قال رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين جيم بوملحة: «إن على مسئولي المؤسسات النقابية الصحافية ألا يكونوا كموظفين للسياسيين أو حكوماتهم. وينبغي في الوقت نفسه، ألا يكون لدينا أدنى شك في أن التحول من ثقافة احتكار السلطة إلى التعددية والديمقراطية لن يحدث بين عشية وضحاها، وحتى في أفضل الظروف، لأن الانطلاق منها سيبدأ من مستوى منخفض».
وتوقع بوملحة، في حوار مع «الوسط»، أن يحمل المستقبل تغييرات سياسية كبيرة، من شأنها أن تساهم في تغيير المشهد الإعلامي، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التمسك بأخلاقيات الصحافة من المستحيل أن تكون كجزء من وسائل الإعلام التي هي ذراع للدولة، على حد تعبيره.
الوسط - أماني المسقطي
قال رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين جيم بوملحة: «إن على مسئولي المؤسسات النقابية الصحافية ألا يكونوا كموظفين للسياسيين أو حكوماتهم. وينبغي في الوقت نفسه، ألا يكون لدينا أدنى شك في أن التحول من ثقافة احتكار السلطة إلى التعددية والديمقراطية لن يحدث بين عشية وضحاها، وحتى في أفضل الظروف، لأن الانطلاق منها سيبدأ من مستوى منخفض».
وتوقع بوملحة، في حوار مع «الوسط»، أن يحمل المستقبل تغييرات سياسية كبيرة، من شأنها أن تساهم في تغيير المشهد الإعلامي، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التمسك بأخلاقيات الصحافة من المستحيل أن يكون كجزء من وسائل الإعلام التي هي ذراع للدولة، على حد تعبيره.
وفيما يأتي نص الحوار مع بوملحة:
في ظل الصحوة العربية التي شهدها عدد من بلدان المنطقة في العام 2011، كان تعاطي بعض وسائل الإعلام في هذه البلدان مختلفاً، قبل نجاح بعض هذه الثورات وبعد تلك الفترة، فما هي أهم الدروس المستفادة من الصحف العربية في تلك البلدان؟
- عندما نستذكر آلية تعاطي وسائل الإعلام العربية في بداية ثورات الربيع العربي في 2011، يجب ألا ننسى أنه في حين كانت قناة «الجزيرة» وعدد من وسائل الإعلام والوكالات الدولية الأخرى تغطي الأحداث التي شهدها، مثلاً، ميدان التحرير دقيقة بدقيقة، كان التلفزيون المصري يركز كاميراته على الأماكن الأكثر هدوءاً في أجزاء أخرى من القاهرة، كالجسر الذي يقع فوق نهر النيل.
وكانت «الفوضى» هي العنوان الرئيسي للصحف الحكومية في مصر للتعبير عن الأوضاع التي كانت تشهدها، وبعد محاولة إنكار ما يحدث في مصر، أوردت صحيفة «الأهرام» على صفحاتها الأولى في اليوم التالي لأول احتجاج كبير شهدته مصر: «احتجاجات ساخنة... ودعوات للإضراب في لبنان»، وبعد ذلك تحولت الصحيفة إلى محاولة إثارة الذعر بشأن الفوضى التي شهدتها مصر.
وفي النهاية، بعد أسابيع من وصف المتظاهرين المؤيدين للتغيير في مصر بـ «الخونة» و «الفوضويين» و «العملاء لجهات أجنبية حاقدة»، جاءت الصحف المصرية الرسمية بعد سقوط حسني مبارك، ومن بينها صحيفة «الأهرام»، بعنوان واحد هو «الشعب أسقط النظام». وكما عبر أحد باعة الصحف بالقول: «ثورة وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة قد بدأت».
وأنا أشك في أن أيّاً من وسائل الإعلام هذه ستتعلم أي درس مما حدث. لقد فقدت وسائل الإعلام هذه صدقيتها تماماً بسبب تحيزها ضد الثورة في المرة الأولى، ولا يمكنها استعادة جماهيرها بين عشية وضحاها. فالأمر لم يقتصر على نشر تقرير واحد أو اقتباس واحد خاطئ، بل إن وسائل الإعلام هذه خلقت واقعاً مخالفاً تماماً لما كان يحدث.
