ثالثاً: مخالفة المادة (6) من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 لأحكام الدستور:
من الانتهاكات الخطيرة التي تضمنها هذا المرسوم، هو إنشاؤه لجرائم جديدة وفرضه لعقوبات على من يرتكبها، فالمادة (6) منه تنص على أنه: «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أوامر السلطة المكلفة بتنفيذ أحكام هذا المرسوم». وهو ما يخالف القاعدة الدستورية الأساسية في التجريم والتي تمثل ضمانة أساسية لحقوق الإنسان ونصت عليها المادة (20) من الدستور البحريني، وهي أنـه: «أ ـ لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون». وحالة أن الجرائم التي أنشأها هذا المرسوم لا تستند لقانون يخول السلطة التنفيذية إنشاءها وفرض عقوبات عليها، فهي مجافية للدستور وميثاق العمل الوطني والميثاق العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يسمو على كل القواعد المحلية.
رابعاً: مخالفة المواد (7، 8، 9) من المرسوم الملكي 18 لسنة 2011 لأحكام الدستور:
تنص المادة رقم (105/أ) من الدستور على أنه: «يرتب القانون المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويبين وظائفها واختصاصاتها»، ومفاد هذا النص أن ترتيب المحاكم وإنشاءها وتحديد درجاتها واختصاصها لا يكون إلا بقانون، بالمفهوم الذي حددته المادة (70) من الدستور، التي تنص على أنه: «لا يصدر قانون إلا أذا أقره كل من مجلسي الشورى والنواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال وصدق عليه الملك». فلا يجوز أن يكون المرسوم أداة لإصدار ما استوجب الدستور إصداره بقانون، فإذا نصت المواد من (7 إلى 9) من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، بإعلان حالة السلامة الوطنية على تشكيل محكمة السلامة الوطنية؛ فإنه يكون قد جاء بخلاف ما نص عليه الدستور في مادتيه، (70 و105). فيكون تشكيل تلك المحكمة، وفقاً لذلك المرسوم قد وقع بالمخالفة لأحكام الدستور؛ مما يتخلف معه الأساس القانوني لتشكيلها وتخضع نصوص التشكيل تلك لرقابة المحكمة الدستورية؛ كيلا تكون أعمال الحكومة، في إطار حالة الطوارئ بمنأىً عن رقابة القضاء. ولا يُرُد على ما تقدم بالقول إن المحكمة المشكلة بموجب المرسوم الملكي هي محكمة خاصة تغاير المحاكم التي نظمها قانون الإجراءات أو غيرها من القوانين الأخرى إنشاء وترتيبا ونوعا؛ ذلك أن نص الدستور في مادته (105)، قد ورد في عبارة مطلقة بلا تقييد، عامة بلا تخصيص، لتشمل المحاكم كافة، فلا يجوز تشكيل أو إنشاء أي محكمة إلا بقانون، بغض النظر عن نوع تلك المحكمة سواء كانت عادية أو خاصة. لا بل إن المحاكم الخاصة أكثر حاجة لأن تُنشأ بقانون بالمفهوم الفني للكلمة وفق ما قررته المادة (70) من الدستور؛ وذلك لضمان عدم مساسها بحقوق الافراد وحرياتهم، بفرض سلامة إنشاء المحاكم الاستثنائية (الخاصة) والفرض غير الحقيقة.
