انتصرت حركة الثورات العربية (ثورات الحرية والكرامة) في كل من تونس ومصر وليبيا، وهي على وشك أن تعلن انتصارها في بلدان أخرى لاتزال تعيش مخاضات دموية عسيرة على طريق التحرر والتخلص من عفن الاستبداد التاريخي المقيم.
ولكن الذي حدث حتى الآن هو أن هذه الثورات العربية لم تكن - حتى تاريخ نجاحها، وبدء تحولها ومسيرتها من منطق الثورة إلى منطق الدولة - أكثر من تحرر عام من الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي الناجم عن طول أمد حقبة استبداد وقمع وعنف عضوي ورمزي طال كل شعوبنا ومجتمعاتنا العربية... على أمل أن تبدأ بالفعل مرحلة قطف الثمار ونيل الحرية الحقيقية بعد أن يتم تحقيق وإنجاز مشروع التغيير الديمقراطي الموعود الذي رأينا بوادره تطل علينا من تونس ومصر (والمغرب)، حيث الإقبال الكثيف على صناديق الاقتراع، ورغبة الجماهير في إحداث تحولات وتغييرات جذرية حقيقية في واقعها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بعد أن بقيت مغيبة قسرياً لأشواط تاريخية طويلة كانت خياراتها محدودة وضيقة للغاية... بغض النظر عن المنتصرين الجدد من الإسلاميين والليبراليين.
وتبقى جملة أسئلة لابد من طرحها، ومحاولة الإجابة العملية عليها في ضوء نتائج تلك الانتخابات وانطلاق قطار التحول السياسي الديمقراطي:
هل ستتحقق الحرية الموعودة في بلداننا في ظل فوز التيارات الإسلامية (المعتدلة) بالانتخابات النيابية الأخيرة في تلك البلدان؟ وهل سننتقل واقعياً من مناخ التحرر من استبداد إلى مناخ الحرية الحقيقية المكفولة بالدستور وبالقوانين الناظمة لحركة الدولة والمجتمع؟ وهل ستبقى تلك التيارات وفيةً لصندوق الاقتراع فيما لو خسرت لاحقاً أية انتخابات مقبلة؟ ثم هل مجرد تحقق الانعتاق من استبداد النخبة السياسية والأمنية العربية التي كانت حاكمة سابقاً، سيجعلنا نحقق الحرية لاحقاً في ظل نجاح الإسلاميين وحصولهم على مقاعد برلمانية غير قليلة؟.
إننا نتصور أن الناس التي نزلت بكثافة إلى شوارعنا السياسية العربية معلنةً بداية مرحلة جديدة للمشاركة في صنع المصير والقرار والمآل، ستكون هي «بيضة القبان»، والضمانة الحقيقية لأية محاولة قد يحدث فيها انقلاب سلطوي لاحق قد يطرأ على واقعنا السياسي الجديد، سواء تعلق الأمر بحدوث انقلاب فكري ومفاهيمي (قد يظهر على شكل حالات تعصبية نافرة في غير جهة أو موقع هنا وهناك) مضاد لحركة الديمقراطية السياسية المضمونة دستورياً، أو حتى انقلاب سياسي قد يقوم بها تيار أو جهة تدعي وقوف الجماهير معها.
على هذه الخلفية جاءت دعوتنا لتثبيت وتأصيل واقع ومناخ الحريات العامة والسياسية في تلك البلدان دستورياً وقانونياً، على رغم أن مناخ وشروط الحرية تحتاج لوقت طويل حتى تثبت وتتماسك على الأرض عندنا، وهي بالأساس تنبع من رفض داخلي ذاتي لكل المناخات والأسس التاريخية المولدة لأفكار ومفاهيم التعصب والإلغاء وادعاء القيمومة الفكرية والعملية.
وهنا ننبه تلك التيارات التي ربما لايزال كثيرون من المنتمين لها يدعون حالة من العصمة الفكرية -بالذات الإسلامية منها- أن عليها (في سياق العمل السياسي التداولي، وفي إطار خدمة الناس والمجتمع الذي مل الوعود والشعارات الفضفاضة لتيارات فاشلة مرت علينا) أن تبتعد عن الإيديولوجي والنظري القيمي وتنزل إلى ساحة الحياة، وتقترب من مشاكل وشجون الناس، وأن تنخرط ميدانياً مع باقي أحزاب وتيارات الوطن بالعمل الميداني النافع لخير الناس والصالح العام، من خلال عملها بمنطق الشراكة المؤسساتية، على بناء دول حقيقية لها مؤسسات تنموية فعالة قادرة على تقديم شيء حي وملموس للناس على صعيد التنمية والاقتصاد، وتحسين مستوى معيشة الناس، وزيادة دخولها، وتدبير شئونها وتطوير حياتها الاجتماعية وغير الاجتماعية.
