من أغرب القرارات التي اتخذها مجلس النواب في ثوبه الجديد، رفضه تشكيل هيئة خاصة بمكافحة الفساد!

لجنة الشئون التشريعية والقانونية بالبرلمان أوصت برفض مشروع قانون بإنشاء «هيئة مكافحة الفساد»، تتولى وضع استراتيجية شاملة لمكافحة الفساد، وإعداد السياسات العامة، وتنفيذ الآليات والخطط والبرامج لذلك.

وزارة الداخلية أعلنت قبل أسابيع عن تدشين خط ساخن لتلقي شكاوى الجمهور والإبلاغ عن أية قضايا فساد، بينما رفضت اللجنة القانونية تشكيل لجنة لمعالجة الفساد وملاحقته!

الخبر المنشور قبل يومين أشار إلى أن من بين مهام الهيئة، اتخاذ التدابير الكفيلة بالتعريف بمخاطر الفساد وآثاره على المجتمع وتوسيع دور المجتمع في الأنشطة المناهضة للفساد، بمشاركة منظمات المجتمع المدني. ولأن هذا الكلام غامضٌ فإنه يحتاج إلى قليل من التوضيح!

لابد طبعاً من اتخاذ التدابير اللازمة للتعريف بمخاطر الفساد وآثاره على المجتمع! وهنا يجب تكليف كتّاب الأعمدة بنشر مقالات أسبوعية تحثّ على تقوى الله وعدم التورط في قضايا فساد، مع تطعيمها بكلمات الأنبياء والحكماء والمشاهير لتكون أكثر وقعاً في النفوس! كما يجب حثّ أئمة المساجد لتخصيص خطبة يوم الجمعة مرةً في الشهر لتخويف المتورّطين من عذاب الله يوم القيامة!

من التدابير الكفيلة بالتعريف بمخاطر الفساد، تكليف الجمعيات الدينية بتنظيم محاضرات أخلاقية، تشتمل على توجيهات روحانية للحثّ على تجنّب المال الحرام، حتى لو كان مئة أو مئتي فلس، لأن الله يعاقب على المال الحرام حتى لو كان قليلاً جداً! والمحاضرات الدينية دواء مجرّبٌ وناجحٌ إن شاء الله!

وكما يقول المثل إن «اليد الواحدة لا تصفّق»، فإنه يجب تضافر كافة الجهود وتكريس كافة الإمكانيات والقدرات والطاقات، من الجهات الرسمية والأهلية والشعبية والجماهيرية لمكافحة الفساد.

إن من الضروري أيضاً توسيع دور المجتمع في الأنشطة المناهضة للفساد على كافة المستويات الفردية والجماعية، الفكرية منها أو الثقافية أو الفلسفية أو الحداثية، بما فيها استخدام فنون الرسم والخط والتشكيل والمسرح والشعر العمودي والحر وحتى النبطي، من أجل تحقيق هذا الهدف الوطني النبيل. ولا ننسى إمكانية تنظيم عروض مسرحية واستغلال فن الأوبرا والموشّحات الأندلسية.

إن من المهم جداً تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في هذا المجال، سواءً الجمعيات الحقوقية أو الشبابية أو الفنية أو النسائية أو... باستثناء الجمعيات المسيّسة طبعاً! فمما لاشك فيه أن العالم المعاصر يتحرك اليوم على إيقاع منظمات المجتمع المدني، ولابد أن تكون لدينا منظماتٌ من هذا النوع العصري لمكافحة الفساد.

إننا لسنا ملزمين بتشكيل لجنة بعينها لمكافحة الفساد، فـ «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد» لا تلزم الدول الموقّعة بإنشاء هيئة متخصصة تكون لها صلاحيات قانونية لتعقب الفساد وممارسيه. الأمم المتحدة قالت «شكّلوا لجنة»، على طريقة «اذبحوا بقرة»، وسكتت، فلا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم!

يكفينا مقالٌ أسبوعي واحد، وخطبةٌ في الشهر، ومحاضرة دينية في السنة، ودعوا عنكم اللجان فإنها بدعة... والله ولي التوفيق