلك تمهيداً لوضع إطار لمصالحة وطنية تأخذ في الحسبان أمن الوطن واستقراره، وتحصنه من أي كبوات قد يتعرض لها في الحاضر والمستقبل. وحتى يتحقق هذا الحلم؛ فإن المخلصين لهذا الوطن وبمختلف فئاتهم مطالبون بالتكاتف نحو هدف واحد يفعل مقولة الوطن للجميع وهو النداء الذي نؤمن به جميعاً حكاماً ومحكومين وعلى امتداد خليجنا العربي. فبهذا الإيمان نقطع الطريق على تجار المصالح السياسية ونحمي سفينة الوطن التي إن غرقت، لا سمح الله، لن ينجو منها أحد

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3425 - الأحد 22 يناير 2012م الموافق 28 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 1:48 م

      مقال رائع

      مقال رائع يحتاج الى تأمل بالخصوص من جهة الفئة التي تستغل من العوام والخواص لنشر بذرة الكراهية والطبقية على أسس مذهبية لكونها الاقرب الى إصابة الهدف المشئوم في تفتيت الاسرة البحرينية وزرع أوهام لا وجود لها أساساُ كالعدو الخارجي القادم!!!.

    • زائر 9 | 7:26 ص

      ثقافة الكراهية والحقد تطبق بسرية ومنهجية مند زمن بعيد ولكنها تطبق علانية الآن

      وخطابات إعلامية تؤسس لثقافة الكراهية التي نخشى من تأطيرها وتأصيلها. كما نشاهد سعي البعض إلى تطبيق هذه الثقافة مدفوعة الأجر على أرض الواقع متمثلاً في بروز نزعة الانتقام وعرقلة أي توجه للمصالحة الوطنية

    • زائر 8 | 6:34 ص

      الدين تقديس الانسان

      هل يمكن للانسان ان يتجاوز الدين ويعيش بدون دين لا شك ذلك مستحيل فالدين هي القيم الانسانية السامية فالمتدين انساني النزعة ناكرا لذاته محبا ومضحيا للاخرين بدون حدود ولا شروط والاختلاف في الاديان والمعتقدات امر طبيعي في صالح الانسان فالمتدين ينطلق من منفعة وفائدة الانسان لهذا لا يعتبر متدين اذا قال ديني احسن الاديان ويكره الاخرين على اعتناق دينه ففي هذه الحالة يصبح عدوا للدين عدوا للانسان ويصبح الدين وباء يهدد الحياة والانسان كما نرى ما يفعله انصار الارهاب والعنف والذبح باسم الدين

    • زائر 7 | 3:25 ص

      الاعتذار

      نريد ان نسمع شيئا عن ثقافة الاعتذار من الجهات التى تسببت في انتشار ثقافة الكراهية وشكرا

    • زائر 5 | 2:25 ص

      اسلام و مسلمين

      يجب ان نفرق من يهدم المساجد يدعي الاسلام و الاسلام برئ منه

    • زائر 2 | 11:55 م

      الدين وثقافة الكراهية

      اسوأ ما في استخدام الدين هو استخدامه كأداة هدم وهي أسائة للذين الحنيف حيث يسعي البعض ان يلبس الذين تهمة هذه الافكار المنحرفة ويجير الفتاوي في صالح ابعاد مكون منافس له حتى يتسنى له الاستحواد على مصالح العباد والبلاد وهذا ما أصبح جلياً الان أنظروا من أستحود علي مقدرات البلد هو الذي اشاع ثقافة الكراهية والبسها لباس الذين

اقرأ ايضاً