العدد 3421 - الأربعاء 18 يناير 2012م الموافق 24 صفر 1433هـ

«الوسط» فتحت فصلاً جديداً في حياتي

المفكر والصحافي الأستاذ وليد نويهض يفتح لـ «الوسط» حديث الذكريات (5-6)

رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري يكرم مدير التحرير السابق وليد نويهض	 - تصوير : محمد المخرق
رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري يكرم مدير التحرير السابق وليد نويهض - تصوير : محمد المخرق

مواصلة للحوار مع الصحافي والمفكر الأستاذ وليد نويهض: يمكن للمرء أن يجد في حياتك مجموعة من التناقضات، فعلى المستوى الفكري بدأت حياتك ماركسياً ومن ثم أصبحت تنتمي لتيار «الإسلام الحضاري»، وعلى المستوى المهني عملت في «السفير» وانتقلت لاحقاً إلى «الحياة»؟ كيف تفسر هذا التناقض؟

- الإنسان في جوهره ليس موحداً، والإنسان لا ينشأ وأفكاره جاهزة، فالفكرة تتطور وتتغير، وليس عيباً أن يعيد الفرد القراءة وأن يتعلم وأن يكتشف وأن يلاحظ محيطه، بل العيب في ألا نفكر وألا نقرأ، فالعيب في الجمود، وليس العيب في التطور.

فصحيح بأنك إذا نظرت إلى المسألة من زاوية بعيدة فسترى تناقضات، وهذا صحيح ولكن كل هذه التناقضات تنتهي إلى وحدة والوحدة تنتهي إلى تناقضات والتناقضات تنتهي إلى وحدة، بالتالي التعارض موجود والثنائية موجودة دائماً، فهناك الخير والشر وهناك الليل والنهار، وهناك الصعود والهبوط، وهناك الملحد والمؤمن، وكل هذه المسائل موجودة، فالإنسان يعيش كل هذه الأجواء ويعيش كل هذه المناخات ويتعرض لتأثير قوي من كل هذه الفضاءات. وبالطبع فإن ردة الفعل تختلف من فرد إلى آخر، فبعض الأفراد محصنون، ربما لأن ظروفهم مختلفة، فهم لا يشعرون بالحاجة إلى التغيير، أو أنهم قانعون بما هو موجود وقابلون بما هو متوافر.


الانتقال من بيئة إلى أخرى

وفي مقابل ذلك، هناك أفراد إلى حدٍ ما يعانون، لأن الظروف التي ولدوا فيها والعائلة التي جاءوا منها والمنطقة التي تربوا فيها والنزوح من الريف إلى المدينة ومن ثم التعايش مع مختلف الجماعات الأهلية كلها تعطي الفرد ميزة أو فرصة لإعادة القراءة نقدياً بما حصل وبما يمكن إن يحصل، لذلك كما قلت ذلك أنا عشت في بيئة جنبلاطية ناصرية.

وعندما انتقلت إلى بيروت عشت في بيئة علمانية قومية، وبعد هزيمة حزيران أعدت القراءة، واكتشفت - وربما أخطأت- بأن الخطوة الماركسية تمثل خطوة متقدمة على المعروض فاتجهت نحو الماركسية، ومن ثم أعدت القراءة من جديد، وكتبت مقالات في «السفير» تهاجم بعض الثغرات الرئيسية، وانتقدت التدخل السوفياتي في أفغانستان، فكان الرد العنيف من قبل اليساريين والشيوعيين أنه يجب أن نقبل بالاحتلال السوفياتي، بينما يجب أن نرفض الاحتلال الأميركي لفيتنام.

