لقد عرفت معنى كلمة أولي الألباب منذ أن كنت طالباً بالمرحلة الابتدائية، حيث كانت ترد في عدد من الآيات القرآنية التي كنا نحفظها آنذاك، وتعني أصحاب العقول الراجحة أو من يملكون الحكمة والرأي السديد، ونحن لا يخامرنا أدنى شك من أن أولي الألباب في البحرين الذين يملكون بنواصي الأمور في كل فريق سياسي يرى الطريق واضحاً وجلياً للوصول إلى حلٍّ منتج يُخرج البلاد من عنق الزجاجة ويجنبها الويلات والمحن.

ولكن يبدو لي بل وأعتقد جازماً بأن الفرقاء السياسيين في البحرين يتعاملون مع بعضهم البعض على قاعدة عض الأصابع، حيث إن كل فريق يواصل سياساته في التصعيد تارة والتهدئة تارة أخرى ويتربص بالآخر لكي يصرخ أولاً ويرفع الراية البيضاء ومن ثم يعلن هذا الفريق أو ذاك انتصاره لكي تصفق له البلاد والعباد! ولكن إلى متى نختطف قرار البحرين وأهلها ونزجّ بهم إلى المجهول؟! ألم يكن القادة العرب الذين أطاحت بهم شعوبهم في الربيع العربي محاطين بأولي الألباب؟ أي البطانة الصالحة الناصحة كما يرددها الخطباء في المساجد!

وهنا نستحضر تساؤلاً محورياً إذا كان أولو الألباب من كل فريق يعرفون الطريق إلى حل الأزمة في البحرين والتي عصفت بالبلاد ما يقارب السنة، إذن لماذا لا يتحركون إلى الحل؟! إن الطريق إلى إيجاد حلٍّ منتجٍ لعلاج الأزمة في البحرين ليس سهلاً أو معبَّداً بالورود ولكنه ليس مستحيلاً، إذا ما أولاً زرعنا الثقة بين مكونات الشعب البحريني، وثانياً إذا صدقت النوايا بين الفرقاء السياسيين وأقصد هنا النظام والجمعيات السياسية المتموضعة من أقصى اليمين لأقصى اليسار، وأوقفوا سياسة عض الأصابع، وثالثاً إذا أجرينا حواراً حقيقياً وفعالاً يتعرض لأسباب وجوهر الوضع السياسي والمعيشي المتأزم، أي ليس كما حصل خلال حوار التوافق الوطني في شهر يوليو/ تموز 2011، ورابعاً الواقعية السياسية التي يجب أن يتمتع بها الفرقاء السياسيين في طرح مطالبهم عند فتح أي حوار جدي.

إن تفعيل الخطوات الأربع التي ذكرناها من قبل أولي الألباب سيجنب البحرين وشعبها الانزلاق إلى ما لا يحمد عقباه، فالمواجهات بين الأهالي والتعدي على دور العبادة والمآتم والممتلكات الخاصة كالبيوت والسيارات كلها مؤشرات تدق ناقوس الخطر وتدعو إلى التشاؤم، المطلوب من أولي الألباب تقديم المبادرات والأفعال لا الأقوال من أجل نشر ثقافة التسامح والأخوة ونبذ الكراهية والتحقير والتخوين. المطلوب منهم تشكيل التجمعات واللجان الأهلية في المدن والقرى والفرجان من أجل عدم ترك الملعب خالياً للمتطرفين ودعاة الفتنة والتخريب. المطلوب منهم المطالبة بإيقاف ترويع المواطنين وقطع الطرقات وخاصة في الأماكن التي يتواجد بها انصهار ديموغرافي كالمحرق، فممارسة حق التعبير عن الرأي من خلال التجمعات والمسيرات يجب أن لا يهدد السلم الأهلي واللحمة الوطنية، فحق التعبير مكفول وفق الدستور والقانون ولكن دون تهديد للتعايش السلمي بين أبناء الوطن.

والمطلوب منهم أيضاً وأقصد هنا أولي الألباب فوق كل هذا وذاك المطالبة بل الضغط على من يملك بناصية القرار السياسي في كل فريق أن يقدم ما يشفع له أمام الله ووطنه وشعبه وتساؤلنا هنا متى يتعظ ويتحرك أولو الألباب قبل فوات الآن؟! فمن يرفع الشراع؟