هل تمعنتم طويلاً في تدبير المولى عز وجل لعزة عباده الصادقين والشرفاء والمخلَصين؟ فقد أراد إخوة سيدنا يوسف (ع) أن يقتلوه فلم يمت! ثم أرادوا أن يُمحى أثره فارتفع شأنه! ثم باعوه ليصبح مملوكاً فأصبح ملكاً! ثم أرادوا أن يمحو محبته من قلب أبيه فازدادت! لذا فلا تقلق من تدابير البشر من حولك حتى ولو كانوا إخوة يوسف الذين شاركتهم في الزاد والتراب، فإرادة الله فوق إرادة الكل مهما بالغوا وتبجحوا وللزيف طريقاً سلكوا وللدعة والذلة ركنوا.
نعم أيها المستقبلون عامكم مع بداية إشراقته الجديدة ونحن في شهره الأول، ألا نحتاج لشحن الأوردة بمزيد من الطاقة لمواصلة مشوار الحياة بتنوعه وإرهاصاته؟ وبعيداً عن النظر إلى الشمعة وهي بغير احتراق والدنيا عتمة من حولنا لنشعل الشمعة، وإن كانت الأخيرة، علها تضيء آملاً يمتد إلى آخر النفق حيث النور يعشي الأعين. وبما أن المشوار الذي نعيشه البتة مازالت أحشاؤه حبلى بجنين لم يولد بعد ليعيش أجمل أيامه مع عسر الولادة بعيداً عن الأطباء لأنهم حتى الآن مع وقف التنفيذ؛ فدعونا نتفاءل أكثر كي نعيش أكثر وننتج أكثر ولكن بوعي وإدراك تام لما هو قادم في أفق الشروق وليس المغيب.
هذا التفاؤل نستمده من نبي الله يوسف ابن يعقوب (عليهما السلام) للمرة الثانية بل والمئة إن أدركنا كُنه الحكمة الإلهية في قصص الكتاب المجيد للمولي العزيز الحميد والناصر الرحيم. فعندما كان يُوسف في السجن كان هو السجين الأحسن بشهادتهم «إنا نراك مِن المُحسنين» (يوسف: 36)، لكن الله أخرجَهم قبله! وبقي هو - على رغم كل مميزاته - في سجن (الفراعنة) لبضعَ سنين. الأول خرج ليُصبح خادماً، والثاني خرج ليُقتل، ويوسف انتظر كثيراً، لكنه خرج... ليصبح «عزيز مصر»! وليلاقي والديه، وليفرح حد الاكتفاء. فإلى كل أحلامنا المؤجلة لتصبح حقيقة ناصعة البياض على ربى شواطئ اللؤلؤ نقول: «تجملي بالصبر أكثر، فإن لكِ فأل يوسف».
إن إخوة يوسف لعبت بهم الغيرة على ما حققه أخوهم ومكانته عند أبيه، إن الغيرة تدفع أصحابها للضرر والإيذاء والفتنة والكيد والقتل حتى لأقرب الناس وهم أخوة يوسف. فاحذروا الغيرة في نفوسكم يا أخوة يوسف حتى لا تزداد أياديكم تلطخاُ بدم يوسف. ويا ليتها تلطخت بدم الذئب، فما بالكم تركتم الذئب يرتع ويرعى في أغنامكم وأغمضتم أعينكم وتركتم أخاكم يصرخ وتراقصتم فرحاً على صرخات استغاثته بكم؟ سلمتم قميص أخيكم للذئب يمزقه وتراقصتم بأنفس نتنة ابتهاجاً بالنصر على جسده الطاهر ورسمتم ظلمكم على دموعه الرقراقة. فتباً لكم وترحاً ولما صنعتم بيوسف ظلماً بعد أن حاصرتموه وفي ممكنه وداره حسدتموه ونزعتم محبته من قلوبكم، إن كانت تحمل تلك المحبة بصدق، ورميتم بثقلكم حوله لإبعاده عن أرضه ومحبة والديه، بل وسولت لكم أنفسكم الأمارة بالسوء رميه بشتى الأباطيل ولم تكتفوا بذلك حتى وصل بكم الأمر في تدبير المؤامرات لقتله غيلة وغدراً. إن الشيطان يدخل بين الأخوة فيوغر صدور بعضهم على بعض مع أنهم أخوة، فانظروا من هو شيطانكم وارموه بالحجارة لمئة عام حتى يموت في نفوسكم فلا يوغرها ضد أخوتكم في البيت الواحد؟ فهل أنتم رامون قبل أن يرميكم الله بالشيطان إلى ما لا تحمد عقباه من ويلات؟
