العدد 3421 - الأربعاء 18 يناير 2012م الموافق 24 صفر 1433هـ

قراءة دستورية في مرسوم السلامة الوطنية (4)

عبدالله الشملاوي comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

سادساً: مخالفة المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 لأحكام القانون:

استنادا لمبدأ تدرج القوانين فإنه لا يجوز للمرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، بإعلان حالة السلامة الوطنية أن يخالف القانون؛ لكون المراسيم تأتي في مرتبة أدنى من القانون؛ وبالتالي فإن مخالفة المرسوم للقانون فيه مخالفة لمبدأ الشرعية وتدرج القوانين؛ ما يبطل ذلك المرسوم فيما يخالف فيه القانون. ولا يرُد على ذلك بالقول ان المذكرة التفسيرية التي لها صفة الإلزامية كما تؤكد ذلك الكثير من أحكامها قد أعطت للمرسوم صلاحية مخالفة القانون إذ نصت على أن للملك أن يصدر بمرسوم ملكي أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة حتى ولو خالفت هذه التعليمات القوانين المعمول بها؛ ذلك أنه بالرجوع للمذكرة التفسيرية نجد أن التعليمات التي يكون للملك اصدارها، خاصة بحالة اعلان الأحكام العرفية وليس بحالة اعلان السلامة الوطنية وهذا ما يستفاد من عبارة المذكرة التفسيرية التي جاء نصها كالتالي: «ومقتضى هذا النص أن إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية قد يكون في جميع أنحاء الدولة أو في جزء منها، وأن للملك عند إعلان هذه الأحكام أن يُصدِر بمرسوم ملكي أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة حتى ولو خالفت هذه التعليمات القوانين المعمول بها). فعبارة النص واضحة الدلالة على أنه عند إعلان هذه الأحكام - أي الاحكام العرفية فقط - يكون للملك إصدار تعليمات في ضوء ما تنص عليه المادة (123) من الدستور، ومما يؤكد أنه في إعلان حالة السلامة الوطنية لا يجوز اصدار تعليمات تخالف القوانين، ما نصت عليه المذكرة التفسيرية من ضرورة التزام المشرع بأحكام القانون وبالقواعد والاجراءات العادية فنص على أنه: «ويكون إعلان حالة السلامة الوطنية للسيطرة على الأوضاع في البلاد عندما تتعرض لطارئ يهدد السلامة العامة في جميع أنحاء المملكة أو في منطقة منها، بما يتفق مع كونها تهدف إلى الحفاظ على حقوق المواطنين وسرعة السيطرة على الوضع القائم. لا تُعلن الأحكام العرفية إلا في الحالات التي تهدد أمن وسلامة المملكة، ولا يكفي للسيطرة عليها استخدام ما ورد في القوانين العادية من إجراءات، أو تلك التي يفرضها إعلان حالة السلامة الوطنية، وإنما يتطلب بشأنها اتخاذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة للقضاء على الفتنة والعدوان المسلح وفرض الأمن للحفاظ على سلامة المملكة وقوة دفاع البحرين».

