هل للجماعة أنا فردية؟ هل يستطيع كل منا أن يكوِّن أناه بكامل عبثيتها ونزقها وجنونها وتطرفها وعقلها في كل وقت؟
ما الذي يحدث لمن يصرح بأناه وسط الجماعة محاولاً إبعاد شبهةٍ ما دُسَّتْ إليه من دون جرم اقترفه، أو دُسَّتْ لغيره من دون وجه حق؟
لا أعني بالجماعة هنا جماعة دينية بالضرورة، بل أعنيها جماعة إنسانية بالدرجة الأولى، حتى وإن سعت بعد ذلك لتحويل سلوكها إلى سلوك ديني يتبنى أيديولوجيا شرعية قد لا تمت لشرع أصل ذاك الدين بصلة، ولكنها تفرض على جميع أفرادها العمل وفقها ووفق تلك التشريعات المستحدثة والموضوعة.
في مجتمعاتنا العربية للأسف الشديد عندما تكون (أنت)، وسط جماعة لا تريد منك إلا أن تكون (هي)، لابد أن تتكالب عليك اللعنات ويشرع المسئولون في تلك الجماعة بسلِّ جميع التدابير المشروعة وغير المشروعة من أجل سنِّ قوانين وفتاوى عرفية لتهميشك واستلاب حقوقك، بل وأحياناً لوصفك بالخارج منها وعليها، فلا تستطيع أن تصرّح بما يجول بخاطرك مادمت مخالفاً لجماعتك، خوفاً من أن تُسَلّ الأقلام عليك وأحياناً السلاسل والقيود وربما السجون!
في مجتمعاتنا العربية إن كنت تنتمي لجماعةٍ ما لأن ذويك انتموا إليها من قبلك، فذلك يعني أن تقبل جل ممارساتها بالضرورة، وأن تظهر استحسانك ورضاك عن كل ما ترتبه وتحوكه وتؤديه. فإن أنت أظهرت إعجابك بممارسة أدتها جماعة أخرى - ليست بالضرورة منافسة - تكون قد خسرت حياة هانئة وسط جماعتك!
الأمر الذي يجعل البعض - خشية - يطالب بتشريعات وسنن داخلية تضمن له حق التعبير عن رأيه من دون أن يصيبه مس الأذى، ويجعل بعضاً آخر يأخذ بنصيحة «إمش جنب الحيط»!
لا أعني بما ذكرت أنني أنتمي لفكرة تقديس الجماعة بكل ما لها وما عليها، أو أنني أتبنى فكرة الانصهار في الجماعة حد نسيان الأنا والعقل، بل أصف حالاً صارت منتشرة بشكل مزرٍ في مجتمعنا. وللأسف فإنها لا تجد من يحاول تفنيدها ونبذها والخروج عنها إلا القليل، وهو الواقع الذي أوضحته لنا الأزمة التي تتعرض لها بلادنا منذ فبراير/ شباط حتى اليوم.
هناك كثيرون لا يريدون التفكير في أخطاء جماعاتهم فقط لأنهم لا يجيدون قول «لا»، ولا يستطيعون أن يكونوا «هم» من دون أن يكون للجماعة حضور واضح في قراراتهم. وهذا ما أنجب لنا وابلاً من الخطايا والأخطاء منذ فبراير حتى اليوم، وهو نفسه ما أدى إلى تقسيم مجتمعنا إلى نحن وأنتم.
الانتماء إلى الجماعة أمر محبب؛ لكي لا يشعر المرء بالغربة، ولكن التماهي بها هو الأمر الذي يجب أن يرفضه كل عاقل؛ فالجماعة ليست سوى أنا متفرقة ومتعددة تجمعت لتكون مجموعة من الآراء تختلف وتتفق لتصل إلى الحقيقة والصواب، الجماعة قلوب متعددة اتحدت لتكون مجتمعاً ملؤه الحب والوحدة.
فهل يعني الانتماء تماهي المنتمي مع/ في الآخر المنتمى إليه؟ وهل تصح الحياة من دون «لا»؟
أطلقوا «لا» واحدة في اليوم عند الحاجة إليها، فلا تصح الحياة دائماً بنعم
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3423 - الجمعة 20 يناير 2012م الموافق 26 صفر 1433هـ
شكرا لكم
اختي سوسن ماتقولينه هنا هو عين العقل نحن بحاجة ان يقول كل واحد منا ما يشعر به لكي نصحح اخطائنا ونقوم بتعديل نهج جماعتنا ولو ان اخواننا صرحوا بما يدور في خاطرهم لما وصلنا لما نحن نعيشه الان من تفرقة عنصرية وطائفية فشكرا لكم شكراً لكم شكراً لكم
بالضبط
من أروع ما قرأت استاذة سوسن. شكرا لجمال قلمك فلو أن كل شخص أصر على أن يكون هو وأن يقول رأيه لكان وضعنا اليوم أفضل بكثير ، أما الصمت فهو غباء وسلبية غير مغتفرة
شكرا لك وللوسط والى مزيد من التألق
شكرا استاذه سوسن على هذا المقال الجميل
نعم لماذا يجب ان نقول نعم في كل الحالات يجب ان نطلق كلمة لا في بعض الاحيان وحتى لو ادى ذلك الى بعض المخاطرة من اجل كلمة حق فنحن لايجب ان نكون كقطيع الخراف يتم دوما قيادتنا باشارة من راعي القطيع .
شخصيا انا اقول كلمة لا لاي شيء لايعجبني شاء من شاء وابى من ابى فلن اسمح لاحد ابدا بمصادرة رايي الشخصي ولو ادى ذلك الى اي تبعات فالحياة مواقف عز وكرامة ولحظات يجب ان نثريها لما نعتقد بانه صالح لناولمجتمعنا ولا يجب ان نتخاذل او كما اسلفت الكاتبة المحترمه ان "نمشي جنب الحيط" .
ضحكة ألم
سوسن دهنيم )))) ابدعتي في مقالك اليوم وما يحدث اليوم في البلد ما هو إلا جزء او انعكاس لما تقولينه حيث تم سلب إرادت المواطن من ذكر أو انثى صغير أو كبير وحقه في التفكير وحقه في الاعتراض على ما يحدث والويل له إن لم ينجر لأفكار والخطوات التنفيذية التي تنوي الجماعة تنفيذها وأثرها على تفكيك مكونات المجتمع, واذا اعترض المواطن على تلك التوجهات ستتحول حياته إلى سواد والسبب قوله لا وهو مضطر لقول لا على الرغم من عدم اقتناعة وتنشأ الاغلبية (الصامته) التي لو تكلمت لسحقة المتحجره افكارهم والمصادرة لعقول الناس