«ديمقراطيتنا جريئة وثرية، ودول المنطقة تراقبنا وتنظر إلينا كحقل تجارب لتأخذ الجيد من تجربتنا»!
بالطبع لست قائلة هذه العبارة، إنما نائبة سابقة في مجلس الأمة، ويبدو أن لها كل الحق فيما ذكرت، لمَ لا وهناك من يرغب ويسعى لوأد تجربتهم أو إضعافها وتقويضها. لكن كيف يبدو المشهد الانتخابي؟ وما الظروف الإقليمية المحيطة به؟
بالنسبة للمشهد، لا يختلف اثنان على كون ديمقراطية الكويت تجتاز مفصلاً تاريخياً، فنجاحها أو فشلها لا يعني الكويت وحدها إنما سينتقل إلى مواقع خليجية أخرى وسيفرض واقعاً جديداً تماماً كما أفادت كاتبة كويتية محذرة من تدخل دول وأموال على خط صراع القوى السياسية وما تتعرض له من تأثير لصراعات بين الأسرة والحكم من جهة، ومن جهة أخرى لتحالفات وصراعات إقليمية. فالخوف كل الخوف من تمدد تجربة الكويت والبحرين أيضاً، وانتقال عدواهما للجوار. لذا فإن الانتخابات الآتية لن تكون شرسة وحادة بل ومفصلية برأيها، ولاسيما أن بعض أطراف الصراع الداخلي استقوت وأصبحت أكثر سلطةً وحضوراً بسبب الامتداد والإمداد الخارجي لبعضها. وفي هذا الشأن تتفق معها نائبة سابقة، وتشير أثناء إطلاق حملتها الانتخابية إلى من لهم مصالح خاصة تخدم أجندات مشبوهة، وان الواجب يحتم السعي للاستقرار بعد الإخفاقات وترهّل الأداء السياسي والإداري.
ما يسجل للديمقراطية الكويتية أن الدولة لم تكابر في إقرار وجود أزمات سياسية تفاقمت في شدة خطورتها على المجتمع، فجاءت معالجته السلمية معبرة عن نضج مسئول في علاقة الحاكم بالمحكوم واستيعاب طبيعة المرحلة ومخاطرها. وهذا ما تكشفه مضامين نص المرسوم الأميري الذي قضى بحل مجلس الأمة مؤخراً وإعادة الكرة إلى ملعب الناخبين وتفويضهم برسم ملامح العمل السياسي، وتحديد هويته وبرنامجه ونهجه استناداً إلى كون السلطة التشريعية المنتخبة انتخاباً كاملاً شريكاً حقيقياً في حكم البلاد – أي عدم تجاهلها أو تقويض صلاحياتها أو الالتفاف على مطالباتها - كما تفعل أنظمة أخرى. فجاء النص ينشد الحل لا التدمير: «إزاء ما آلت إليه الأمور، وأدت إلى تعثر مسيرة الانجاز وتهديد المصالح العليا للبلاد، ما يستوجب العودة إلى الأمة لاختيار ممثليها لتجاوز العقبات القائمة وتحقيق المصالحة الوطنية». كما أعلن النية بتجنيس (34 ألفاً) من البدون من أصل (105 آلاف) مع بدء الانتخابات على أن تتم تسوية ملفهم في غضون خمس سنوات قادمة.
معلوم أن الانتخابات تحل بعد اضطراب سياسي شديد، تصدرته خلافات على شرعية «الحكومة» ومساءلة أدائها، فضلاً عن تدفق المال السياسي وتشابكه مع قضايا الفساد المعروفة بـ «الإيداعات المليونية»، إلى جانب قضايا عديدة مزمنة ضغطت باتجاه المطالبة باستقالة الحكومة التي استجاب لها الأمير بفطنة وحنكة، فعيّن رئيس مجلس وزراء جديداً وحل البرلمان داعياً لإجراء الانتخابات في 2 فبراير/ شباط. وبدوره تجاوب الشعب بترشح 389 ناخباً وناخبة، بينهم 360 رجلاً، و29 امرأة، من 400 ألف ناخب وناخبة من أصل 1.3 مليون نسمة.
تشير التقارير إلى تواري أعضاء سابقين عن الترشح هذه المرة، وبصراحة هذا أفضل لهم وللكويت، ولاسيما أنه أخفق بعضهم في التعامل مع متطلبات الإصلاح السياسي بل وابتعادهم عن أداء أدوارهم مقارنة بما طرحوه في برامجهم الانتخابية. بيد أن ذلك لم يمنع البعض من نقد النظام الانتخابي وتأكيد الحاجة إلى إصلاحه، كونه كما الأنظمة الخليجية الأخرى يعوق وصول الكفاءات للمجالس بسبب اعتماد آليات العلاقات الشخصية والقرابية والتمصلح والفزعات القبلية والطائفية.