وهو الأمر الذي درج إجماع الفقه والقضاء المقارن على اعتباره مخالفا للدساتير ولمبدأ الحق في محاكمة منصفة والتقاضي أمام القاضي الطبيعي، كما قررته المادة (14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي التزمت به البحرين بلا تحفظ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، قد أسند مُهمة تعيين قُضاة محكمة السلامة الوطنية، سواء بدرجتها الابتدائية أو الاستئنافية إلى صدور قرار من الحاكم العسكري، بوصفه، السلطة المكلفة بتنفيذ إجراءات السلامة الوطنية بتعينهم. وهذا ما يخالف صريح نص المادة (33/ح) من الدستور التي تنص على أن: «يرأس الملك المجلس الأعلى للقضاء، ويعيّن القضاة بأوامر ملكية بناءً على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء). كما يُخالف هذا المرسوم نص المادة (45) من المرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2000 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1971 بشأن تنظيم القضاء، والتي تنص على أن: «يقوم المجلس الأعلى للقضاء بالإشراف على حسن سير العمل فـي المحاكم وفي الأجهزة المعاونة لها، واقتراح ما يلزم من أجل ذلك، ويختص بكل ما يتعلق بشئون القضاة بما في ذلك ترقيتهم ونقلهم وندبهم، كما يختص بالنظر في الترشيحات المقدمة من وزير العدل والشئون الإسلامية فيما يتعلق بالتعيين في الوظائف القضائية على النحو المنصوص عليه في هذا القانون، كما يؤخذ رأيه في مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء». ومن ثم يغدو إسناد تشكيل محاكم للحاكم العسكري مخالفاً مخالفةً صارخةً للدستور والقانون، ويُفضي لبطلان تشكيل تلك المحاكم ومن ثم انعدام ما تصدره من أحكام والتي لا تجاوز كونها عملاً مادياً غير ذي قيمة، ويتعين من ثم الإفراج عمن أدانتهم تلك المحكمة (السلامية الوطنية)، وإعادة محاكمتهم من جديد (إن كان لذلك مقتضى) لدى قاضيهم الطبيعي بعد التحقيق معهم من جانب النيابة العامة، مع مراعاة توفير الضمانات القانونية لهم في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة كما يقضي بذلك ميثاق العمل الوطني، في الفقرة (5 من البند ثانياً من الفصل الأول منه) وكذلك الفقرة (ج) من المادة (20) من الدستور.
خامساً: مخالفة المادة (15) من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 لأحكام الدستور:
إن من إحدى الانتهاكات الدستورية الواضحة التي تضمنها المرسوم بإعلان حالة السلامة الوطنية هو ما نصت عليه المادة (15) منه والتي قضت بأنه: «لا يسري أي تشريع أو نص يتعارض مع أي حكم من أحكام هذا المرسوم والأوامر الصادرة بمقتضاه خلال مدة سريان حالة السلامة الوطنية»؛ إذ ان هذا النص يُخالف، بوضوح، ما أكدته المذكرة التفسيرية لدستور مملكة البحرين للعام 2002 والذي بينا فيما سبق أنها مُلزمة كالدستور نفسه فيما تضمنته من توضيحات وشروح بحسب العديد من أحكام المحكمة الدستورية، من أن مخالفة الإجراءات التي تتخذ بموجب النظم الاستثنائية المقررة في الدستور للقوانين السارية لا يكون جائزا إلا في حالة الأحكام العرفية فقط. ولا يمتد ذلك لحالة السلامة الوطنية التي تخضع للأصل وهو وجوب أن تتوافق مع القوانين الأرفع منها بما في ذلك التشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية، ولا ُتعلن الأحكام العرفية إلا في الحالات التي تهدد أمن وسلامة المملكة ولا يكفي للسيطرة عليها استخدام ما ورد في القوانين العادية من إجراءات أو تلك، التي يفرضها إعلان حالة السلامة الوطنية، وإنما يتطلب بشأنها اتخاذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة للقضاء على الفتنة والعدوان المسلح... ومقتضى هذا النص أن إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية قد يكون في جميع أنحاء الدولة أو في جزء منها، وأن للملك، عند إعلان هذه الأحكام، أن يُصدر بمرسوم ملكي أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة حتى لو خالفت هذه التعليمات القوانين المعمول بها.
