بقدر ما تثير ثورات الربيع العربي والتي انطلقت من تونس في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 من آمال لدى المواطن العربي، فإنها في ذات الوقت تثير مخاوف مشروعه يتوجب عدم الاستهانة بها وفي ذات الوقت عدم استخدامها لإحباط الصحوة العربية، أو تبرير الواقع الآسن الذي ثارت عليه الجماهير العربية.
هناك مشهدان يختزلان الآمال الكبيرة والمخاطر الكبيرة «ما بعد الربيع العربي»..
المشهد الأول في تونس حيث أقسم المنصف المرزوقي المناضل الحقوقي المعروف، القسم الدستوري كأول رئيس منتخب انتخاباً حراً من قبل المجلس التأسيسي المنتخب لأول مرة انتخاباً حراً في تونس منذ الاستقلال وفي ظل الربيع العربي الذي انطلق من تونس بالذات في 17 ديسمبر 2010، على يد محمد البوعزيزي في مدينة بوزيد التونسية.
إن لهذا المشهد مدلولاته وقد أثار أمالاً عريضة لدى المواطن العربي وهو أن لا يسقط الحاكم الطاغي فقط، بل أن يتولى الحكم محله، من يعبر عن مصالح الشعب وآماله، وله تاريخ نضالي وله صدقية.
المشهد الثاني في القاهرة حيث، جرى التنكيل بالمتظاهرين في ميدان التحرير، إلى حد سحل إحدى المتظاهرات (غادة كمال) وتعريتها وضربها بقسوة من قبل قوات الجيش والأمن المركزي، ولتنتهي المأساة بإحراق دار الكتب العلمية التي أسسها نابليون أثناء غزو مصر في مطلع القرن الثامن عشر، وبذلك احترق للأبد جزء مهم من ذاكرة مصر وتراث مصر. وهكذا انقلب المجلس العسكري على ثوار التحرير الذين كانوا سبباً في وصوله للسلطة، ونكل بهم بأسوأ ما نكل بهم في عهد مبارك، كما تسبب في كارثة قومية لتراث مصر وحضارتها.
هذان المشهدان يختزلان ما أطلقه الربيع العربي من آمال وما يصاحب هذا الربيع من مخاطر جمة وارتدادات خطيرة، قد تؤدي بأوضاع دول عربية لأسوأ مما كانت. في إحد المنتديات حول الربيع العربي ذكر أحد الحاضرين «إنه بفضل الربيع العربي، فقد انتقل الخوف من المواطن إلى الأنظمة الحاكمة» ذلك صحيح فقد هدم الربيع العربي حاجز الخوف الذي وصل إلى الرهاب من السلطة الحاكمة، وفي الوقت ذاته أدخل الخوف في أوصال الأنظمة العربية. لكن ذلك لم يؤدِّ بهذه الأنظمة إلى المراجعة، بل أدى إلى توحشها وإصابتها بالرهاب (الفوبيا) تجاه الجماهير وحركتها المطالبة بالتغيير، بحيث لم تعد تتورع عن استخدام أخطر الوسائل لإحباط حركة التغيير المشروعة.
وإذا كانت القلة من الدول مثل المغرب قد تعاملت بمسئولية مع حركة التغيير، والأردن حيث مازالت السلطة تتعامل بضبط النفس، إلا أن الغالبية المطلقة لهذه الأنظمة قد لجأت وتلجأ إلى شن حرب لا هوادة فيها ضد شعوبها، من أخطر ذلك تمزيق لحمة الشعب وإثارة التناقضات بين صفوفه.
من المعروف أن تركيبة أي من الشعوب العربية مركبة من حيث الانتماءات القومية أو الدينية أو المذهبية، أو السياسية أو الإثنية، وفي كل بلد هناك خطر الصدام بين مكونات الشعب، حيث فشلت دولة الاستقلال في صهر مكونات المجتمع في هوية المواطنة المتساوية التي تعلو وأن لا تلغي الهويات الفرعية كما هو سائد في الدول الديمقراطية الحديثة.
في مصر مثلاً جرى إثارة الانتماء الإسلامي في مواجهة الانتماء القبطي، وإثارة الانتماء الإسلامي الأصولي في مواجهة الانتماء المدني. وفي سورية جرى إثارة مخاوف الأقليات المذهبية والدينية في مواجهة خطر الغالبية الإسلامية السنية، وفي الخليج جرى التخويف من الشيعة واتهامهم بالارتباط بقوى خارجية وفي مقدمتها إيران، وفي اليمن يجري تخويف القبائل من بعضها بعضاً، والمذاهب تجاه بعضها بعضاً. ونستطيع أن نسوق أمثلة كثيرة على ذلك.
