للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر قول بأن «الكلمات هي مسدَّسات مشحونة» بانتظار انطلاقها. وللاقتصادي البريطاني الشهير جون كينز وصف ساخر للكلمات بأنها «الهجوم الكاسح للأفكار على من لا يفكرون». ذلك أن الكلمات، وخصوصاً في عالمي الإعلام والسياسة، لديها قدرة هائلة على التجييش والخداع والتَّزوير وعلى بناء الأقنعة التي تخفي أقبح وأفسق الأفكار والنَّوايا والأهداف الشريرة.
من هذه الكلمات الشريرة الخطرة كلمات تعبير «الصراع السُّني الشيعي» في الحياة السياسية العربية في أيامنا التي نعيشها. فهذا التعبير يراد له أن يكون القناع المذهبي الطائفي المخادع الذي يخفي وراءه واقعاً سياسياً بحتاً لا يمتُّ بأية صلة لهذين المذهبين كمدرستين فقهيَّتين لفهم وممارسة الدين الإسلامي ويخفي أهدافاً سياسية مبطنة.
دعنا أولاً نستذكر حقيقة تاريخية يخفيها أو يشوهها من يلعبون هذه اللعبة الشيطانية. فانقسام المسلمين بعد موت الرسول (ص ) من لحظته الأولى كان سياسياً، ذلك أن الخلاف بين الإمام علي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق كان على من يحكم الدولة الإسلامية الوليدة بعد موت الرسول، أي كان سياسياً وليس بديني على الإطلاق.
والتشيُّع السياسي الولائي الذي التفَّ حول الإمام علي إبَّان الفتنة الكبرى الشهيرة طرح شعارات العدالة والمساواة واحترام إرادة الأمة وشرعية الخلافة الثورية العفيفة الممثلة في شخص الإمام علي، وجميعها شعارات سياسية تطرح قضايا رفض الاستئثار القبلي والظلم والفساد، ومرة أخرى ليست لها صلة بأية خلافات مذهبية.
اما الاختلافات الفكرية الفقهية فيما بين المذهبين أو المدرستين، من مثل قضية الإمامة الإلهية وبعض الخلافات التطبيقية العملية للدين، فإنها لم ترسخ في الواقع وتصبح لها جماهيرها إلا بعد قرن من الزمن. وعند ذاك في الأساس أدخلت الأمة في جحيم استعمال المذاهب الفقهية المضر والانتهازي أحياناً في صراعات الحكم والسياسة ومطامع الدُّنيا.
على ضوء ذلك دعنا نعود إلى واقعنا العربي والإسلامي الذي نعيشه حالياً لنطرح أسئلة لن تكون إجاباتها في الكثير من الحالات خارج تلك الصورة التاريخية التي ذكرناها والتي كتب عنها الكثير من المؤرِّخين .
مثلاً، هل ان ما يعرف بالصِّراع الإقليمي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين بعض الدول العربية هو صراع بين المذهبين الشيعي والسني، كما تردِّده يومياً بعض أبواق الإعلام الغربي والعربي والإيراني، أم انه خلاف سياسي بحت بشأن نظرتين استراتيجيتين مختلفتين بشأن مواضيع من مثل الموقف من المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني أو التواجد السياسي والعسكري الأميركي في منطقة الخليج أو ملكية الجزر الإماراتية الثلاث أو رسم الحدود الجغرافية أو النفوذ السياسي في العراق أو دعم هذا النظام السياسي أو ذلك أو... أو مما لا حصر له من الخلافات الاقتصادية والتسليحية والعلاقات الدولية؟ فمن إذاً يريد استعمال الخلافات الفقهية بين المذاهب السنية والمذهب الشيعي، التاريخية منها والحالية، ليزجَ بها في أتون المصالح الاقتصادية والتوازنات الأمنية التي بالكاد تهمَّ جموع المواطنين في كل هذه البلدان، ولكنها تهمُّ مجموعات الحكم والامتيازات الاقتصادية والاجتماعية التي تستحوذ على السياسة في كل هذه البلدان؟ ولذلك، ومن أجل ذلك، تؤجَّر أبواق بعض رجال الفقه الموتورين المهلوسين من كلا الجانبين ليعيدوا إلى حاضرنا كلمات عفى عليها الزمن من مثل لعن الرَّوافض أو لعن عمر بن الخطاب من على المنابر أو زج تاريخ الصراعات بين الصفويين والعثمانيين التي كانت في الأصل سياسية ومصلحية وعسكرية بحتة؟
