العدد 3422 - الخميس 19 يناير 2012م الموافق 25 صفر 1433هـ

تسمية «الربيع» متفائلة جدّاً بالمخاض العربي... ولكن العالم يتغيّر

المُفكِّر والصحافي الأستاذ وليد نويهض يفتح لـ «الوسط» حديث الذكريات (6-6)

مواصلة للحوار مع الصحافي والمفكِّر الأستاذ وليد نويهض: ما الذي يجمع لبنان والبحرين وخصوصاً من جهة المجتمع المتنوع والحركة الثقافية؟

- هناك الكثير من نقاط التقاطع، فلبنان في الستينات والسبعينات كان واحة المشرق العربي، والبحرين تمثل تلك الواحة الخليجية تتقاطع فيها الكثير من الأمور، أهمها حرية الفرد على المستوى الشخصي، فهناك من يلبس الحجاب وهناك من لا يلبس، هناك من يذهب إلى الصلاة وهناك من لا يذهب، فهناك تنوع في الأحزاب والجمعيات السياسية، وهناك أندية مختلفة الاتجاهات على المستوى الأدبي والفني والسياسي، وهذا الجو التسامحي يعطي قوة وحيوية لأهل البحرين ما يساعد الناس على النهوض بعد كل كبوة.

ويمكن أن نضع هذا التشابه بين لبنان في الستينات والسبعينات وبين البحرين في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين في إطارات شديدة التقارب إن كان على مستوى الصحافة أو على مستوى حيوية الطبقة الوسطى أو نسبة المتعلمين ودور المرأة في الحياة العامة، وخصوصية المجتمع ووظيفته في محيط عربي خليجي مغاير.

فهذا الطابع الخاص للبحرين أعطاها ميزة للعب دور خاص على مستوى أهل المنطقة، وهذا بالضبط ما كان يمثله لبنان في فترات طويلة امتدت على عقود الخمسينات والستينات وصولاً إلى السبعينات، ونتمنى ألا يتكرر فشل التجربة اللبنانية في أماكن أخرى؛ لأن النماذج الواعدة المنفتحة المتسامحة تتعرض دائماً للضغوط وللحسد. وبالتالي قد يصيبها الإحباط والانكسار وتتبخر الأحلام كما حصل في لبنان منذ النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين، أتمنى ألا يتكرر هذا الشيء في بلد عزيز أحببته وسأظل أحبه في الذاكرة وفي القلب.


المجتمعات الفسيفسائية تدفع دائماً ضريبة التنوع

ولكن المجتمعات الفسيفسائية تدفع دائماً ضريبة التنوع، فما هي تحديات المجتمع المتنوع؟

- كما نعلم أن المجتمعات المتميزة في خصوصيتها تكون قوية وقادرة في فترات الهدوء والسلام، لأنها تتمتع بميزة لا تمتلكها مجتمعات متجانسة، فالتنوع قوة ولكنه في الآن ذاته يمثل نقطة ضعف، فالقوة تتشكل خلال فترات الاستقرار، والضعف يتطور حين تضعف الرغبة في الاستمرار في تطوير هذا النموذج المتنوع.


ربيع العرب

في طليعة العام 2011 بدأ فصل جديد في حياة العرب مع «الربيع العربي»... ولكن على المستوى الاستراتيجي فهل هو ربيع أميركي أو ربيع للإسلاميين أم ماذا؟

- بتقديري إن أي حركة احتجاجية تحصل في العالم لا بد أن تكون لها أسبابها الداخلية، فالعنصر الداخلي هو المكون الأساس لأي حراك اجتماعي أو ثقافي أو سياسي، وأيضاً كل حراك يحتاج إلى فضاء إقليمي يمده بالزخم والقوة أو ينقلب عليه، كذلك الفضاء الإقليمي بحاجة هو الآخر إلى دائرة من الاهتمام الدولي الذي يلعب الدور بين رغبة في التعديل والتطوير أو رغبة في المحافظة على الاستقلال كما كان الحال في العقود السابقة.

إذاً هناك الشروط الموضوعية المشتركة، وأول تلك الشروط هو العامل الذاتي الداخلي ومن ثم تأتي الظروف المصاحبة للتحولات الداخلية والذاتية، وهي تنقسم إلى عوامل إقليمية وأخرى دولية، هذه هي القاعدة النظرية لاستقراء الوضع العربي في مرحلة ما يسمى بـ «الربيع»، وانطلاقاً من هذه القاعدة النظرية وترابط الحلقات الثلاث يمكن أن نقرأ مجرى التطور الذي حصل دفعة واحدة وفي فترات متقاربة من المحيط إلى الخليج، وطبعاً لكل حالة استثناء وخصوصية ولكن هناك قاعدة شرطية مشتركة لكل تلك الانتفاضات والاحتجاجات التي شهدناها.


