رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية. نعم. تفضل بذكر اسمك كاملاً. اسمي هو كريستيان فولف، تاريخ ميلادك؟ ولِدت في 19 يونيو/ حزيران 1959 (53 عامًا). ولأي الأحزاب السياسية الألمانية تنتمي؟ أنتمي إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي. أنت متهمٌ بالحصول على قرض بشروط تفضيلية قيمته نصف مليون يورو من زوجة رجل أعمال ثري هو جيركينز عندما كنت رئيسًا لوزراء ولاية ساكسونيا السفلى في العام 2008 عبر بنك بادن فيرتمبيرغ، ماذا تقول في ذلك؟
في الحقيقة أنني لا أنكر تحرير الاتفاق بيني وبين البنك في الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 لكن ذلك التوافق كان فقط على إتمام القرض، الذي جاء تأمينه عن طريق تسليم الدَّيْن بضمان قطعة الأرض التي بنَيْتُ عليها منزلي في مدينة بورجفيدل، بالإضافة إلى دخلي الشخصي، بما فيه امتلاكي قطعة أرض عقارية أخرى ليست عليها مآخذ مالية. وقد ذكرت في لقاء مع القناتين الأولى والثانية بالتلفزيون الألماني أن القرض كان قرضًا عاديًّا بشروط معتادة تمامًا، كما هو متاح للآخرين، ولم تكن هناك مزايا إضافية. بل إن مخاطرة تزايد الفوائد المستحقة على البنك سأتحملها كاملة، وهذه هي الحقيقة كلها من دون نقصان.
وماذا عن قضائك عددًا من العطلات مع مستثمرين في منتجعاتهم؟ حقيقة الأمر أن هؤلاء المستثمرين، هم أصدقاء لي منذ أيام المدرسة، بل ومنذ أن كان عمري 14 عامًا، وهو أمر لا يعتبر خرقًا لقانون الوزراء بولاية سكسونيا السفلى. ولو حظر على جميع السياسيين المبِيْت لدى أصدقائهم، أو ألزموا بتقديم حساب مبيتهم في حجرة الضيوف، فلا أظن أن ذلك يُسهم في تقدم الجمهورية (الألمانية). وإنني أدعو من هنا حكومة الولاية في هانوفر، لتبيان هذا الأمر، ولكل شخص الحرية في أن يتصل برئيس المحكمة العليا في سكسونيا ليستفسر عن ذلك.
وهل صحيح أنك هدَّدتَ إحدى الصحف الألمانية إنْ هي نشَرَت خبرًا حولك بشأن ذلك؟ يبدو أن الموضوع أسيء فهمه كثيرًا. غاية الأمر أنني اتصلت برئيس تحرير صحيفة «بيلد» الألمانية ديكمان، وطلبت منه أن يؤجل نشر المقالة التي تتعلق بالقرض العقاري الذي تلقيته من البنك لمدة يوم واحد فقط، وهو ذنبٌ أعترف به، إذ ليس من الصحيح أن أقوم كرئيس للجمهورية بفعل ذلك، لكنني كذلك أقول لسيادتكم أن هناك أيضًا حقوق إنسان لي كرئيس للجمهورية، وآمل أن يُفهَم تصرفي ولو بصورة إنسانية، ومن جانب أن أسرتي كانت ستتضرر سلبيّاً من نشر المقال في ذلك التوقيت. هذا كلّ ما في الأمر أيها السادة.
هذه المساءلة القانونية التي قمت بتوليفها بهذا الشكل بالاعتماد على الصحف الألمانية والتصريحات السياسية والقانونية في برلين هي في جوهرها الحقيقي ضمَّت 400 سؤال شخصي وُجِّه إلى الرئيس الألماني كريستيان فولف. قضية مثارة بذلك الحجم الهائل، وتخرج بسببها مظاهرات مندّدةٌ بالرئيس، ثم تتدخل فيها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والصحافة الألمانية والقضاء والقانونيون ورؤساء الأحزاب الألمان هي بسبب قرض بنكي حقيقي بقيمة نصف مليون يورو حصل عليه الرئيس الألماني ولم ينكره بمزايا تفضيلية مع الادعاء بقضائه عطلات رسمية بمعية أصدقاء له!