أمثال أخرى: هل أن الخلافات بين رئيس الوزراء العراقي المالكي وطارق الهاشمي أو اياد علاَّوي هي خلافات مذهبية بين نظرة سنية ونظرة شيعية للأمور أم انها خلافات مصالح وعن من يحكم العراق ويستحوذ على ثرواته؟ هل ان الصراع في سورية بين حكم البعث والمعارضة الجماهيرية هي بين مفاهيم المذهب العلوي ومفاهيم المذاهب السنية بشأن طريقة الحكم والعلاقات الإقليمية والدولية والصراع العربي الصهيوني والمقاومة، أم انه صراع سياسي على من يستحوذ على امتيازات الحكم والاقتصاد والوجاهة الاجتماعية؟ هل ان الخلاف بين حزب الله في لبنان وجماعة المستقبل هي على مفهومين مذهبيين لتسيير الحياة اللبنانية أم على مفاهيم سياسة لتنظيم الحياة اللبنانية وتوزيع المصالح والوقوف في وجه العدو الصهيوني؟
الأمثلة كثيرة لا تعدُّ ولا تحصى. والسؤال: لماذا توصف كل تلك الخلافات السياسية والاقتصادية وكل صراعات المصالح تلك بالخلافات والصراعات السنية - الشيعية ويستعمل الدين وتستعمل المذاهب كأسلحة وشعارات وتفسيرات لوصف صراعات غير دينية وليس لها أية صلة برسالة السماء ولا ترضاها الحكمة الإلهية التي عبر عنها قرآن المسلمين وأقوال رسول الإسلام؟
الجواب واضح: إذا تكلمت الآلة الإعلامية الغربية أو كشفت أقليات الامتيازات في أنظمة الحكم العربي عن الأسباب الحقيقية، وهي أسباب مصالح وتكالب على الدنيا بامتياز، فإنها لن تقدر على تجييش الجماهير، التي ينطبق عليها الآن كما انطبق عليها عبر التاريخ الذي ذكرنا سابقاً قول كينز من أن الكلمات هي هجوم الأفكار على الذين لا يفكرون.
ما المطلوب؟ المطلوب هو أن تفكِّر جماهير السنة والشيعة بصدق وعمق لترفض زجَّها في هذه المهزلة وتتركها لعبة يلعبها الانتهازيون المشتراة ذممهم. المطلوب أيضاً أن تمتنع وسائل الإعلام والمفكرون والمحللون السياسيون عن زج كلمتي الشيعة والسنة فيما يقولون ويكتبون عن السياسة وألا يخلطوا بين الدين والسياسة، وهما عالمان مختلفان، فقط لأنه طريق سهل ولا يحتاج لتفكير وتحليل عميقين. مهزلة استعمال الكلمات لإغواء وتحقير الفكر يجب أن تتوقف، ومهزلة الاستعمال الانتهازي النفعي للدين والمذاهب في صراعات السياسة يجب أن تحارب وتدمَّر
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3413 - الثلثاء 10 يناير 2012م الموافق 16 صفر 1433هـ
صحيح و لكن
كلام جميل و لكنه نظري فالصراعات الايدولوجية موجودة بين الافراد و الافراد هم الذين يكونون المجتمعات و ما يتردد ليس فقط من الاعلام و لكنه موجود قبل وجود الاعلام و صحيح أن الكاتب يفسر بأن المصالح هي سبب الاختلاف و لكن في النهاية هناك اختلاف مهما كانت الاسباب و معرفة السبب الحقيقي قد يريح البعض و لكن يبقى المظلوم مظلوم
محاربون بالانابة
هل تعلموا انها حرب بالانابة وطرفاها خاسران والرابح موقدها ومشعلها
الطبع يغلب التطبع
الامثلة كثيرة بلا شك و لكن البديهي أن خلط الفواكه وعصرها ينتج عصير يعجب البعض مذاقه ولكن خلط الاوراق الدينية بالسياسي والتجارية والاثني والمذهبي .. ليس كالفاكه.. فيضل الناس وينشغلوا بهذا الخليط العجيب. .
ما يفي في كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم : دا شيعة واحنا سنة ...
التفسير والتعريف والمفاهيم وقد تطول القائمة، لا تغني عن المعنى..
ان الناس تبحث عن سبب لتختلف لا لتلتقي وكأنما وصف الحكيم لبعض طباع الناس فيمثلها بالبيت :
ان العقارب تلدغ لا لأجل عداوة .. بل انهن لدغًا منىطبعها !!
بوركت يا دكتور القلوب والنفوس
لا حرمنا الله من هذه الأصوات والأقلام البحرينية المنصفة و الشريفة التي لم تفسدها دعوات الطائفية البغيضة التي زرعها للأسف نخبة كان واجبها الجمع لا التفريق، والدعوة للإخاء والتسامح لا للكراهية والإنتقام. جزاك الله عن هذا الوطن والمواطنين خير الجزاء
الله يسعد ايامك
الله يسعد ايامك يادكتورنا العزيز الغالي , ولله انت نمودج للبحريني الشريف المحب .
