للبحرين محاكمها الاستثنائية، منها المحكمة الانضباطية التي يخضع لها رجال الشرطة والأمن العام، والمحكمة العسكرية، ويخضع لها منتسبو قوة دفاع البحرين، ومحكمة الاستئناف العليا حين تنظر التظلمات التي يرفعها من اعتقل وفقا للمرسوم بشأن تدابير أمن الدولة سيئ الصيت، والذي صدر بلا رقم في صيف 1975. ومحكمة أمن الدولة التي أنشئت بالمرسوم رقم 7/1976 بالاستناد للمادة (185) من قانون العقوبات وتختص بنظر الجرائم المنصوص عليها فـي المواد (112 إلى 184) من قانون العقوبات وموضوعها، الجرائـم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي ثم محكمة السلامة الوطنية المشكلة وفقاً للمرسوم محل الدراسة، وهي موضوعنا هنا: ولنا مآخذ على محكمة السلامة الوطنية بوصفها محكمة استثنائية، ذلك أن:
الجهة القضائية التي يتقاضى أمامها الجميع يجب أن تكون واحدة، وأن تكون إجراءات التقاضي واحدة، وأن يكون القانون المطبق على الجميع واحداً في الموضوع وفي الإجراءات.
وإذا كانت الديمقراطية لا توجد من دون حرية فإنها لا توجد كذلك دون مساواة، والمواطنون يبغون المساواة في الحرية، والحرية لا توجد، ما لم تكن مقامة للجميع بوصفها الحصن المتين الذي يحمي تلك الحقوق ويسهر على رعايتها وخصوصا في المجال القضائي، فالمساواة، إذاً ركيزة الحريات وملاك الحياة الاجتماعية الحديثة.
وتنص المادة (18) من الدستور البحريني على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة. وهو ذاته ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948 وهو بصدد النص على مبادئ تتعلق بالقضاء، ويمكن عدها معيار التمييز بين الأنظمة القضائية وبين المحاكم نفسها داخل التنظيم القضائي، إذ يقول الإعلان العالمي في مادته السابعة، إن كل الناس سواسية أمام القانون (المادة 7): ولكل إنسان الحق على قدم المساواة أن تنظر قضيته محكمة مستقلة نزيهة (المادة 9). كما نص الملحق (ب) المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية على المساواة أمام القضاء والمحاكمة العادلة والعلنية، وبواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استنادا إلى القانون (المادة 14 فقرة 1) ولكل محكوم الحق في إعادة النظر بالحكم والعقوبة بواسطة محكمة أعلى بموجب القانون (14 فقرة 5) وبإعمال ما تقدم على محكمة السلامة الوطنية بوصفها أحد مفاعيل مرسوم السلامة الوطنية موضوع البحث، نجد أن المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، قد انتهك بوضوح، أحكام الدستور البحريني من خلال ما نصت عليه المادة (7) من هذا المرسوم من إنشاء محكمة استثنائية لإجراء المحاكمات الخاصة بجرائم وقعت فعلاً وتكليف النيابة العسكرية بمباشرة إجراءات التحقيق بشأن هذه الجرائم، بغض النظر عما إذا كان مرتكبه عسكرياً، ويدخل في ولاية هذه النيابة، بحسب الدستور، وقانون إنشائها أو من غير العسكريين، ويخرج عن ولايتها من ليسوا كذلك. فقد نصت على أنه: «تختص المحاكم المشكلة بموجب هذا المرسوم بنظر الجرائم التي أدت إلى إعلان حالة السلامة الوطنية والجرائم المرتكبة خِلافاً للأوامر والقرارات الصادرة من السلطة المكلفة بتنفيذ إجراءات السلامة الوطنية وما يرتبط بها من جرائم، وكذلك أيةُ جرائم أخرى تقرر هذه السلطة إحالتها إليها، وتختص النيابة العسكرية باتخاذ إجراءات التحقيق ومباشرة الدعاوى أمام هذه المحاكم».
ونصت المادة (8) من المرسوم ذاته على أن: «تُشكل محكمة السلامة الوطنية الابتدائية من ثلاثة قضاة يصدر بتعيينهم قرار من السلطة المكلفة بتنفيذ إجراءات السلامة الوطنية». ونصت المادة (9) من المرسوم ذاته على أن: «تُشكل محكمة السلامة الوطنية الاستئنافية من ثلاثة قضاة يصدر بتعيينهم قرار من السلطة المكلفة بتنفيذ إجراءات السلامة الوطنية».