تسمية «الربيع» متفائلة جدّاً

قد تكون تسمية «الربيع» متفائلة جداً، ولكنني لست مستغرباً لما يحصل؛ لأن الوضع العربي لا يمكن له أن يستمر كما هو إلى الأبد، فالمنطق التاريخي والعقلاني يفترض ضمناً أن الأمور لا بد أن تتغير يوماً ما، إذا لم يكن الأمر في 2011 ربما في 2012، أو في 2016 أو 2018، فالسبب أن المعادلة تغيرت، والعالم تغير.

وحتى أميركا تغيرت، ولا ننسى أن أوباما هو في البيت الأبيض الآن وما يمثله أوباما من رمزية حطمت تلك الصورة النمطية للرئيس الأميركي. إذاً يمكن القول إن التغيير مسألة بديهية وهو من سنة الحياة وسنة من سنن التطور، والتدافع أيضاً هو الشرط اللازم لاستمرار الحياة.

إن ما حصل في العالم العربي ليس ربيعاً أميركياً ولا إخوانياً ولا سلفياً ولا أصولياً وإنما هو نتاج الواقع، وهذا الواقع أيضاً ينتج صوره وهياكله. فالسلطة في النهاية هي انعكاس للجماعة الأهلية، و «كما تكونوا يُوَلَّ عليكم»، وبالتالي علينا ألا ننصدم في حال فاز الإسلاميون على أنواعهم في انتخابات المغرب وتونس ومصر وربما في أي بلد عربي آخر سواء في ليبيا أو اليمن أو السودان أو العراق أو سورية، فالمسألة بديهية وعادية جداً، وعلينا ألا نضطرب ونخاف، ولكن لا بد أن نتعلم من التجربة وألا نعيد تكرار ما سبق، وأن نخرج من قاعدة نعم إلى الأبد أو حكومة إلى الأبد، وهذه مقولاتٌ عفا عليها الزمن وعلينا أن نتجاوزها.

وما هي شروط اللعبة الجديدة في دول «الربيع العربي»؟

- الآن شرطنا الوحيد على كل القوى الفائزة في الانتخابات التي حصلت بعد ما يسمى «الربيع العربي» أن تحترم تقاليد السلطة وأن تلتزم قواعد اللعبة، وأول الشروط البديهية أن تتقبل السلطات الجديدة الرأي الآخر، وتحترم الاختلاف وتعطيه الفرصة ليكون حاضراً إلى جانب السلطة الحاكمة كما هو حاصل في بريطانيا في تجربة «حكومة الظل»، وثانياً أن تلتزم بالتعهدات التي تقول إنه بعد كل أربع سنوات هناك دورة انتخابية، وبالتالي الدورة الانتخابية المقبلة ربما تكون مختلفة عن هذه الدورات التي حصلت فجأة وبسرعة بعد سقوط تلك الأنظمة.

المهم أن نبدأ، والبداية أحياناً تكون صعبة ومتعثرة ولكن لا بد منها، لا بد أن نؤسس قواعد عمل تختلف عن تلك التي بسطت نفوذها على المنطقة طوال أكثر من نصف قرن.


غياب العقد السياسي بين الدولة والمجتمع

ولكن أي أثر ستتركه هذه التحولات على قضايا كبيرة للأمة العربية كالقضية الفلسطينية التي ربما يقول البعض إنها أصبحت الغائب الأكبر بعد «الربيع العربي»؟

- لا بد أنْ نلاحظ أنّ معظم الشعارات التي طُرحت في الثورات العربية كانت محلية، فهي شعارات تركز على الفرد وحريته والإنسان وكرامة الإنسان وكسر جدار الخوف والحق في الحياة وغيرها من أمور تعتبر عادية وبسيطة، ولا تحتاج إلى هذا العناء بعد أن تحققت منذ عقود وعقود في أوروبا وأميركا والكثير من دول العالم.

المشكلة في المنطقة العربية ليست أساساً اقتصادية أو اجتماعية وإنما سياسية بالدرجة الأولى، والسبب هو غياب العقد السياسي بين الدولة والمجتمع، الأمر الذي أنتج مظلومية سياسية، وبالتالي تغلبت السياسة على كل المطالب والحاجات الأخرى ومن بينها الموضوع الفلسطيني وموضوع الوحدة العربية وموضوع التنمية.

وهذا لا يعني أن الموضوع الفلسطيني غاب ولم يعد هو المحرك الأساسي، والسبب إن السلطات التي تهاوت أو تلك التي بدأت تتداعى مارست حكمها لمدة عقود تحت عناوين قومية وتحررية وتحريرية واستغلت الموضوع الفلسطيني وقضية العودة كإطار لخنق الأصوات.