عدد غير قليل من الأنظمة لم يعد يكترث بمصير الوطن أو الشعب، ووحدته هي حجر الزاوية في بقاء الوطن، لأن خطر التقسيم وارد كما في حالة السودان.
أما الخطر الثاني فيكمن في استخدام القوة في مواجهة حركات أو انتفاضات أو ثورات سمِّها ما شئت، سلمية في طابعها وممارستها وسلوكها والتزاماتها. وباستثناء ليبيا، والتي دفعت فيها المعارضة دفعاً إلى اللجوء للسلاح خوفاً من الإبادة، فإن كل الثورات العربية لم تلجأ إلى العنف أو السلاح، حتى في اليمن والتي هي غابة سلاح، لم يلجأ المعتصمون والمحتجون إلى السلاح في مواجهة أعمال القتل، بل تطوعت قوات منشقة من الجيش وعناصر قبلية لحماية مواقع الاحتجاجات.
إن سجل الأنظمة العربية في قمع شعوبها وانتهاك حقوق الإنسان معروف وبديهي، لكن انتفاضات الربيع العربي، كشفت عن الطبيعة الوحشية لهذه الأنظمة، حيث كانت تعكف على تربية واختبار الوحش الذي أطلقته في مواجهة مواطنيها المحتجين المسالمين.
نحتاج إلى مجلدات لتوثيق أعمال القتل والذي وصل إلى مرحلة المذابح الجماعية كما في ليبيا واليمن وسورية، وعلى نطاق أقل كما في مصر، والتي صنفتها المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة بأنها جرائم ضد الإنسانية، وإذا كان التنكيل يقتصر سابقاً على الرجال، فقد طال هذه المرة النساء والأطفال والشيوخ والعجزة. القتل في الشارع والقتل تحت وطأة التعذيب أضحى سائداً وروتينياً.
العقاب الجماعي بحق المحتجين والأحياء والقرى والطوائف والأقليات> ووصل الأمر إلى قصف الأحياء السكنية بالمدفعية كما في سورية واليمن.
الاعتقالات الواسعة لمن يشاركون أو يعتقد بمشاركتهم في الاحتجاجات والطرد من العمل، والتجويع، والطرد من المدارس والجامعات في البحرين، كلها ابتكارات عربية.
تتوافر لدى الأنظمة أعتى قوات المخابرات والأمن، لكن ذلك لا يبدو أنه كافٍ، فتم الزج بالقوات المسلحة والتي يفترض أن تكون جامعة للسيادة الوطنية والوحدة الترابية، في مواجهة شعوبها وقتل أبناء الوطن، وورطت المحاكم العسكرية في محاكمة وإدانة مواطنين يطالبون بحقوقهم المشروعة. إننا نرى نذر هذه السياسات في الاستقطابات الحادة والانشطارات العمودية ليس في البلد الواحد بل على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي.
التوتر بين المسلمين والمسيحيين، والتوتر بين السنة والشيعة، والتوتر بين العرب والأقليات مثل الأكراد والأمازيغ، والتوتر بين الموالاة والمعارضة ينذر بمخاطر عظيمة. فضلاً عن أن الفظاعات المرتكبة من قبل الأنظمة ومواليها ستؤدي إلى عمليات انتقام متى ما أطيح بنظام ما، كما نرى شواهدها في ليبيا.
هناك خطر آخر يتمثل في أن تتحول الغالبية الحاكمة التي تفرزها عملية التغيير كما في مصر مثلاً إلى غالبية مستبدة تفرض إرادتها ليس فقط في السياسات بل في إحداث تغييرات دستورية وتشريعية ومؤسساتية يصعب تغييرها مستقبلاً في حين أن هذه يجب أن تكون نتاج توافق وطني. كما يكمن الخطر في فرض مفاهيمها وقيمها على المجتمع فيضاف إلى إكراه الدولة إكراه المجتمع
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3411 - الأحد 08 يناير 2012م الموافق 14 صفر 1433هـ
عساك علقوه يااصيل
دكتور ثورات الربيع العربي ستبقى امتداد للعز والشرف ونكران العبوديه في بلاط السلاطين الذين بداوء بلتلاشي في اقطارنا العربيه كما تلاشي البحر وعين البلابل وسوحل الديه الساحره التى احتظنت طفولتك وشبابك الحافلين بلنضال الانساني البحت طلبا لكرامه الناس وكل الناس رحم الله رفاق دربك الاحرار وحفظك الله امتداد للاصل الطيب شجره طيبه اصلها في الارض وفرعها في السماء حزمه من المناضلين الاحرار ارث اثمن من كنوز الارض قاطبه فبيض الله وجه من انجبهم وزرع في جيناتهم بذور الاباء منجب
المناضلين الحاج منصور العكري