فهل يعني ذلك أنك رفضت منطق الازدواجية لدى بعض أتباع المدرسة الماركسية؟

- نعم، رفضت هذه الازدواجية بقوة، فأما الاحتلال الأميركي إلى فيتنام صحيح أو خاطئ، وأما الغزو السوفياتي لأفغانستان صحيح أو خاطئ. وتأثرت كذلك بالمشهد الإيراني، ففي إيران هناك حزب شيوعي كبير اسمه «حزب تودا» وهناك قائد وأمين عام ومفكر اسمه إحسان طبري، وسألت نفسي لماذا الشعب الإيراني لا يتبع هذا الحزب؟! إذن هناك معضلة، فكتبت مجموعة مقالات وعقدت مقابلات، قوبلت بالاستنكار لأنني كتبت المقالات بنوع من التفهم، فأخذت المسألة من الزاوية السياسية، فقد تم إسقاط الشاه وإغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران وافتتاح السفارة الفلسطينية ودعوة أبو عمار. واعتبرت ذلك حدثاً تأريخياً ولا بد من الإقرار به ودراسة أسبابه، من هنا بدأت المنهج المغاير للفترة السابقة. ولقد لخصت نقدي للماركسية في كتاب «السلطة والحزب».

أما من ناحية تجربتي المهنية فقد عملت في أكثر من 16 صحيفة ومؤسسة ومجلة ووكالات أنباء بدءاً من العام 1970 وصولاً إلى العام 2011، وبعض حالات التنقل أنا أتحمل مسئوليتها، ولكن بعضها الآخر الظروف هي التي وضعتني في منطقة الترحال الدائم.

فأنا كنت أرحل من مؤسسة إلى أخرى ومن ثم رحلت عن لبنان إلى قبرص ومن ثم توجهت إلى لندن و بعدها البحرين والآن عدت إلى بيروت، فهناك ظروف طارئة خارجية تضغط في تحديد خياراتك.


محطات الهجرة

لنشرع في هذه المحطة من تجربة الهجرة من لبنان إلى عواصم شتى، ما هي دوافع تلك الهجرة؟

- في الثمانينات من القرن الماضي ازداد الضغط على اللبنانيين أولاً من جهة انفجار الوضع الأهلي الذي مزق النسيج الاجتماعي في البلاد، وثانياً الاحتلال الإسرائيلي الذي طوق بيروت عدة أشهر واحتل الجنوب اللبناني، آنذاك كان الوضع لا يحتمل، فلأسباب أسرية وعائلية اضطررت إلى مغادرة لبنان في مطلع العام 1984 وذهبت أولاً إلى قبرص، وساهمت في تأسيس مجلة أسبوعية اسمها «صوت البلاد»، والبلاد التي نعنيها هي بلاد فلسطين، وكانت متخصصة في متابعة الشأن الفلسطيني وكانت تجربة ممتازة جداً، ولكنها انتهت إلى خلافات عقائدية داخل المؤسسة.


ولادة مشروع «الوسط»

وكيف كانت فكرة انضمامك كشريك في تأسيس مشروع «الوسط»؟

- بعد قبرص غادرت إلى لندن للعمل الصحافي، وهناك تعرفت على الدكتور منصور الجمري، وتأسست علاقات من الثقة المتبادلة بنيت على الاحترام والتقدير، ولم يكن الجمري قد تخرج من الجامعة بعد، وكان يمثل ذلك الشاب النموذج الصاعد، وترعرعت تلك العلاقات مع الأيام دون أي تخطيط، وكانت عفوية وبسيطة ومبنية على الثقة.

وعندما بدأت العمل في صحيفة «الحياة» في لندن، واستمرت العلاقة مع الجمري طوال تلك الفترة. وفي العام 2000 قررت صحيفة «الحياة» أن تنقل بعض الصفحات التي تطبع في لندن إلى بيروت، واختارتني مع مجموعة من الصحافيين للانتقال إلى بيروت.


العودة إلى بيروت

وانتقلت لبيروت في مطلع العام 2000 وباشرت عملي في «الحياة» في لبنان وكان الخبر السعيد، وهو من أجمل الأخبار التي سمعتها في حياتي هو هزيمة الاحتلال الإسرائيلي وخروج القوات المحتلة من الجنوب اللبناني بعد أربعة أشهر من عودتي إلى لبنان.

