العدد 3421 - الأربعاء 18 يناير 2012م الموافق 24 صفر 1433هـ

الإصلاح الجذري هو مدخل التنمية الحميدة (2)

علي خليفة الكواري comments [at] alwasatnews.com

مفكر قطري

إن علاج سوق العمل وضبط التحولات الديمغرافية التي يناقشها المؤتمر تتطلب بالضرورة النظر إلى أسبابها العميقة. فهي مجرد مظاهر فرعية لأوجه خلل مزمنة في المنطقة تحتاج إلى إصلاح جذري.

والإصلاح الجذري في كل من دول المنطقة يحتاج إلى إرادة سياسية، كما يحتاج إلى طلب ملح وفعال من الشعب بضرورة الإصلاح العاجل والانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية.

وأوجه الخلل الرئيسية المزمنة في الدول الأعضاء في مجلس التعاون يمكن إيجازها في أربعة:

أولها: الخلل الإنتاجي - الاقتصادي

ويتمثل الخلل الإنتاجي في الاعتماد المُطلق والمُتزايد على ريع صادرات ثروة طبيعية ناضبة هي النفط الخام (الزيت والغاز الطبيعي). فمصدر جميع أوجه الدخل الرئيسية في دول المنطقة هو الريع الاقتصادي، الناتج من ارتفاع سعر النفط عشرات المرات بالنسبة لتكاليف إنتاجه. وهو خلل يتجلى في تركيب الناتج المحلي الإجمالي وسائر الحسابات القومية الأخرى، لأن مصدر هذه الدخول هو ريع تصدير ثروة طبيعية ناضبة وليس إنتاجية الأفراد والمؤسسات كما هو الحال في الاقتصاد الإنتاجي. وحتى ندرك مدى هذا الخلل الإنتاجي علينا أن نتصور ما يمكن أن يحصل لجميع أوجه الدخل في المنطقة لو استبعدنا عائدات تصدير النفط لأي سبب من الأسباب.

ونتيجة لعدم رغبة وربما عدم قُدرة كل من دول المنطقة مُنفردة على تبني سياسة نفطية وطنية تخضع بموجبها صادرات النفط لاعتبارات التنمية، فقد تمت تلبيتها للطلب العالمي على النفط بشكل تلقائي دون أدنى اعتبار للقدرة الاستيعابية أو الطبيعة الناضبة للثروة النفطية. وبذلك تزايد الاعتماد على ريع النفط منذ عقود، وأصبح ريع النفط هو المصدر لإيرادات الموازنة العامة وميزان المدفوعات والاستثمارات العامة وسائر الحسابات القومية الأخرى.

وقد صاحب هذا الخلل الإنتاجي المستمر، خلط بين المال العام والمال الخاص، وغياب الشفافية تجاهه لدرجة اعتبار الموازنة العامة والاحتياطي العام سرا على المواطنين في بعض دول المنطقة. الأمر الذي أدى إلى الكثير من التسرب والهدر وسوء تخصيص عائدات النفط للاستهلاك الجاري بدل توجيهها للاستثمار، كما أدى إلى تخلُف سياسات إعادة تدويرها داخلياً وخارجياً. فباستثناء الكويت مُنذ صدور دستور 1962، لا تنشُر دول المنطقة حسابات ختامية للموازنة العامة تتضمن جميع أوجه الدخل والنفقات العامة ولا حسابات مُدققة للاحتياطي العام ولا تنشر تقارير ديوان المحاسبة إن وجدت.

من هنا اكتسبت دول المنطقة بامتياز صفة الدولة الريعية وفشلت فيها سياسات تنويع الدخل وتراجعت فيها حرمة المال العام وتضخم فيها استهلاك عائدات الثروة النفطية، على حساب استثمارها لصالح الجيل الراهن والأجيال القادمة، وأصبحت تُعاني من خلل إنتاجي - اقتصادي مُزمن، لن يصلح أمرهما إلا بإخضاع صادرات الزيت والغاز الطبيعي، لاعتبارات التنمية الحميدة، وربط تصديرهما بنمو القدرة الاستيعابية المُنتجة لاقتصاد البلد المُصدر من أجل بناء قاعدة اقتصادية تكون بديلة تدريجيا للاعتماد على صادرات النفط الخام.

ثانيها: الخلل السكاني المتفاقم بسبب إهمال إصلاحه وتجاهله مؤخرا كما سبقت الإشارة. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سكان دول مجلس التعاون من عشرة ملايين العام 1975 إلى 40 مليونا العام 2010. وبذلك ارتفعت نسبة الوافدين في إجمالي سكان دول مجلس التعاون إلى 41 في المئة مقارنة بنحو 22 في المئة العام 1975. كما تدنت نسبة مساهمة المواطنين في قوت العمل إلى 33 في المئة مقارنة بـ 61 في المئة العام 1975.