في المشهد الانتخابي برز مبكراً دور «المفوضية العليا» المنبثقة عن جمعية الشفافية التي كلفت بمهمة مراقبة ومتابعة الانتخابات، كما نسقت مع الداخلية لإنشاء 5 مراكز لها في الدوائر الانتخابية الخمس، بهدف ضبط الجرائم الانتخابية التي كثر السجال حولها، ومنها ما يتعلق بالانتخابات الفرعية التي جرمها قانون 1989 الذي لا يُلتزم به. هنا تفيد محامية كويتية بأن «لا أعضاء المجلس ولا الحكومة احترموا القانون، فيجرون الانتخابات جهاراً نهاراً ووزارة الداخلية غير جادة باتخاذ الإجراءات القانونية ضد مرتكبي الجريمة فتحيلهم بأدلة منقوصة حتى لا يُدانوا. والغريب هو توزير بعضهم، وهذا فساد إداري يعبر عن مصالح متبادلة وضعف في أداء الحكومة، وتكمن خطورته في بث الفرقة والتناحر والتشاحن والتقويض لقيم المواطنة، إضافة لظاهرة شراء الأصوات التي أقرت المفوضية بوجودها ودعت للتبليغ عنها ونصب كمائن لسماسرتها وتخصيص جوائز نقدية لمن يبلغ عنها».
عند العودة للإجابة عن الظروف المحيطة بالانتخابات، هناك مؤثرات عديدة على قمتها ثورات الربيع العربي وسقوط أنظمة وتأرجح أخرى. كما لا يمكن إغفال تأثير التهديد الإيراني مؤخراً بغلق «مضيق هرمز» وتصاعد الخوف من اندلاع نزاع غربي إيراني تجد الكويت كما دول الخليج أنه سيدخلها الحرب مع إيران إذا ما ضربت الأخيرة أهدافاً على أراضيها رداً على أي ضربة أميركية - إسرائيلية محتملة. فالكويت وأفغانستان وتركيا وقطر والبحرين والإمارات والعراق بها مقرات للقوات الأميركية، وهو ما يجعلها في وضعٍ خطرٍ للغاية، وهذا ما يفصح عنه محلل كويتي قائلاً: «هناك ساعة تدق ونحن لا نستطيع في الخليج التحكم بها»، ففي احتمالية توجيه ضربة أميركية أو إسرائيلية لإيران، «الضرر الأكبر سيكون على دول الخليج لأنها في مرمى الصواريخ الإيرانية».
وعليه عززت الكويت من صفقاتها الدفاعية بشراء 209 صواريخ من طراز جيم-تي بقيمة 900 مليون دولار، ومثلها فعلت دول المنطقة، ولا يمكن تجاهل السجال على «منطقة الدرة» على الحدود البحرية الإيرانية - الكويتية - السعودية، وتقدم الكويت بمذكرة احتجاج لإيران تشير فيها إلى الحق السيادي في المنطقة خصوصاً واحتياطي الغاز في حقل منطقة الدرة يقدر بنحو تريليون قدم مكعب و310 ملايين برميل نفط.
من هنا، لا غرابة في إشارة سفير الكويت إلى أهمية الانتخابات لأنها ستجرى وسط أحداث محلية وإقليمية حساسة، أو تشديده على ضرورة اختيار الكفاءات وتقديم الناخبين لرؤى وخطط عملية تحقق التنمية والاستقرار والتقدم. والجميع كما تبين يحمل الشباب وزر المرحلة ويراهن عليه لمواجهة التحديات الجسيمة، فما الذي سيفعلونه أثناء خوض الانتخابات؟ ومن سيصل عبر صناديقهم؟ هذا ما ستكشفه الأسابيع القادمة. وإلى ذلك الحين نحتاج لرصد التجربة الجريئة، الثرية، نتعلم منها، بيد اننا نضع الأيدي على القلوب، داعين لفشل مشاريع وأد التجربة أو إضعافها وتقويضها
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 3413 - الثلثاء 10 يناير 2012م الموافق 16 صفر 1433هـ
ام سلمان
يا ريت تنتقل عدوي الديمقراطيه من الكويت الي البحرين لعل وعسي تنحل مشكلتنا