ويستفاد من النص السالف أنه في حالة عدم كفاية الاجراءات الواردة في القوانين العادية للسيطرة على الظروف التي تتعرض لها المملكة، فإنه يلجأ إلى إعلان الاحكام العرفية وليس إلى إعلان حالة السلامة الوطنية؛ ولذلك فإن الاعلان عن حالة السلامة الوطنية فيه إقرار بعدم لزومية الاجراءات والقوانين الاستثنائية، ويتعين من ثم تطبيق الاجراءات الواردة في القوانين العادية. ولا يردُ على ذلك بما جاء في بعض أحكام محكمة السلامة الوطنية بأن جميع مشتملات المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية من أعمال السيادة التي تتأبى على رقابة القضاء وأنه لابد أن يؤخذ كوحدة واحدة لا تقبل التجزئة، بمعنى أن جزئية الإعلان لا تنفك، بحسب ما قيل عن القواعد والتعليمات الإجرائية والموضوعية التي وردت فيه؛ ذلك أنه لما كانت الأعمال السياسية، التي جرت النظم القانونية والقضائية المختلفة على استبعادها من ولاية القضاء بوجه عام، قد وجدت لها صدى في القضاء الدستوري في الدول التي أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح؛ إذ جرى هذا النوع من القضاء في هذه الدول على استبعاد «الأعمال السياسية» من اختصاصه ومن مجال الرقابة القضائية؛ إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات؛ وذلك لدخول هذه الأعمال في نطاق السلطة التقديرية للسلطة التي تُصدرها في حدود اختصاصها الذي أفرده لها الدستور، وطبقاً لضوابط الفصل بين السلطات المقررة فيه، فليس للمحكمة الدستورية أن تقحم نفسها في رقابة الأعمال السياسية التي عهد الدستور بها إلى إحدى السلطتين، أو تتدخل في التعقيب على سلطتهما التقديرية فيما تتخذانه من قرارات وأعمال في هذا الصدد، متى التزمتا حدود اختصاصهما، ولم تتعديا على قيود الدستور وضوابطه؛ ذلك أنه من المقرر فقهاً وقضاء وقانوناً أن أعمال السيادة هي نظرية لم تجد في واقع الحال تطبيقا إيجابيا إلا في القليل من الحالات. فهي محصورة في أضيق نطاق، ولابد أن تكون كذلك؛ لكونها خلاف الأصل العام؛ وخاصة إذا كان مقياس المشروعية التي تفلُت بسببه هذه الاعمال من الرقابة القضائية هو الدستور ذاته مصدر السلطات والحقوق والحريات كافة، فالضرورة التي استدعت إعمال هذه النظرية مقدرة في الواقع بقدرها؛ ولذلك فلا يعتبر من قبيل أعمال السيادة الأعمال التي يمكن ردها إلى نص دستوري معين منظم لمجالها ومحدد لأوضاعها وشروطها، بحيث يمكن على أساسه قياس مدى مشروعيتها. فتلك الاعمال لا تعتبر من أعمال السيادة حتى ولو كانت متعلقة «بمصالح البلاد العليا» و «بالمصالح القومية الحيوية» بل حتى لو كان العمل محل النظر القضائي صادرا بالتطبيق لعمل من أعمال السيادة، أو كان قد تم إقراره في استفتاء شعبي؛ لأنه متى وجد النص المنظم، وجب الرجوع إليه في شأن كل ما يتعلق بمشروعية الأعمال الداخلة في نطاق تطبيقه أيا كانت طبيعتها وأهميتها ودرجة استثنائيتها أو سريتها. وهذا ما أكدته وجرت عليه أحكام القضاء المصري بوصفه مرجعية القضاء العربي، وبخاصة القضاء الإداري، في مجال رقابة المشروعية حيث قطعت تلك الأحكام الطريق على محاولات الإدارة الافلات من الرقابة تحت ستار الاعتبارات السياسية أو عن طريق إضفاء طابع أعمال السيادة على قرارات لا تعدو في حقيقتها أن تكون مجرد تطبيقات لقوانين ولوائح منظمة لمجالاتها، فقد قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية في هذا الخصوص بأن: «الأعمال من المألوف ما يصدر تنفيذا لقانون أو لائحة أو تطبيقا لهما، أو التي يحكمها عادة قانون أو لائحة لا تعتبر من أعمال السيادة وإنما تندرج تحت طائفة أعمال الحكومة العادية وليس لها من الشأن وخطير الأهمية ما يرفعها إلى مرتبة