هذا بالنسبة لإجمالي السكان وقوة العمل المجتمعة للمنطقة، أما الدول الصغيرة منها فقد تدنت نسبة المواطنين في السكان إلى 10 في المئة ومساهمة المواطنين في إجمالي قوة العمل إلى 6 في المئة فقط في قطر والإمارات العام 2010 على سبيل المثال.

ويذكر أن الخلل السكاني في دول المنطقة برز كظاهرة عامة منذ الطفرة النفطية الأولى في العام 1973. وفي «مشروع الإطار العام لاستراتيجية التنمية والتكامل» الذي أعدته جماعة من أبناء المنطقة العام 1983 بناء على طلب الأمانة العامة لمجلس التعاون التي بدورها تبنته وقدمته لمجلس وزراء التخطيط، كان الهدف الثاني للاستراتيجية هو «تخفيض حجم قوة العمل الوافدة وتعديل تركيبها وتحسين نوعيتها». ومع الأسف ذهبت تلك الاستراتيجية أدراج الرياح ولم يلتفت إلى أهمية إصلاح الخلل السكاني.

وإصلاح الخلل السكاني اليوم يتطلب أن يتم تدريجيا، تخفيض عدد الوافدين في السكان بما لا يقل عن 1 في المئة وفي قوة العمل بنحو 2 في المئة سنويا وتعديل تركيبتهم، دون إضرار بحقوقهم التعاقدية والإنسانية وإنما تدريجيا مع دوران مدد التعاقد. كما يتطلب بالضرورة إعادة الدور الرئيسي للمواطنين وتأكيد الدور القيادي للكوادر الوطنية، بما يصون الهوية العربية - الإسلامية لمجتمعات المنطقة، ويؤكد دور اللغة العربية في التعليم والإدارة والثقافة.

كما يجب بشكل فوري وقف العمل بسياسات التوسع العقاري لغير حاجة المواطنين والمقيمين للعمل، وتعديل التشريعات التي تمنح إقامات دائمة لمشتري المساكن، حيث وجدت في أي من دول المنطقة.

ثالثها: الخلل الأمني والاعتماد على الغير

يتمثل الخلل الأمني في عدم قدرة الدول على الدفاع عن نفسها عسكريا، بسبب صغر وضعف كل من دول المنطقة منفردة. الأمر الذي جعل كلا منها تجد «أمنها» في التحالف مع دول عظمى وإعطائها تسهيلات عسكرية من أجل حماية نفسها.

وإذا كان من الصعوبة بمكان أن توفر كل من دول المنطقة مُتطلبات الأمن الوطني مُنفردة، فإن الحل الوحيد يتمثل في تجسيد كيان اتحادي ديمقراطي بين منظومة دول مجلس التعاون يتوفر له الحد الأدنى من القدرة على بناء منظومة دفاعية، كما تتوفر له شروط التنمية الحميدة المُستدامة.

وربما تكون البداية اليوم في التفاعل الشعبي الجاد مع قرار مجلس التعاون، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد تلبية للمادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون .تلك المادة التي تجاهلتها دول المنطقة لمدة ثلاثين عاما على رغم المطالبة الأهلية الناعمة بتطبيقها.

وعلى جميع شعوب المنطقة اليوم أن تنظر إلى قرار مجلس التعاون بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، نظرة الالتزام الرسمي، وان تغير أسلوب الترجي بأسلوب المطالبة الصريحة والضغط الفاعل من أجل قيام اتحاد فيدرالي ديمقراطي بين دول المنطقة يوفر متطلبات الأمن وشروط التنمية الحميدة.

وجدير بالتأكيد أنه من دون انتقال دول المنطقة إلى نظم حكم ديمقراطية لن تقوم للاتحاد بينها قائمة.

رابعها: الخلل السياسي

وأخيراً وليس آخراً يجب إصلاح الخلل السياسي. ويتمثل الخلل السياسي في غياب نظم حكم ديمقراطية وعدم مراعاة مبدأ المواطنة الكاملة المتساوية وضعف المُشاركة السياسية الشعبية الفعالة في تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة في أغلب دول المنطقة، الأمر الذي أدى إلى استمرار الخلل في علاقة السلطة بالمجتمع والذي نتج عنه وجود «سلطة أكثر من مطلقة ومجتمع أقل من عاجز» على حد تعبير الزميل محمد غباش.

وإصلاح هذا الخلل يتطلب الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية، حدها الأدنى صيغة دستور الكويت للعام 1962 نصا وروحا ودستور البحرين للعام 1973 المعطل. وذلك بانتخاب جمعيات تأسيسية تضع دساتير ديمقراطية في الدول التي لا يوجد بها دستور تعاقدي

إقرأ أيضا لـ "علي خليفة الكواري"

العدد 3421 - الأربعاء 18 يناير 2012م الموافق 24 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:05 م

      حلول جذريه

      مقال روووعه
      قراته اكثر من مرة
      وفيه عده حلول جذريه

اقرأ ايضاً