ولتعلموا يا أخوة يوسف أن اصطناع الذنب ثم التوبة بعده تلك توبة فاسدة ورب الكعبة. ففزع أخوة يوسف من الأمر وصرخوا لهذا القول وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً: لماذا لا تُقبل التوبة بعد الذنب المصطنع؟ وكأنهم لا يعلمون أنهم ابتدعوا ذنباً لهم وهم يعلمون أنه ذنب قبل ارتكابه، ولكنها شهوة النفس للسلطة والجاه والمكانة المميزة عند الآخرين. هم يعلمون ببطلان ذنبهم والتوبة عنه لأن أخاهم شريف وطاهر ونقي السريرة والقلب وكان يتمني لهم أفضل الأعمال والمكانة عند أبيهم طوال عمره. يوسف أيها الأخوة، يكن لكم المحبة وأنتم تضمرون له الشر في أنفسكم، هو يراكم بعين الطهر والتراحم وأنتم ترونه بعين الخسة والحسد، فمن ذا الذي علمكم هذا بحق السماء وما بناها والأرض وما طحاها؟ هل لديكم إجابة شافية بريئة مقنعة؟ وهل سيصدقها يوسف؟ أم تكونون كالأشقى الذي كذب وتولى؟ فحاروا للجواب ولم يجدوا من تبرير لفعلتهم إلا المزيد من الكذب والافتراء والدجل مكاناً في أدبياتهم.
من ذا الذي يصدق أن أخوة يوسف باعوا حراً وأكلوا بثمنه! وهم يعلمون أن بيع الحر والأكل بثمنه من الكبائر العظيمة، وإن لم يعلموا فتلك وربي هي الطامة الكبرى. فمن يبيع الأحرار ويقبض ثمن بيعته لهم عيناً أو عقاراً أو جاهاً هو من مرتكبي الكبائر. ومن يفعل ذلك سوى أخوة يوسف ومن يسير على نهجهم بعد أن غرتهم الدنيا بزينتها وبهرجها. على رغم أن أخوة يوسف لهم صلاتهم وعباداتهم، لكنها الدنيا وما أدراك ما الدنيا، أسألوا عنها أهل الدنيا!
ألم نقل بداية كما قال المهيمن الحكيم: «لقد كان في يوسف وإخوتِه آياتٌ للسائلين» (يوسف: 7)؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3412 - الإثنين 09 يناير 2012م الموافق 15 صفر 1433هـ
ابداع
ابدااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااع.
العاقبة للمتقين
انه وعد الكريم الذي لايخلف وعده
غدا لناظره قريب
دكتوري العزيز منذ ان كنت على كرسي الجامعه فإن اكن لك كل احترام ياسيدي وانت تتكلم عن هموم المواطن الشريف في هذا الوقت وقلبك على الوطن والنهايه التي يترقبها الجميع التي تنصف المظلوم وترد الحق الي اصحابه ونشر قميص يوسف على عين اباه يعقوب وان غداً لناظره قريب
الصبر جميل .......
(فإلى كل أحلامنا المؤجلة...... تجملي بالصبر أكثر...فإن لك فأل يوسف) تشبيه في غاية الروعة والجمال وأنا أقول الصبر مفتاح الفرج ........