الآن وبعد نصف قرن من حكم تلك الجمهوريات الوراثية أخذت تلك الأصوات بالخروج على صمتها وكسر حاجز الخوف والذهاب إلى ما هو إنساني وفردي. والتركيز على الذات الفردية ليس بالضرورة تنكر حق الجماعة، وإنما بالعكس؛ لأن انتزاع الفرد حريته يعطيه فرصة استثنائية للاندفاع نحو انتزاع حرية جماعته، وأيضاً تعزيز فكرة العودة والوحدة وتحرير فلسطين.


لبنان ليس بحاجة إلى ربيع

ولكن لماذا برأيك لم تصل رياح «الربيع العربي» إلى الشاطئ اللبناني رغم كثرة المشاكل؟

- أنا أعتقد أن لبنان ليس بحاجة إلى ربيع؛ لأن ظروف لبنان تختلف جداً، لأن لبنان لا تحكمه دولة تسلطية وإنما دولة تعايشية قائمة على أساس دستوري واضح في شروطه وفي محاصصته المذهبية والطائفية، وأيضاً يعتمد على صيغة ميثاقية تضمن حقوق مختلف الفئات التي تعيش في تلك البوتقة الجغرافية.

ففي لبنان لا وجود للممنوعات على المستوى السياسي تحديداً، وأيضاً شهد هذا البلد الكثير من الاحتجاجات والاحتجاجات المضادة قبل الحرب الأهلية وبعدها وقبل الاحتلال الإسرائيلي وبعد التحرير، وحتى الآن يشهد ذاك المخاض الدائم الذي يوفر له الهامش المطلوب للحراك والإعلان بصراحة عمّا يريده الناس.

في لبنان لا وجود لحاجز الخوف، فهناك أصوات تكون عالية جداً وأكثر مما هو مطلوب، وهذا ما يقال عن الصيغة اللبنانية والفوضى اللبنانية التي تعوّد اللبناني عليها وتكيّف معها وتأقلم مع شروطها، لأنها جزء من التراث السياسي والحياة اليومية في لبنان.

الحديث مُتشعِّب مع مفكر واسع المعرفة، ولكن كما بدأنا، لا بد أن ننتهي؟

- في النهاية أغادر البحرين في مطلع 2012 وأنا متفائل، رغم إنني حزين على ما حصل، ولكن يمكن أن ألخّص تجربتي في هذا البلد بأنها كانت على سوية عالية ومريحة، سواء في الحياة اليومية أو في العلاقة المهنية مع فريق عمل «الوسط»، مضافاً إلى هذا الجو الخاص، إن الإقامة هنا أتاحت لي فرصة للكتابة في الكثير من الشئون من دون ضوابط، وكذلك أفسحت المجال للتعمق في الكثير من الشئون الفكرية والتاريخية.

فخلال إقامتي في هذا البلد أنتجت ما يقرب من عشرة كتب، بمعدل كتاب لكل سنة. وكذلك حسبت تقدير الدائرة التقنية والأرشيف فإنني كتبت أكثر من 2800 مقال في الصحيفة، لهذا من الناحية الشخصية يمكن القول إن هواية الكتابة التي بدأت في نهاية ستينات القرن الماضي تحولت إلى حرفة ومهنة في سبعينات القرن الماضي عندما بدأت عملي الصحافي، والآن بعد أكثر من 40 سنة في العمل في هذا الحقل الشائك يمكن القول إن تجربة «الوسط» كانت فعلاً ثرية وغنية على مختلف المستويات.


في المتشابهات بين لبنان والبحرين

ثمّة تشابه كبير بين لبنان في الستينات والسبعينات وبين البحرين في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين في إطارات شديدة التقارب إن كان على مستوى الصحافة أو على مستوى حيوية الطبقة الوسطى أو نسبة المتعلمين ودور المرأة في الحياة العامة، وخصوصية المجتمع ووظيفته في محيط عربي خليجي مغاير.

قد تكون تسمية «الربيع» متفائلة جدّاً، ولكنني لست مستغرباً لما يحصل؛ لأن الوضع العربي لا يمكن له أن يستمر كما هو إلى الأبد، فالمنطق التاريخي والعقلاني يفترض ضمناً أن الأمور لا بد أن تتغير يوماً ما، إذا لم يكن الأمر في 2011 ربما في 2012، أو في 2016 أو 2018، فالسبب أن المعادلة تغيرت، والعالم تغير.

وليد نويهض

العدد 3422 - الخميس 19 يناير 2012م الموافق 25 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً