كما أكدت المحكمة الدستورية العليا المصرية ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا المصري إذ قضت بأنه: «لما كان القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 المطعون فيه قد صدر في شأن يتعلق بالأراضي الزراعية التي تم الاستيلاء عليها طبقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 متضمنا عدم أحقية ملاكها في التعويض عن هذه الأراضي، فتعرض بذلك للملكية الخاصة، وهي من الحقوق التي عُني الدستور بالنص على صونها، وتحديد الحالات التي يجوز فيها نزعها جبرا عن مالكها، ووضع القيود والضوابط لحمايتها، والتي ينبغي على سلطة التشريع أن تلتزمها وإلا جاء عملها مخالفا للدستور، ومن ثم لا يكون ذلك القرار بقانون قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى منها في هذا الصدد بعد اختصاص المحكمة بنظر الدعوى غير قائم على أساس متعينا رفضه». (قضية 3 لسنة 1ق- دستورية- 1983.6.25 – المجموعة – ج2- قـاعدة 22 – ص162 -163). كما قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية كذلـك بأن: «اعتبار القانون المطعون فيه مـن تشريعات الطوارئ لا يجعله بمنأى عن الرقابة الدستورية لأنه نظم أموراً وضع لها الدستور ضوابطَ يجب التحقيق من التزامها. ومن ثم كان ما أثير من أن إصدار القانون رقـم 119 لسنة 1964 يعتبر من أعمال السيادة الـتي تنحسر عنها رقـابة القضاء ليس له أي سند من القانون». كما قضت: «ولئن صح أن قرار رئيس الجمهورية الصادر بإعلان حالة الطوارئ مما يدخل في نطاق الأعمال السياسية التي تنحسر عنها الرقابة القضائية باعتباره من الأعمال التي تتخذها الدولة في حدود وظيفتها السياسية للمحافظة على سلامتها وأمنها، فإن هذا الوصف لا يصدق على التصرفات والتدابير والأوامر والقرارات التي تتخذها الجهات القائمة على تنفيذ الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على أموال وممتلكات بعض الأشخاص والتي حصنتها المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 99 لسنة 1963 ضد الطعن، وهي أعمال لا تمتد إلى القرارات الصادر من رئيس الجمهورية بفرض الحراسة التي قد يثار البحث في تحديد طبيعتها، وإنما هي قرارات تصدرها هذه الجهات باعتبارها سلطة عامة فتكون لها صفة القرارات الإدارية وتصرفات أخرى تدخل في مجال القانون الخاص ومن بينها أعمال الإدارة والتصرفات التي تمارسها هذه الجهات في شأن الأموال الخاضعة للحراسة، وهذه التصرفات والقرارات تندرج في دائرة أعمال الحكومة العادية وليست من قبيل التصرفات والأعمال التي تتخذها الدولة في نطاق وظيفتها السياسية للمحافظة على سلامتها وأمنها ولا تعتبر من أعمال السيادة. يؤيد هذا النظر أن نظام الطوارئ الذي كانت الحراسة تفرض استنادا إليه نظام تناوله الدستور في المادتين 148 و48 منه، وقد أرست المادة الأولى أساس هذا النظام فنصت على أن «يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين في القانون». وأشارت المادة 48 من الدستور إلى حالة الطوارئ عند وضعها ضوابط فرض الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام في حالة إعلان حالة الطوارئ ولم يبين الدستور السلطات التي تخول لسلطة الطوارئ وفوض الشارع العادي في تحديد هذه السلطات. وقد تكفلت قوانين الطوارئ بتنظيم حالة الطوارئ منذ صدور القانون رقم 15 لسنة 1923 بنظام الأحكام العرفية ونصت على التدابير المنوط بسلطة الطوارئ اتخاذها؛ ما يدل على أن نظام الطوارئ وإن كان نظاما استثنائيا إلا أنه ليس نظاما مطلقا بل هو نظام دستوري وضع الدستور أساسه وبين القانون حدوده وضوابطه، لذلك فإن التدابير التي تتخذ استنادا إلى هذا النظام يتعين أن تكون متفقة مع أحكام الدستور والقانون، فإن جاوزت هذه الحدود والضوابط فإنها تكون غير مشروعة وتنبسط عليها رقابة القضاء. (قضية 5 لسنة 5ق ع – دستورية 1976.7.3 – المجموعة – ج1 – قاعدة 36 – ص422 – 433). (الطعون السابقة مشار إليها في كتاب ولاية المحكمة الدستورية العليا في المسائل الدستورية لمحمد فؤاد عبدالباسط - هامش ص 399 وما بعدها قائم على أساس صحيح، متعين الرفض).
كما أكدت المحكمة الدستورية في البحرين ما استقرت عليه أحكام القضاء المصري، وذلك في حكم لها إذ قضت بأنه: «وحيث إن نظرية الأعمال السياسية – كقيد على ولاية القضاء الدستوري – تجد في ميدان العلاقات والاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع في المجال الداخلي، نظراً لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا، وإذ كان ما تقدم، وكانت الدعويان الماثلتان تنصبان على نص المادة (157) من قانون العقوبات، وهو قانون يتصل بتنظيم الجرائم وعقوباتها، ويرسم حدودها ويبين ضوابطها، وينظم حالات الإعفاء منها وشروطه، مما مؤداه أن هذا القانون ينظم بأحكامه أموراً وضع الدستور أسسها، ورسم حدودها وقيودها ووضع ضوابطها في المادتين (19) و(20) منه، وخول المحكمة الدستورية رقابتها، ومن ثم لا يكون النص المطعون بعدم دستوريته قد تناول بالتنظيم مسائل سياسية تدخل في عداد الأعمال السياسية، حتى يقال بعدم اختصاص المحكمة الدستورية بنظرها على ما ذهبت إليه الحكومة في دفعها، ويضحى بالتالي الدفع المبدى منها بعدم اختصاص المحكمة الدستورية ولائياً بنظر الدعويين غير قائم على أساس صحيح، متعين الرفض).
وفي حكم آخر قضت محكمتنا الدستورية بـ «وحيث إن دائرة الشئون القانونية قد دفعت الدعويين أصلياً بخروج النص المطعون بعدم دستوريته عن نطاق الرقابة الدستورية المقررة للمحكمة الدستورية، وأسست دفعها على أن نص المادة (157) من قانون العقوبات جاء بالقسم الخاص بالجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي، ومن ثم صدر مستهدفاً سلامة الدولة ونظامها السياسي، وتحقيق مصلحتها السياسية في حماية الجبهة السياسية والسلام الاجتماعي، ما يدخل في نطاق المسئولية السياسية ويعتبر من قبيل الأعمال السياسية التي تخرج عن نطاق الرقابة الدستورية المقررة لهذه المحكمة.
وحيث إن المحكمة الدستورية – على ما جرى عليه قضاؤها، وبما لها من هيمنة على الدعوى الدستورية وعلى ما يثار فيها من دفوع – هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح، وذلك على ضوء طلبات الخصوم فيها، وبعد استظهار حقيقة أبعادها ومراميها، دون التقيد بألفاظها ومبانيها. لما كان ذلك، وكانت دائرة الشئون القانونية قد طلبت في ختام مذكرتها المودعة بتاريخ 2/1/2005 «الحكم بصفة أصلية بخروج النص المطعون فيه عن نطاق الرقابة الدستورية»، وهو ما رددته في صدر مذكرتها، وتناولته في متنها، وكانت ترمي من كل ذلك لخروج الدعويين من ولاية القضاء البحريني أياً كان نوعه، ومن ثم عدم اختصاص المحكمة الدستورية بنظرهما، فإن الوصف والتكييف القانوني الصحيح لهذا الدفع، أنه دفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية ولائياً بنظر الدعويين الماثلتين. وحيث إن هذا الدفع مردود، بأن الأصل – على ما تقضي به المادة (106) من الدستور والمادة (16) من قانون إنشاء المحكمة الدستورية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 – أن المحكمة الدستورية تختص دون غيرها بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وغايتها التحقق من التزام السلطتين التشريعية والتنفيذية بأحكام الدستور ومبادئه، فيما يصدر عنهما من قواعد عامة تنظم حقوق الأفراد وحرياتهم ضماناً لتحقيق الشرعية الدستورية. عن طريق صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وترسيخ مفهوم الديمقراطية التي أرساها. وتتبوأ هذه الشرعية في البنيان القانوني للدولة القمة في مدارجه، ولها مقام الصدارة بين قواعده، وهي فرع من فروع خضوع الدولة للقانون والتزامها بضوابطه فإذا قام نزاع على دستورية نص تشريعي وعرض على المحكمة الدستورية، فإنها تتولى دون غيرها الفصل في المسائل الدستورية لتقول كلمتها القاطعة فيها، إما بإقرار ما يوافق الدستور من تشريعات إهدار ما يخالفه منها، باعتباره أسمى القواعد الآمرة.
