إلى جانب «إسلام الأخوان المسلمين» هناك إسلام السلطة، وهو الإسلام الذي ما زال يقف إلى جانب خطاب السلطة، ويروّج له ويبرّره شرعياً مدعوماً بالأحاديث والآيات القرآنيّة وكذلك تكرار القصص التاريخيّة الإسلاميّة المنتقاة بجدارة، ولعل هذا الإسلام (إسلام السلطة) استفاد منه النظام في ثمانينات القرن الماضي على رغم أنّ مؤسسة إسلام السلطة في ذاك الوقت كانت تتألّف بشكل ملفت من أبناء الأقليّات، ولا سيما عائلات كردية دمشقيّة مثل آل البوطي (محمد سعيد رمضان) وآل أحمد كفتارو وشيخو، وغيرهم. وفي الحراك الحالي يسعى هذا الإسلام إلى بلورة مشروعيّة النظام الحالي عبر إقناع شعبيته على أنّ النظام فعل كذا وهو يفعل كذا. كما يمكن القول إنّ إسلام السلطة اليوم معتمدٌ على طبقة الإسلاميين من أهل المدن، وكذلك على بعض التجّار في مجال الصناعة والعقارات من مراكز المدن الكبيرة إضافة إلى المعاهد الشرعيّة، ومؤسسات ودور الأوقاف، عدا عن الإسلاميين الذين لهم الامتيازات.
الإسلام الشعبي: وهو الإسلام الذي ينتعش في هوامش المدن والأرياف لا يرتبطون بالإسلام السياسي بأيّ شكل من الأشكال. تعاطفهم ووقوفهم إلى جانب الثورة من منطلق الوجوب في الإسلام، وحسب التكافل والتضامن من منظور إسلامي. وهذا النّوع من الإسلام له ديمومة لأنهم ينطلقون ببراءة وعطف إنساني، وأثبت الحراك السوري أنّ هذا الإسلام لديه مقدرة كبير على إجراء التحول في القاع السياسيّ. ليس لهذا النوع من الإسلام أيّ مشروع سياسيّ ولعل مردّ ذلك إلى أنّهم لا يملكون أية صيغة تنظيميّة لهم. لا يهمّ هذا الإسلام من يتولّى خلف النظام الحالي لكن ما يهمه هو إحداث التغيير في بنية الدولة وإزالة الفوارق من كل الجوانب الحياتيّة. والإسلام الشعبي لايُغرّ بالشّعارات و(الهوبرة) لذلك نرى أفراده يقفون إلى جانب من يقول: «المجلس الوطني السوري يمثلني» لكنهم لا يثيرون الخلاف مع المعارضة الداخليّة، وأحياناً يلعبون دور الوساطة ما بين المعارضة نفسها وكذلك بين الشارع والسلطات المحليّة، ويتألّف هذا الإسلام من مؤذّني الجوامع وبعض وجهاء مؤسسة الإفتاء وروّاد الجوامع، ومن بعض مؤسّسات المجتمع الأهليّ والجمعيات الأهليّة، وهذا النّوع يشكل اليوم وقود الحراك.
الإسلام المقاوم للغرب وسياساته، وهذا الإسلام يتراوح خطابه بين متطرف وأميّة سياسيّة، وينقسم إلى نوعين؛ الأول: هم الذين عادوا من الحرب العراقيّة ولم ينخرطوا في أي تنظيم جهادي لكنهم لا يطيقون الأنظمة العربيّة حيث ينظر هذا النوع من الإسلام إلى الأنظمة العربيّة على أنّها هي التي جلبت الغرب (العدو). وسبب مشاركتهم للحراك يعود إلى أنهم يريدون تعزيز الإسلام... والنوع الثاني:الذين عادوا من العراق وانخرطوا في إحداث التنظيمات ولعلّهم تصادموا مع السلطة في فترات متقطعة عدّة، ومن يدري ربما كان سبب انخراطهم في الحراك هو أنّهم يرون أنّ النظام خانهم بعد توقيع الاتفاقات الأمنيّة مع السلطة العراقيّة.
الإسلام الإعلاميّ، وهو الإسلام الذي يؤثّر في حماسة الإسلاميّين من خلال المنابر الإعلاميّة التلفزيونيّة، كقناة «وصال»، و»صفا»، ورأينا كيف أنّ الخطاب الداعي «عرعور» له صدىً في عدد من المناطق مثل، ريف إدلب ومعرة النعمان وبعض الأماكن من ريف دمشق، ولعلّ هذا النوع من الإسلام أساء أحياناً إلى الحراك، حيث استخدم مفرادات نابية، وكذلك تحدثّ أفراده بروح من الطائفيّة. هذا النوع وإن كان له تأثير على صعيد التعبئة الشعبيّة إلا أنّه كان مثار المخاوف لدى النخبة المعارضة منها ونخبة الحراك أيضاً.
الإسلام الكردي، يمكن القول إنّه لا يوجد حيّزٌ إسلاميّ سياسيّ كرديّ، ولكن بعد مقتل الشيخ معشوق الخزنوي في أواسط هذا العقد تشكّلت نواة هذا النوع من الإسلام من خلال التواصل مع أبناء المغفور له المعشوق الخزنوي. والآن يتواجد أبناء المعشوق الخزنوي في كلّ محافل المعارضة في المهجر. لا يرى ابن الخزنوي علمانيّة الدولة مشكلة للإسلام وكثير من المرات تفوح منه ريح النيوالليبرالية ويؤمن بكل بنود حقوق الإنسان.
شارك ابن معشوق الخزنوي في أكثر من مؤتمر من بينهم المؤتمر الذي عقد في تركيا وكان مدافعاً شرساً عن حقوق الكرد في سورية. والإسلام الكردي على غرار غيرهم من الكرد يرون أنّ بقاء اسم سورية «الجمهورية العربيّة السوريّة» يعني بقاء آثار النظام ويسعون إلى أن يكون اسم الدولة في المستقبل «الجمهوريّة السوريّة».ويشارك هذا الحراك ببيانات وإصدار المواقف التضامنيّة.
قصارى القول إنّه لا يمكن تجريد الحراك من الحيّز الإسلامي، ولعل ما دون التنظيمات الإسلاميّة هو إسلام يساعد الحراك على الديمومة والاستمراريّة، ووجودهم جزء من شروط نجاح الحراك. بيد أن الإسلام السياسيّ المتمثّل في التنظيمات المعروفة منها وغير معروفة لم يستطع (حتى الآن) إنجاز مشروع إسلاميّ متطور ومتنور يُطمئن بقيّة قلوب المكونات الإيديولوجية والدينيّة والعرقيّة، وقد يكون من المثير للاندهاش ألا نرى مؤتمراً يضم الإسلاميين جميعاً كلهم على أن يخرجوا نهاية المطاف بوثيقةٍ شفافةٍ تحدّد أفقهم وسير تواجدهم، ولعل بقاء حالهم في هذا الشكل يزيد من شكوك من حولهم وقد يصيرون يوماً مّا عبئاً عندما تُعاد صياغة الدولة ونظامها من جديد. والسؤال، هل بوسع الإسلاميين السوريين إنجاز صيغة إسلاميّة منسجمة مع الواقع السوري التعددي؟ هنا مربط الفرس
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 3415 - الخميس 12 يناير 2012م الموافق 18 صفر 1433هـ