سوف نرى في المستقبل تغييرات سياسية كبيرة، وهذا يعني تغيير المشهد الإعلامي كذلك. وفي ظل الديمقراطية لا يمكن أن أتخيل أن يكون هناك أي دور لقنوات التلفزيون أو الصحف الرسمية التي تأخذ إملاءاتها من وزارة الإعلام، وفي اعتقادي أن وسائل الإعلام هذه يجب أن تتحول إلى نماذج أخرى، مثل التحول إلى خدمة البث العامة، من أجل استمراريتها.
يكثر الحديث في الوقت الحالي عن أخلاقيات المهنة في العمل الإعلامي، ولكن بعيداً عن النظريات، ما هي النقاط العملية الواجب اتباعها من قبل الصحافيين المستقلين؟
- ما لم يكن العمل الإعلامي ضمن الإطار الأخلاقي؛ فإن الصحافة لن تنجح في مهمتها بإعلام المواطنين. والإطار الأخلاقي لا يأتي على هامش الصحافة، وإنما هو المفتاح لبقائها. ولا ينبغي أن ينظر إلى الأخلاق فقط بوصفها ممارسة نظرية، لكن كمجموعة من استراتيجيات متماسكة وعملية من أجل التنمية، وهذا هو السبب في دعوتنا إلى أن يكون أي ميثاق معياراً للجودة ودليلاً للصحافة الجيدة المبنية على الخبرة الجماعية للصحافيين.
الصحافة الأخلاقية تشكل تحدياً فريداً من نوعه، يكون فيها كل صحافي مسئولاً شخصيّاً عن المحافظة على معايير عمل ما ينتجه من مواد صحافية، وبالتالي؛ فإن وسائل الإعلام تعمل على معالجة هذه المواد وتحويلها إلى منتج تحت إشراف مجالس إدارتها الحكومية أو الخاصة.
ما ذا بالنسبة إلى الإعلام الإلكتروني؟
- بالنسبة إلى الإعلام الإلكتروني؛ فإنه يفتقر إلى معايير متفق عليها من التوازن والدقة أو أخلاقيات العمل الإعلامي، بخلاف الصحافة. وبالتالي؛ فإن كل هذه المؤشرات تشكل عاملاً حاسماً في مساعدة الصحافيين على تخطي ما يواجهونه من مصاعب يومية في عملهم، مثل تجنب «الكليشيهات» والصور النمطية. ولاشك في أن هناك حاجة إلى تدريب الصحافيين ومناقشتهم في ذلك لضمان أن تصبح هذه المبادئ التوجيهية جزءاً مقبولاً من ممارسة العمل الصحافي.
كيف نتعامل مع من بعض الجهات داخل الجسم الصحافي التي تتضارب مصالحها مع الصحافة الأخلاقية؟
- لا يمكن للصحافي المستقل أن يعمل إلا من خلال هذه القيم والأخلاقيات، وأن يعرف القرار الصحيح في كيفية حل مشكلة تضارب المصالح أو التعاطي مع القضايا الثقافية المشتركة، كالدين والعرق، وهذا هو السبب الذي دفع إدارات النقابات إلى الاتفاق فيما بينها على المواثيق المكتوبة التي تحدد بوضوح معايير الحقوق. بل إن الصحافيين في بعض الحالات يحاربون من أجل الحصول على حقهم في التعاطي مع الأحداث بحسب ما تمليه عليهم ضمائرهم، ويسعون إلى جعلها جزءاً من الاتفاق الجماعي مع زملائهم.
هناك من يرى أن نقابات وجمعيات الصحافيين في الدول العربية تقع تحت السيطرة الحكومية، وتستخدم ضد الصحافيين المستقلين، فكيف يمكن تطوير الوعي النقابي في ظل بيئة قمعية؟
- على رغم التضحيات التي قدمتها الشعوب العربية في الآونة الأخيرة من أجل التخلص من الاضطهاد؛ فإنه من الصعب أن نتوقع خلق مثل هذا المستوى من الوعي النقابي بين عشية وضحاها، فهذا الأمر استغرق عدة قرون حتى تحقق في المجتمعات الديمقراطية الناضجة. إذ مضى نحو 300 عام منذ بدأ الرواد الأوائل من أصحاب الفكر الحر بصقل المبادئ الأساسية، التي أصبحت فيما بعد المبادئ الأساسية لحرية التعبير التي تم العمل بموجبها في أشهر ثورتين، الفرنسية والأميركية، وأصبحت معترفاً بها عالميّاً الآن.