ويكون المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، بموجب هذه الأحكام قد خالف بشكل جلي ما تنص عليه المادة (105) من دستور مملكة البحرين لسنة 2002 من أن إنشاء المحاكم وتحديد اختصاصاتها يكون بموجب قانون وليس بمرسوم أو قرار، فهي تنص على: «(أ ـ يرتب القانون المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويبين وظائفها واختصاصاتها»، فهو كمرسوم لا يمثل الأداة الدستورية الصحيحة لإنشاء المحاكم «وهي التشريع الصادر عن السلطة التشريعية»، وعلى رغم ذلك فقد أُنشِئتْ محكمة استثنائية أُطلق عليها محكمة السلامة الوطنية، غير معلوم من هم أعضاؤها وتُرك للسلطة التي تنفذ حالة السلامة الوطنية، وهي بحسب المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، القائد العام لقوة دفاع البحرين (الجيش البحريني) مهمة اختيارهم وتعينهم، كذلك خالف المرسوم ما تنص عليه المادة (104) من دستور مملكة البحرين لسنة 2002، من أن القانون هو الذي يحدد اختصاصات النيابة العامة، وليس مرسوماً أو قراراً، وما تنص عليه المادة (105) من دستور مملكة البحرين لسنة 2002 في البند (ب) من أن القضاء العسكري لا يجوز أن يَمنح أي ولاية قضائية على المحاكمات التي تجرى لغير العسكريين إلا في حال الأحكام العرفية. فالمادة (104 من الدستور) تنص على: «ج ـ يضع القانون الأحكام الخاصة بالنيابة العامة». و(105 من الدستور) تنص على: «ب ـ يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التي تقع من أفراد قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يمتد لغيرهم إلا عند إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يقررها القانون». فالمرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 مد ولاية النيابة العسكرية، التي تعتبر جزءا من القضاء العسكري بحكم القانون، إلى ما ليس مقرراً لها في القوانين المنظمة لولايتها وهو القانون رقم 34/2002 بإصدار قانون العقوبات العسكرية، وعقد لها ولاية بشأن جرائم غير عسكرية، على رغم أنها، بحسبانها جُزءًا من المحاكم العسكرية، لا يجوز وفقاً للدستور أن تمتد ولايتها لمثل هذه الجرائم حتى في حالة الأحكام العرفية، ومن باب أولى في حالة السلامة الوطنية.
كذلك خالف المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، ما تنص عليه المادة (104) من دستور مملكة البحرين لسنة 2002 من أن الضمانة الأساسية لعدم إهدار الحقوق والحريات هي نزاهة القضاة وعدلهم، وأن القانون مسئول عن وضع الإجراءات الكفيلة باستقلال القضاة وضمان نزاهتهم، فهي تنص على «أ ـ شرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الحكم، وضمان للحقوق والحريات. ب ـ لا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال من الأحوال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء، ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم». فالمرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، أهدر ضمانة أساسية لاستقلال القضاة كفلها القانون وهي تعيين القضاة من قبل جهة منفصلة عن الجهة التي تتولى تنفيذ القانون، فقد نص قانون السلطة القضائية رقم 42/2002 وكذلك قانون العقوبات العسكرية رقم 34/2002 بموجب آخر تعديلاته، على أن القضاة يُعينون بأوامر ملكية، بينما جاء المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 محل الدراسة، ليُخالف ما نصت عليه هذه القوانين، وليمنح السلطة المخولة بتنفيذ حالة السلامة الوطنية، القائد العام لقوة الدفاع، سُلطة تعيين القضاة في هذه المحكمة الاستثنائية التي أنشأها، كذلك دون أن يبين ضمانات هؤلاء القضاة ضد العزل من قبل هذه الجهة؛ بما يُعدِم استقلاليتهم. وجديرٌ بالذكر أن أحد معايير المحاكمة العادلة التي يقررها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي التزمت به البحرين بوصفها عضواً في الأمم المتحدة، والذي يمثل المرجع الأساس للحد الأدنى لحقوق الإنسان التي لا يُسمح لأي دولة بالنزول عنه مهما كانت الظروف، هو أن تتم أمام محكمة مستقلة ونزيهة تطبق إجراءات عادلة كما تنص على ذلك المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما يُؤكد العهد الدولي للحقوق السياسية والاقتصادية الذي انضمت له مملكة البحرين، أن البحرين ملزمة بأن تُجري المحاكمة الجنائية أمام محكمة مختصة وحيادية ومستقلة كما يجري نص المادة 14 من العهد الدولي المذكور، ولا يعفي البحرين من الالتزام بهذه المبادئ إخطارها الأمم المتحدة في مطلع مارس/ آذار الماضي بأنها ستعلق التزامها ببعض بنود العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقعته والتزمت به بلا تحفظات
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"العدد 3425 - الأحد 22 يناير 2012م الموافق 28 صفر 1433هـ
قانون النظام ونظام القانون.
لِكُلٍّ جَعَلْنَا شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً] المائدة:48
للقانون نظام واضح في مجموع عناصره الرئيسية تنبي وتدين. فالقانون – شرعة ولها منهاج يبين مادة القانون وأصلها والفصل فيها.
فمن المعلوم أن أي قانون يقابله حق بناءً عليه صدر القانون. وهذا يرشد الى المسئولية والواجب والمهام وكذلك الحكم والحدود والعقاب متى ما خالف إنسان هذا القانون.
فلا نهج بلا شرعة ولا شرعة دون نهج
شكراااا
الف شكر على مجهودك الكبير في تفصيل القانون
تشكر
شكرا على الافاددده