سلمت يداك على هذا المقال الرائع
مقال اكثر من رائع يبث الامل في القلوب المقروحة حزنا. ااسأل الله ان يتعظ اخوة يوسف ويتفكروا ماذا صنعوا باخوهم الذي لم يتمنى لهم سوى كل خير
مقال في صميم الصميم وكانت العبرة ولم يعتبر منها احد
قال تعالى (إن في قصصهم لعبرة لأولي الالباب) فهل نحن من اولي الالباب؟
هذه السورة نزلت للمسلمين في صدر الاسلام لكي يتعظوا منها ويستفيدوا من قصة النبي يوسف ع واخوته
ولكن للأسف حتى المسلمين الاوائل لم يعيروا اهتمام لهذه القصة (اقرأوا بحثا للدكتور الدمرداش العقالي بهذا الخصوص) وها نحن الآن كذلك في البحرين وضعنا اشبه ما يكون بوضع اخوة يوسف مع بعض الاخوة
الذين يستكثرون علينا حتى الحكم بالبراءة التي في الاساس شهد بها بسيوني ولكنهم لا يقبلون بذلك
سبحان الله من هؤلاء بشر
في الصميم
مقال رائع جدا جدا ..بوركت أناملك السخية و قلبك الطاهر ..في الصميم ..في الحقيقة هذه المرة الأولى التي أقرأ فيها مقالاتك ولقد دهشت بسلاسة التعبير و فصاحة المنطق و قوة الفكرة ..مقالك جميل و أي جمال
ومن التاريخ لنا عبرة
تحية أخوة وصداقة طويلة أفضل ما نقدمه لأجيالنا القادمة العبر التي يقدمها لنا التاريخ وكل فرد يجب عليه أن يقرأ التاريخ من منظور ( ما دامت لغيرك ولن تدوم لك )وأجمل القصص والعبر يقدمها كتاب الله سبحانه وتعالى ،تحياتي لكل قلم حر
ابدعت
ابدعت ووصفت فأبلغت عسي الله ان يعيد إخوتنا بمثوبة أخوة يوسف من جرمهم
مقال ذهبي
من أحب عمل قوم أشرك في عملهم. والله أني احببت هذا المقال وأسأل الله أن يشركني معك في ثواب هذا العمل.
كلام منطقي وسلس أصاب كبد الحقيقة.
أما عن أخوة يوسف ف لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين والجماعة مو سئالين
لقد أعمى شنئان القوم لنا أعينهم وظنوا ان بعض الترقيات وماشاكل تقربهم من البعض لكي يخلو لكم وجه أبيكم
إنهم لا يرون أبعد من تحت أرجلهم فيوسف يريد لهم أن يأخذوا حقوقهم كاملة لا أن يرمى لهم ببعض الفضلات.
قد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي فقد باعوا أخرتهم بدنيا غيرهم
الصالحي
بصراحه المقال جدا روعه والتشبيه بليغ جدا اشكر الكاتب علي هذا الطرح وعساك علي قوه
شكرا دكتور
لك التحية والسلام استاذي القدير كل يوم يمرتزداد ابداع وتألق فالف شكر لك من الاعماق انت تقرأ الحدث كما كنت تدير المحاضرات في الجامعة بكل جدارة انت هو كما عوتنا، اتمنى ان يأتي اليوم الذي يرجع اخوة يوسف الى رشدهم ويتوبوا لله والف مرة شكرا دكتور
يا لطيف
يا لطيف من عبدك الطيف اجرنا منة و من مكر اخوة يوسف
صباح الخير
أستاذي الفاضل كل يوم أقرأ مقال لك أتعلم منه درسا سلمت يداك وأدام الله قلمك حرا نزيها ونحن نعلم كما تعلم أنت والكل بأن النصر آت لامحاله. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
اخوة الوطن
مقال ولا أروع يجسد واقع الوطن وابناء الوطن . شكرا لكم على هذه الحرفيه
وكذا كان يبن السلمان
كما نقلها احد المفرج عنهم والعهده على الراوي ان من يحقق معه يسئله ماذا تريدون اكثر مما اعطيتم في جميع المراحل الدراسيه تحتلون المراكز العشر الاوائل في لوحات الشرف لكم نصيب الاسد رواتبكم نصف رواتبنا وتركبون احسن السيارات وتسكنون احسن لبيوت مادفع اخوة يوسف من التنكيل بيوسف وسرد القصص الوهميه لابعاده عن ابيه ليس كرههم ليوسف وانما غيرتهم منه وهو ما حذره ابوه منها بعد ان قص على ابيه حلمه والغيره هدمت بيوت وبهدلت امم وهي احد الامراض النفسيه التي تصيب الانسان فبالله المستعان وبه نعوذ
آه آه
آه آه من اخوة يوسف وما يصنعون.
مقال عظيم شامخ
تحية لك عزيزي محمد السلمان على اتحافك أيانا بغذاء الروح مع ولوج شمس كل صباح فصباحك سعيدا دوما لا أريد الاطراء فيك ولكنى اقول فعلا كتاباتك محترمة بكل المعايير فتحية لقلمك وذهنك الصافي - احتراماتي ابوعلي