ففي العام 1789، أصدرت الجمعية الوطنية للثورة الفرنسية إعلانها بشأن حقوق الإنسان والمواطن. وفي العام نفسه أصدرت الولايات المتحدة تعديلها الأول على «وثيقة الحقوق» الذي يجمع بين حرية الدين وحرية التعبير وحرية التجمع وحرية الصحافة.
وبالتالي، مضى على المحاولات الأولى لإصدار مبادئ لحقوق ومسئوليات الصحافيين والتي تشكل أساساً للمفاهيم الحديثة في الصحافة الأخلاقية أكثر من 150 عاماً مضت. وكما هو معروف؛ فإن الصحافيين في الغرب، بدأوا بعد الحرب العالمية الأولى يأخذون بجدية مسئوليتهم عن المعايير والسلوك الأخلاقي في عملهم الصحافي.
وتم تعيين أول مجلس للصحافة في السويد، وأول مبادئ للعمل الصحافي ظهرت في الولايات المتحدة. وبعد ذلك بدأ الصحافيون ينظمون أنفسهم في مؤسسات تمثلهم بعيداً عن أرباب عملهم، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه المفاهيم الدولية للصحافة تترسخ، وثم في العام 1926 تم تشكيل الاتحاد الدولي للصحافيين. وبالتالي؛ فإن تقاليد الحركة النقابية والتضامن والاستقلالية، ستستغرق وقتاً طويلاً حتى تتجذر في الدول العربية، ودعونا لا ننسى أن هناك دولاً، مثل قطر، لايزال حق تكوين الجمعيات محظوراً، وذلك بما يخالف العديد من المواثيق والصكوك الدولية.
علينا أن نتذكر أيضاً أن الربيع العربي كانت تغذيه الثورة وبدء الرغبة في التغيير التي لا يمكن وقفها، والتي تغذيها المساعي لخلق مجتمعات حرة تملك العدالة والكرامة، ومن مسئولياتنا كمؤسسات نقابية الإسراع في تحول نقاباتنا وإعداد جداول أعمالها من أجل التغيير إلى الأفضل.
هناك بيانات صحافية تصدر عن بعض جمعيات الصحافيين في منطقتنا، والتي عادة تعتبر جزءاً لا يتجزأ من السياسة الرسمية القمعية، فهل لهذه البيانات أية قيمة دولية؟
- على من يدير المؤسسات النقابية الصحافية ألا يتصرفوا كموظفين للسياسيين أو الحكومات. وينبغي الأخذ في الاعتبار هنا الحاجة إلى تطوير النقابات في هذه المنطقة باتجاه طريق الديمقراطية السريع وتحويلها إلى منظمات يقودها أعضاؤها بأنفسهم.
ولكن في الوقت نفسه، ينبغي ألا يكون لدينا أدنى شك في أن التحول من ثقافة احتكار السلطة إلى التعددية والديمقراطية لن يحدث بين عشية وضحاها، وحتى في أفضل الظروف، لأن الانطلاق سيبدأ من مستوى منخفض.
وإذا أخذنا الاتحاد السوفياتي مثالاً؛ فانطلاقته بدأت من مستوى أكثر انخفاضاً من دول المنطقة، ومعظم الصحافيين هناك كانوا يعملون لعقود كأدوات للمسئولية الاجتماعية والتماسك، ولكن تحت سيطرة وتحكم الدولة.
ولكن كان هناك من الصحافيين الشجعان الذين تجرأوا على تسليط الضوء على عمل السلطة.
وهناك أمر واحد حاسم في هذه المسألة، فإنه في حين أن من الممكن التمسك بأخلاقيات الصحافة عندما تكون هناك ظروف من الحرية لوسائل الإعلام والصحافة المستقلة؛ فإنه من المستحيل أن يكون ذلك كجزء من وسائل الإعلام التي هي ذراع للدولة.
ويجب القول إن المعركة من أجل الوصول إلى الصحافة المستقلة، مازالت تدور في كل زاوية من العالم تقريباً
العدد 3422 - الخميس 19 يناير 2012م الموافق 25 صفر 1433هـ