فبعد هذه المعاناة الطويلة من الاحتلال التي امتدت من الاحتلال في العام 1982 إلى التحرير في 2000، قمنا بزيارة إلى الجنوب اللبناني، وكانت الأولى منذ العام 1976، وتفقدنا المعتقلات والمناطق، وكانت هذه التجربة جميلة جداً تذكر ببدء دخول العالم العربي في طورٍ جديد وأيضاً لبنان.

وبقيت في لبنان إلى أن اتصل بي الدكتور منصور في نهاية 2001، وكانت مفاجأة كبيرة حين قال لي إنه عاد إلى البحرين وإن سمو الأمير (جلالة الملك) حمد بن عيسى آل خليفة أطلق مشروعه الإصلاحي وإنه تم الإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري، وإن عاهل البلاد وافق على فكرة الشيخ الجمري بإعطاء ترخيص لصحيفة «الوسط» للصدور، وهي صحيفة يومية. وعندما اتصل وبعد الحديث عن الأوضاع الجديدة بحماس، طلب مني أن آتي إلى البحرين وأساهم في تأسيس صحيفة جديدة. وقد زرت البحرين بصورة أولية في مطلع 2002، وتعرفت على الأجواء. وبصراحة ترددت كثيراً ولكن ما جعلني أوافق كان ثقتي في الدكتور منصور الجمري، التي شكلت العنصر الأساس في علاقتنا، إضافة إلى معرفتي بأهل البحرين منذ السبعينات في بيروت ومن ثم قبرص ولندن، وانطباعي الشخصي كان إيجابياً، فتحمست وكانت البحرين تعيش في فضاء واعد متفائل، وكان الناس يتفاعلون مع المشروع الإصلاحي، وفعلاً لولا المشروع الإصلاحي لجلالة الملك لما جئت إلى البحرين. وكانت فترة ممتعة وثرية وجميلة في حياتي وقضيت عشر سنوات في البحرين في ظلال من التعاطف والمحبة والوئام إضافة إلى نجاح مشروع «الوسط».


«الوسط» نجحت منذ شهرها الأول

إن «الوسط» نجحت منذ شهرها الأول، بعد أن كانت السوق في البحرين مناصفة بين صحيفتين، استطاعت «الوسط» - في أقل من شهر- أن تنقل السوق من ثنائية إلى ثلاثية، فأصبحت «الوسط» شريكاً حقيقياً في دعم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك من تعزيز الشفافية والديمقراطية والانفتاح.

وعلى المستوى المهني كان نجاحها كبيراً جداً، فقد ساهمت «الوسط» في صناعة الرأي العام وتداول الأخبار وطرح القضايا الوطنية والعامة التي تهم مختلف فئات المجتمع. ونجحت الصحيفة منذ البداية في أن تعيد هيكلة مفهوم المهنية الصحافية انطلاقاً من كتابة الخبر إلى التعليق إلى الموضوعية والحيادية إلى ابتكار بعض الزوايا وترتيب الصفحات وغيرها من قضايا فنية وتقنية إضافة إلى تميزها بكتابة التحقيقات التي تعكس الواقع الاجتماعي الذي تعيشه البحرين.

ولا شك أن الدكتور منصور لعب دوراً كبيراً ومهماً في نجاح الصحيفة إن كان على المستوى الإداري أو التسويقي أو بناء علاقات عامة وأيضاً على مستوى تأسيس نواة بحرينية تتعامل مع الصحافة بحرفية ومهنية، فهو فعلاً يعود له الفضل في نجاحها، واستمر الحال على ما هو عليه، وأنا كنت سعيداً فعلاً بمغادرة بيروت وترك عملي في «الحياة»، ولم أندم على تلك الخطوة على الإطلاق، بل على العكس كانت البحرين خبرة جيدة وإضافة جديدة في العطاء والخبرة وإضافة جديدة إلى سيرتي الشخصية، إذ تعرفت على مجتمع غني وثري وحيوي وقادر على تأسيس دولة متوازنة في المستقبل.

