نعم... ليس مكان الأطباء والمستشارين الدوام صباحاً في مجمع المحاكم بوزارة العدل والشئون الإسلامية... وإنما مكانهم في مراكز ومستشفيات وزارة الصحة حيث يعالجون المرضى والمصابين.

لم يكن طبيعياً أن تُقاد مجموعةٌ من خيرة الكوادر الطبية للمحاكم على تهمٍ شكّك فيها تقرير بسيوني، «رئيس لجنة تقصي الحقائق»... وكلما طالت هذه القضية كلما أضافت إساءةً جديدةً لسمعة البحرين في المجالين السياسي والحقوقي.

في كل دول الربيع العربي التي شهدت أحداثاً دامية، لم يحدث أن حُوكم كوادرها الطبية بسبب معالجة الجرحى، فمن صميم مسئولية الأطباء في كل مكان معالجة المصابين وإنقاذ الأرواح، حتى في زمن الحرب. من هنا حظِيَ الطاقم الطبي على تعاطف دولي كبير، على مختلف المستويات الحقوقية والسياسية، ولم يتبنَّ الرواية الرسمية أحدٌ في الخارج.

في السنوات الأربع الأخيرة، تميزت وزارة الصحة بتدهور مستوى الخدمات الصحية، وبرزت مشكلة نقص الأسِرّة في السلمانية، وأصبح قسم الطوارئ محل شكوى يومية مريرة، إلا أن أبرز علامات تلك الفترة زيادة عدد ضحايا مرض السكلر من 24 إلى 36 سنوياً. ومن الناحية النقابية طفت على السطح خلافاتٍ شديدةً مع «جمعية الأطباء» و«جمعية التمريض» غطتها الصحافة بإسهاب.

الصحة من أكثر الوزارات ارتباطاً بالمواطن من مولده حتى وفاته، وكانت بعض القضايا (كالفشل في حل قضية السكلر) كفيلةً بالدفع نحو التغيير.

عندما نتكلّم عن السلمانية فإننا نتكلم عن المجمع الطبي الأكبر والوحيد في البحرين، الذي يقدّم الخدمات الصحية وتُجرى فيه العمليات، ويضم عشرات الأجنحة، وتعمل فيه أكثر الخبرات الطبية الوطنية تأهيلاً وخبرةً وتخصّصاً. وقد اهتمت الفضائيات ووسائل الإعلام الأجنبية بتغطية محاكمة الأطباء، فليس معتاداً تقديم طواقم طبية للمحاكمة، وخصوصاً أنها تمثل تشكيلةً من مستشارين وأطباء وطبيبات وممرضات. وبعض هؤلاء اختصاصيون في مجالات مختلفة، فطه الدرازي استشاري جراحة مخ وأعصاب، وعلي العكري استشاري عظام أطفال على سبيل المثال.

وإذا كان هذا بعض ما يرشح على الإعلام، فإن هناك أعداداً أكبر من العاملين بالمجال الطبي، تعرضت للملاحقة والأذى والفصل والتوقيف، من أطباء ومسعفين وموظفين وعاملين إداريين. ولا ننسى ما تعرّضت له استشارية العناية المركزة نهاد الشيراوي من محنةٍ وضغوطات، لمجرد ظهورها في صورةٍ أبرزت للعالم أجمع إنسانية البحريني الأصيل.

وسائل التواصل الاجتماعي أطلقت حملاتٍ لمساندة السيدة الشيراوي بسبب طريقة التعامل غير الإنساني، حيث لقيت تعاطفاً كبيراً في الداخل والخارج. كما تابع الإعلام خبر تعرّض اختصاصي العيون سعيد السماهيجي إلى نزيف في المخ، أثناء سجنه لقيامه بواجبه في علاج أحد المصابين بطلقات الشوزن. ولعدم وجود اختصاصي في الداخل اضطرت الدولة إلى ابتعاثه إلى الأردن للعلاج. وكم كان محزناً أن يشاهد الناس هذا الطبيب الذي عالج عيون مئات المواطنين، وأنا أحدهم، يعود على كرسي متحرك، ثم يقاد للمحاكمة كأحد المجرمين.

لقد أساءت البحرين إلى نفسها كثيراً، بخطواتٍ مثل محاكمة الأطباء... لقد اتضحت الصورة وزال الضباب بصدور تقرير بسيوني. لقد ظهرت الحقيقة لذي عينين... فهل يُطوى هذا الفصل الحزين من تاريخ البحرين وتنتهي محاكمة الأطباء ويعودوا إلى مراكزهم ومرضاهم ومشارطهم... ويُعاد إليهم الاعتبار من أجل البحرين؟