وبناء على ما تقدم من بيان للمواضع التي خالف فيها المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، بإعلان حالة السلامة الوطنية أحكام الدستور، وأمام جدية المنازعة في دستورية ذلك المرسوم ولاسيما في دستورية المواد من 5 إلى 15 منه، كان يتعين على محكمة السلامة الوطنية تمكين المتهمين الذين دفعوا أمامها بعدم دستورية مرسوم السلامة الوطنية، من إقامة دعوى أمام المحكمة الدستورية للبت فيما أثاروه من دفوع بعدم الدستورية، ووقف الدعاوى التي كانت جارية أمامها ريثما يتم الفصل في الدعوى الدستورية؛ باعتبار أن تلك المحكمة هي صاحبة الولاية الوحيدة بالفصل في دستورية القوانين واللوائح على نحو ما جرت به المادة (106) من الدستور والتي تنص على: «إنشاء محكمة دستورية، من رئيس وستة أعضاء يعينون بأمر ملكي لمدة يحددها القانون وتختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح». وفي هذا الصدد يورد البروفيسور رمزي طه الشاعر في كتابه «القضاء الدستوري في مملكة البحرين» في الصفحة 346: «وقد جاء نص المادة (106) من الدستور، والمادة (16) من قانون المحكمة الدستورية مطلقاً وصريحاً في تولي المحكمة الدستورية، دون غيرها، الرقابة القضائية على دستورية اللوائح دون أي تحديد لها ودون تخصيصها باللوائح التي لها قوة القانون؛ الأمر الذي يستتبع القول بشمول اختصاص المحكمة الدستورية برقابة الدستورية لكل أنواع اللوائح سواء منها ما يستلزمه السير العادي للإدارة أو تلك التي لا تعتبر من مستلزمات الوظيفة الإدارية وتدخل ضمن اصطلاح اللوائح الاستثنائية التي تصدر في حالات الضرورة». وعليه فإن نصوص المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 محل دفع كل المتهمين الذين مثلوا أمام القضاء العسكري والذي سمي بمحكمة السلامة الوطنية بعدم الدستورية، تخضع لرقابة المحكمة الدستورية، بوصفها، نصوص لائحة يقتصر الاختصاص للمحكمة الدستورية، للنظر بعدم دستوريتها، ما كان يتعين معه، والحال كذلك على محكمة السلامة الوطنية تمكين المتهمين الذين مثلوا أمامها من إقامة دعوى عدم الدستورية بشأن النصوص المذكورة ووقف الدعاوى التي كانت جارية أمامها بحق المتهمين لحين الفصل في الدعوى الدستورية
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"العدد 3420 - الثلثاء 17 يناير 2012م الموافق 23 صفر 1433هـ
سلامة الشعب فوق القانون
مبدأ سمو الدستور ونظرية الضرورة في الأوقات العصيبة للدولة .... !
يعد الدستور القانون الاسمى في الدولة، وهو بمثابة وثيقة عهد بين القائمين على السلطة العامة وبين الشعب، لضمان ان السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية لن تنحرف عن المبادئ والقيم والقواعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يرى الشعب انها تجسيد للشرعية التي يعتقد ويؤمن بها في زمان ومكان معينين.
فالدستور هو ابتداءاً قيد على ارادة السلطة التشريعية يمنعها من سن تشريعات تتعارض مع المباديء والقواعد التي تضمنها الدستور،
سكرا لكم
شكرا لك ايها الاستاذ العزيز نورتنا وثقفتنا
شكرا لكم
هذه المقالات يجب ان تدرس في الجامعات
سلمت اناملك يا استاذ عبدلله، هذه المقالات يجب ان تدرس في الجامعات. انا شخصيا اقرا هذه المقالات بشكل متأني و دقيق لما تحويه من تحليلات دقيقة لا تصدر الا من محاميين متمرسيين في القانون. شكرا لكم على هذا المجهود القيم. بدون مبالغة هذه المادة القيمة ممكن بلورتها لتصبح بحثا في القانون لنيل الدكتوراه. واصل الكتابة يا استاذ عبدلله. انها درر قيمة. شكرا جزيلا عل تبيان الحقائق و وضع النقط على الحروف. نحن فخورون بان البحرين تزخر بهذه العقول الجبارة. شكرا جزيلا على كتابة هذه المقالات.