فحين انتقلت من لندن إلى بيروت في العام 2000 كنت قد عزمت على عدم مغادرة لبنان والبدء في التخطيط لمرحلة التقاعد المبكر، والسبب أنني قد وصلت إلى نقطة اعتبرت إنني أعطيت ما يمكن أن أعطيه خلال تجربة عملي المهني، وانتهت إلى ما انتهت إليه خلال وظيفتي في صحيفة «الحياة»، إلا أن اتصال دكتور منصور أعاد تجديد الهمة وفتح فصلاً جديداً في حياتي قبل أن أدخل فترة التقاعد المبكر.

وفعلاً كان هذا الاتصال فاتحة خير سواء خلال مدة إقامتي في البحرين أو من خلال علاقتي الشخصية مع أهل المملكة وفريق «الوسط»، الآن (مطلع 2012) أنا عائد بعد تلك التجربة لأختتم ذاك الفصل إلى ما قبل الأخير وأعود مجدداً إلى بيروت لأخطط لفترة ما يمكن أن أسميه التقاعد.


في عاصمة الضباب تعرفت على منصور الجمري

إذا نظرت إلى المسألة من زاوية بعيدة فسترى تناقضات، وهذا صحيح ولكن كل هذه التناقضات تنتهي إلى وحدة والوحدة تنتهي إلى تناقضات والتناقضات تنتهي إلى وحدة، بالتالي التعارض موجود والثنائية موجودة دائماً، فهناك الخير والشر وهناك الليل والنهار، وهناك الصعود والهبوط.

قيادتي الحزبية قالت لي عليك أن تدعم الغزو السوفياتي لأفغانستان، فكرت في نفسي قليلاً لأجيبهم: كلا. رفضت منطق الازدواجية بقوة، فأما الاحتلال الأميركي إلى فيتنام صحيح أو خاطئ، وأما الغزو السوفياتي لأفغانستان صحيح أو خاطئ. من هنا بدأت المنهج المغاير للفترة السابقة من حياتي، فانقلبت على الماركسية وألفت كتاب «السلطة والحزب»!

في عاصمة الضباب تعرفت على منصور الجمري، وتأسست علاقات من الثقة المتبادلة بنيت على الاحترام والتقدير، ولم يكن د.منصور قد تخرج من الجامعة بعد، وكان يمثل ذلك الشاب النموذج الصاعد، وترعرعت تلك العلاقات مع الأيام دون أي تخطيط، ولكنها كانت عفوية وبسيطة ومبنية على الثقة... فكان مشروع «الوسط».

وليد نويهض

العدد 3421 - الأربعاء 18 يناير 2012م الموافق 24 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:55 ص

      سبحان الخالق

      أنتما أيها البطلان متشابهان خَلقا وخُلُقا ومنطقا فشكرا لكما .

    • زائر 2 | 3:54 ص

      اللبنانيون

      اللبنانيون شعب راقي وصاحب ذوق رفيع وكثيرا ما نثق بكم وبطموحكم ولا غنى لنا عنكم ، ونشكركم استاذ وليد نويهض من قلبنا على ما قدمتموه للبحرين. تمنياتنا لكم بالتوفيق وسط أهليكم ولا تبخل علينا بمقال من هناك وهناك.

    • زائر 1 | 11:36 م

      عبد علي البصري

      عليك يا نويهض لاتقول تقاعد بل قل حتى الاقي ربي (يا ايها الانسان انك كادح الى برك كدحا فملاقيه). على كل حال كثيرا ماكنت أتسائل عنك ، أشكرك شكرا جزيلا لموضوعاتك التاريخيه ، وبأرائك بارك الله فيك ولا تنسانا ولو في الشهر حسنه ، يعني موضوع في الوسط على الطاير مثل مايقولون.

اقرأ ايضاً