انت طاقه وكنز للبجرين ولكن لم يعطوك الفرصه لانك شريف
فكر وطني يتعالى على السقطات
أستاذنا الدكتور علي فخرو حييت وبورك قلمك، هو أنت دائما وفي أي موقع تتعالى عن السقطات، قلبك نابض بحب المجتمع لم تخالجك دسائس الجاهلية ولم تلبسك مدلهمات الأحداث بعفنها، فلك الشكر والتقدير إذ يصدح قلمك بكلمة حق في وقت تتوارى الأقلام المنصفة أو تنحاز.
المقالة دعوة صريحة لفصل الدين عن السياسة
المقالة فكرية بأمتياز ، تحتاج الى قراءة متجردة من اجل هضمها بصورة صحيحة ، عنوانها السياسة والمصالح المتسترة بقناع المذهبية والطائفية ، فيها دعوة صريحة او مبطنة لفصل الدين عن السياسة من خلال فقرة الانقسام الأول للمسلمين على اساس من يحكم ، وفقرة الاختلافات الفكرية بشأن الامامة هل هي الاهية ام تحسم بأجماع المسلمين والتي تبلور وترسخ مفهومها في الجماجم بعد قرن من زمن الخلاف السياسي ، نعم واقعنا العربي والبحريني يقول ان اكثرية الاحزاب لا تستمد جماهيريتها من برنامجها المعيشي بل من قناعها الطائفي
الى الزائر رقم 8
أعتقد يا اخي عندما يعتلي العالم المنبر عليه ان يتحدث عن هموم الشعب وعن ظلم و جور الحكام وكيفية الوقوف في وجه الظالم ايا كان فالساكت عن الحق شيطان اخرس ولكن العيب وكل العيب ان يعتلي المنبر من يسب ويشتم الطائفة الأخرى دون حياء من الله او مراعاة حرمة المساجد شتان بين هذا و ذاك
دكتور لفض فوك
قد وضعت يدك على جراحنا جزاك الله عنا خير الجزاء وكثر الله من أمثالك وجعلك منارة للعلم والعلماء وسع الله عليك دنيا وآخره .
بل هو اقحام للمذهبية في الخلافات السياسية
عندما تستغل المذاهب والاديان سلاح للبعض للدفاع عن كرسي او عن منصب فهذا اساءة للدين
يا دكتور كل الثورات العربية كانت ترمي بالتهم هنا وهناك اي ان الثورة دخيلة عليهم وكأنهم حكام ملائكة منزلين من السماء ومن يخرج عليهم هو الشاذ وهو
الذي يجب ان يعاقب لانه خرج عن طاعة الملائكة
شكراً
كلام منطقي جداً. شكراً جزيلاً دكتور والله لا يحرمنا من مقالاتك المهمة.
كيف يا دكتور
ورجال الدين تركو حتي ذكر الله وتعليم الناس شئون دينهم في خطب الجمعة...ليعتلي رجل له ان يخطيء او يصيب فتري خطبته اساسا للشأن السياسي والصراخ والهتافات في بيوت الله بكلمات ثورية سياسية لا لها في عبادة الله من شي
لا ننسى شىء.
الدين تعنى النظام إلاهى و النظام تحتوى على كل ما يتطلبه الأنسان فى الدنيا و الدين تحوى السياسه و كل النقاط الغير مرءى فى السياسه و لكن خلق المذاهب هى احدى الفطن السيا سيه التى خلقه النظم الأستعماريه قبل 2000 سنه ليفرق بين الناس فى افكارهم و يقوم بتشويش السياسى و يستفيد من الوضع لصالحه . نفس النمط استخدم فى اليهوديه و المسيحه و المحمديه ( ص على الأنبياء ) . و فى الواقع .الحرب بين العدل و الظلم .
خلط الصراع السياسي بالخلافات المذهبية
تحليل منصف و دقيق و ملامس للواقع
تحياتي للدكتور كثر الله من أمثالك منكم نستفيد
حرٌ ترجل بالحكمة
هذا الطرح الثري والمنصف في توصيف الواقع يعتبر منارة للذين فقدو طريق الصواب ، فعلا انا اشعر بحاجة فئة من المجتمع المغلوب على امرها الى اعادة تشكيل الوعي ، وان تنظر الى القضايا السياسية بواقعية وموضوعية وان لا تستغل من قبل الجهة الرسمية "برو برو تعو تعو"
يجب ان نفكر جمعيا كيف نحقق العادلة الاجتماعية الى جميع افراد المجتمع من دون النظر الى العرق والمعتقد وو ووو بدلا من فتح ساحات لنشر الكراهية بين افراد المجتمع الواحد
شكرا استاذ علي
كلمات جميلة وموزونة نعم من يستخدم مسميات مثل الشيعة والسنة او اي مسميات اخرى تصف مجموعة وتميزها عن الاخرى في خطاباتها انما لاجل مصلحة شخصية واجندات سياسية وليس لاجل مصلحة او فائدة المواطن .