الأعمال المتعلقة بالسياسة العليا للدولة. ومادام هناك نص في القوانين واللوائح يتضمن ما يجب اتخاذه من إجراءات أو يلزم توافره من الشروط لإتمام عمل ما، فإن القرار الإداري الصادر بالتطبيق لهذا النص يغدو من القرارات المتعلقة بتنفيذ القوانين واللوائح ولا يرقى بذاته إلى دائرة أعمال السيادة». (طعن 14189 لسنة 35 ق في 1990.3.4) (الطعن مشار إليه في كتاب ولاية المحكمة الدستورية العليا في المسائل الدستورية لمحمد فؤاد عبدالباسط - هامش ص 397). وقضت المحكمة الإدارية المصرية العليا كذلك بأن «القرار الصادر باعتقال أحد الأشخاص من قائد الثورة بوصفه حاكما عسكريا عاما واستنادا إلى قانون الأحكام العرفية، يعتبر قراراً إدارياً ولا يُعدُ من أعمال السيادة». (الدعوى رقم 23 لسنة 9 ق جلسة 1957.4.16 س11 ص354) وقضت تلك المحكمة كذلك بأن «أوامر الإبعاد بصفة عامة من التدابير الخاصة بالأمن الداخلي للدولة وليس عملا من أعمال السيادة التي تخرج عن اختصاصها وإنما هي أوامر إدارية عادية مما تختص المحكمة بنظر طلبات إلغائها وطلبات التعويض المترتبة عليها». (الدعوى رقم 282 لسنة 4 ق س1 ص817). وقضت المحكمة الإدارية المصرية بأن: «قرار إعلان حالة الطوارئ من أعمال السيادة التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة بحسبانه من الإجراءات العليا التي تتخذ سبيل الدفاع عن كيان الدولة واستتاب الأمن أو النظام العام بها، إلا أن التدابير التي يتخذها القائم على إجراء النظام العرفي تنفيذا لهذا النظام سواء أكانت تدابير فردية أو تنظيمية يتعين أن تتخذ في حدود القانون وتلتزم حدوده وضوابطه وإلا تنأى عن رقابة القضاء ولا تجاوز دائرة القرارات الإدارية التي تخضع للاختصاص القضائي لمجلسة الدولة». (الطعن رقم 830 لسنة 20ق – جلسة 1979.12.29 – 150 س ص38) وقضت تلك المحكمة كذلك بأن «نظام الأحكام العرفية في مصر أو نظام الطوارئ ليس نظاما مطلقا بل يخضع للقانون، أرسى الدستور أساس هذا النظام ويبين القانون أصوله وأحكامه ورسم حدوده وضوابطه ويجب أن يكون إجراؤه على مقتضى هذه الضوابط – وإن قرار إعلان حالة الطوارئ يُعتبر من أعمال السيادة التي تصدُرُ من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة لتعلقه بالإجراءات العليا التي تتخذ في سبيل الدفاع عن كيان الدولة واستتباب الأمن أو النظام العام بها. والتدابير التي يتخذها القائم على إجراء النظام العرفي سواء كانت تدابير فردية أو تنظيمية يجب اتخاذها في حدود القانون ولا تنأى هذه التدابير عن رقابة القضاء». (الطعن رقم 1438 لسنة 31 ق- جلسة 1988.3.6 س33 ص31 – الطعون مشار إليها في كتاب ضوابط مشروعية القرارات الإدارية وفقا للمنهج القضائي للمستشار محمد ماهر أبوالعينين – ص 50 وما بعدها)

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"

العدد 3421 - الأربعاء 18 يناير 2012م الموافق 24 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:43 ص

      استفسار عن اعمال السيادة

      شكرا للاخ عبدالله على طرحه الوطني وفقط استفسره هل لابد من وجود نص قانوني يسمح باعمال السيادة لكي تفعل اعمال السيادة؟ بمعنى لو انه لا يوجد اي نص قانوني او دستوري يذكر اعمال السيادة فهل يجوز للسلطة ممارسة اعمال السيادة؟
      وهل اعمال السيادة تكون في شكل قرارات ام يجوز ان تكون في شكل قوانين؟ وهل من اعمال السيادة اصدار قانون ينص في مواده على عدم جواز تعديله او الغاؤهبمعنى ان يكون ابدياً فقانون الحصانة اليمني لعلي عبدالله صالح نص على ذلك! نرجو الافادة

    • زائر 1 | 4:54 ص

      مشكور

      مشكور على هذا الطرح الي افدتنا فيييه
      و وضحت لنا

اقرأ ايضاً