وإذا كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساسها – كأصل عام – في مبدأ الشرعية وسيادة القانون الذي أرساه الدستور، غير أنه يرد على هذا الأصل قيد يقضي باستبعاد ما اصطلح عليه الفقه والقضاء «بالأعمال السياسية» من مجال الرقابة القضائية، وذلك على اعتبار أن خروجها من ولاية القضاء يعد إحدى صور التطبيق الأمثل لأعمال المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يوجب إقامة توازن دقيق بين السلطات الثلاث. ويتمثل مضمون هذا المبدأ بما نصت عليه المادة (32/أ) من الدستور على أن «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفقاً لأحكام هذا الدستور، ولا يجوز لأي من السلطات الثلاث التنازل لغيرها عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا الدستور، وإنما يجوز التفويض التشريعي...». ومؤدى ذلك أن تلتزم كل سلطة حدود اختصاصها، وألا تعتدي أو تتعدى على اختصاصات غيرها، أو تتخلى هي عن اختصاصها لسلطة أخرى، إلا في حدود التفويض التشريعي المحدد بفترة معينة وبموضوع أو موضوعات بالذات، ويمارس وفقاً لقانون التفويض وشروطه.
لما كان ذلك، وكانت الأعمال السياسية، التي جرت النظم القانونية والقضائية المختلفة على استبعادها من ولاية القضاء بوجه عام، قد وجدت لها صدى في القضاء الدستوري في الدول التي أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، إذ جرى هذا النوع من القضاء في هذه الدول على استبعاد «الأعمال السياسية» من اختصاصه ومن مجال الرقابة القضائية، إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وذلك لدخول هذه الأعمال في نطاق السلطة التقديرية للسلطة التي تصدرها في حدود اختصاصها الذي أفرده لها الدستور، وطبقاً لضوابط الفصل بين السلطات المقررة فيه، فليس للمحكمة الدستورية أن تقحم نفسها في رقابة الأعمال السياسية التي عهد الدستور بها إلى إحدى السلطتين، أو تتدخل في التعقيب على سلطتهما التقديرية فيما تتخذانه من قرارات وأعمال في هذا الصدد، متى التزمتا حدود اختصاصهما، ولم تتعديا على قيود الدستور وضوابطه.
وحيث إن الأعمال السياسية وصف لم يحدده الدستور أو القانون بحدٍ، فقد دل ذلك على رغبتهما في ترك مهمة تحديده للقضاء وحده، فهو الذي يعطيه وصفه الحق وتكييفه القانوني الصحيح، وذلك على ضوء طبيعة الأعمال وحقيقتها، دون اعتداد بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع عليها، متى كانت طبيعتها تتنافى مع هذه الأوصاف.
وحيث إن العبرة في تكييف الأعمال السياسية يقوم على معيار موضوعي يتمثل في طبيعة الأعمال ذاتها التي تتصل اتصالاً وثيقاً بالسياسة العليا للدولة، بما لها من سلطة عليا وسيادة في الداخل والخارج، مستهدفة مصلحة الجماعة السياسية العليا، وتنظيم علاقاتها الخارجية بالدول الأخرى وتأمين سلامتها في الداخل والخارج والدفاع عن إقليمها من الاعتداء الخارجي، ويدخل ذلك كله في اختصاص السلطة التنفيذية أو التشريعية، ما يقتضي منح هاتين السلطتين سلطة تقديرية أوسع نطاقاً وأبعد مدى، تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذانه من قرارات أو أعمال في هذا الصدد متى التزمتا حدود الدستور وأحكامه وضوابطه وقيوده. والمرد في تحديد ذلك إلى السلطة التقريرية للقضاء، فتكون المحكمة الدستورية هي التي تُحَددُ بالنظر إلى طبيعة المسائل التي تنظمها النصوص التشريعية المطروحة عليها للفصل في دستوريتها، ما إذا كانت هذه النصوص تُعتبر من الأعمال السياسية فتخرج عن ولايتها بالرقابة الدستورية، أم انها ليست كذلك فتنبسط عليها رقابتها. (يتبع
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"العدد 3422 - الخميس 19 يناير 2012م الموافق 25 صفر 1433هـ
استاذي الكريم
امثالك هم ضمانة الوطن وفخر لاوال يحق لاهل البحرين التفاخر بأن يكون بينهم من يفهم القوانين الدوليه ويفسر خفاياها دمت استاذي العزير مفخره من ارض انجبت العلماء الافاضل جدحفص العلم والعلماء
منك نتعلم
شكر لك الأستاد الشملأوي علي هدا الجهد الكبير
ونحن نفخر بك