هذا الأمر وهذا الحدث له جانبان. الجانب الأول هو إكبارٌ لما وصلت إليه العدالة الاجتماعية والقانونية في الأمة الألمانية العريقة، التي كانت وإلى قبل ستين عامًا فقط رهينةً بيد النازية والرايخ الثالث حتى دمَّرتها، والجانب الثاني هو مقاربتها مع أحوال المساءلة وحفظ الثروات داخل العديد من المجتمعات والأنظمة العربية السائدة.
فموضوع المساءلة ومكافحة الفساد هما من الأمور التي طوَّرت الحياة السياسية والاجتماعية في أوروبا. وهما المحوران اللذان قضيا على ذاكرةٍ بائسةٍ لدى المواطن الأوروبي في غرب القارة ووسطها وفي بلدانها المكنوزة بمظاهر الاستئثار بالسلطة والاستحواذ على الثروة، وتكوُّن قوى الإقطاع والاستيلاء الفاحش داخل الامبراطوريات الأوروبية في النظام السياسي القديم الذي كان قائمًا على النفوذ والحكم المطلق.
فاليوم ليس بإمكان الرئيس أو الوزير في أوروبا، أن يكون له شأو أو مكانة أو تراكم ثروات بالاعتماد على نفوذه ومنصبه السياسي. بل إن موقعه ذاك، يزيد من مراقبة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني له، حيث يجب عليه أن يكون ملتزمًا بالقانون والنظام وتطبيقه قبل الجميع. وخلال الأزمة الأخيرة في ألمانيا، أصبح الحديث صريحًا وواضحًا عن خطأ تقوية المنصب على حساب الإجماع الوطني عليه.
اليوم وطبقًا لتقارير منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي 2011 فإن حجم الخسائر التي تلحق بالاقتصاد العالمي نتيجة انتشار ظاهرة الفساد بأشكالها المختلفة، يقدّر بأكثر من 400 مليار دولار سنويّاً، وهو أمر أرجعت جزءًا منه إلى ضعف السلطة السياسية، أو نتيجة إغفال تطبيق القوانين، وتحديداً في البلدان النفطية، التي تحتاج إلى بناء معايير خاصة بالشفافية، وإعطاء معلومات مفصَّلة عن الثروات في مختلف مراحل الانتاج والتصدير مثلما ذكرت المنظمة.
بالتأكيد؛ فإن ذلك يحفظ أصول الثروات الوطنية، لكن وبالتوازي مع ذلك؛ فإن الأهمية الأخرى تكمن في عمليات المراقبة لمن هم في مناصب عليا في الأنظمة السياسية، كي يكونوا كسائر الناس ملتزمين بالقانون وحفظ المال العام من الاستيلاء.
فالشعوب في شتى أنحاء العالم هي شديدة الحساسية تجاه ثرواتها الطبيعية، بل إن معظم الثورات سواءً في الغرب (سابقًا) وفي الشرق اليوم، قامت لأسباب تتعلق بالفساد وأمور تتعلق بحفظ الثروات العامة.
إن المساءلة ومكافحة الفساد هو ما نحتاج إليه بالضبط في عالمنا العربي لكي تتطوَّر تجاربنا السياسية. وهي حساسية قانونية وأخلاقية يجب أن يشعر بها أيّ مسئول عربي عندما يتولَّى المسئولية في خدمة شعبه، وإلاَّ توقّعَ أن يخرج أمامه متظاهرون وهم يرفعون شعار «حذاء من أجلك سيادة الرئيس» مثلما جرى للرئيس الألماني كريستيان فولف في السابع من يناير/ كانون الثاني الماضي
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3416 - الجمعة 13 يناير 2012م الموافق 19 صفر 1433هـ