هنا جوهر الموضوع ومربط الفرس، وليس مجرد التغني بالأفكار والنظريات التجريدية الوهمية عن الدعوة والتبشير وبناء مجتمعات دينية (معصومة!) شبه ملائكية لا وجود لها على الأرض كما رأيناه ولاحظناه سابقاً عند إيران التي ادعت في وقت من الأوقات (وربما لا يزال هذا الحلم يدغدغ مشاعر وأفكار البعض هناك) أنها تعمل على بناء مجتمع العصمة والرسالة الإسلامية الأصيلة... فماذا كانت النتيجة؟ كانت أنها بنت مجتمعاً شبه مغلق، يعاني كثير من أفراده وتياراته ونخبه الحاكمة من حالة من حالات «الضدية المذهبية»، والتعصب والإكراه الدين، في مواجهات إكراهات ومذهبيات طائفية دينية أخرى. وهذا ما لا نرضاه لهؤلاء الإسلاميين الجدد على تجربة الحكم وإدارة مؤسسات الدول العربية في مصر وتونس والمغرب... ولاحقاً في دول عربية أخرى...
إننا نعتقد أن عيش الإسلاميين في جنان الأفكار والنظريات التي استغرقوا فيها طويلاً بعيداً عن العمل والتجربة، يجب أن يشكل بحد ذاته دافعاً قوياً لهم للبدء الجدي في تحويل آليات التفكير عندهم (والاستفادة من تجارب ومساهمات غيرهم) من إطارها النظري إلى حيز التطبيق من خلال الاهتمام بلغة الأرقام والوقائع والإحصائيات على الأرض التي يجب أن يتنافسوا فيها مع الآخرين على خدمة الناس والمجتمعات، وضمان العيش الحر الكريم الهانئ والمديد لهم، وتأمين فرص العمل لجيوش العاطلين من الشباب والخريجين، في ظل ما وصلت إليه شعوبنا -تحت تأثير عقود الفساد والاستبداد الطويلة- من جمود اقتصادي وتكلس سياسي، وعطالة وبطالة مقنعة وحقيقية مزمنة مقيمة.
المهم هنا هو العمل بلغة التفاهم والتواصل والتشارك مع الآخرين، وليس بعقلية الاصطفاء والنخبة والزعامة وسلوكية التفرد المقيتة... فعالمنا اليوم هو عالم المصائر الواحدة، والهويات المشتركة، ومنطق العمل والاقتصاد الحر وخدمة الناس جميعاً، والتنافس في الوصول لقلوبهم عبر خدمتهم والاهتمام بحلول جدية واقعية لمشاكلهم، والعمل على تدبير شئونهم المتنوعة والكبيرة.
بهذا المنطق الحر التكاملي، وتلك العقلية التشاركية التداولية نحقق حريتنا الحقيقية المنشودة بعد أن أنجزنا تحررنا واستقلالنا عن دولة الرعاية الأبوية والوصاية الذكورية. وهذا هو الفرق بين التحرر والحرية... بين الخلاص من حكم القائد المفدى، وبدء حكم العقل الحر التشاركي المؤسساتي
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 3420 - الثلثاء 17 يناير 2012م الموافق 23 صفر 1433هـ
من الذي اتى بالاسلاميين اليست صناديق الاقتراع والناس
اذا الذي اتى بهم يستطيع ان يأتي بغيرهم اذا لم يفوا بحقوق الناس ومطالبهم وهذه هي الديمقراطية ، فيجب على الشارع ان يكون واعي ومدرك لما يحدث حوله ، اما النظام الديكتاتوري فهو الرب وغيره العبيد ما امركم تطيعون وما انهاكم تنتهون ، وما اريكم الا ما ارى وان خالفتوني اقطع ارجلم وايديكم من خلاف واصلبكم على جذوع النخل .
محرقاوي وافتخر والي مب عاجبه ينتحر
أسوأ ديمقراطية أفضل
أسوأ ديمقراطية أفضل من الدكتاتورية ، فالدكتاتورية كلها عبودية و ظلم و انتهاكات و سرقات و فساد وووووو وحكام العرب السابقين و الحاليين هم أنصع دليل على نماذج الدكتاتوريات
تحياتي / أبو سيد حسين