أصدرت الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً التقرير الاقتصادي الفصلي بشأن أداء اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على جميع الأصعدة؛ إذ يتوقع التقرير استمرار الأداء الإيجابي لهذه الاقتصادات العام 2012، مع بقاء أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، وكذلك تعافي النشاط غير النفطي، لكن التحديات العالمية آخذة في التزايد أيضاً، ولاسيما في منطقة اليورو.
ووفقاً للتقرير، فقد أشارت توقعات صندوق النقد الدولي إلى نمو الإنفاق العام الخليجي بنسبة 32 في المئة العام 2011؛ ما سيؤدي إلى تنشيط الأوضاع الاقتصادية في دول المجلس كافة. وبيَّن التقرير أن بيانات الموازنات لدول مجلس التعاون الخليجي تشير إلى القدرة الكبيرة التي تتمتع بها هذه الدول على تدارك تبعات الأزمة المالية العالمية، وإمكانية العودة إلى معدَّلات النمو الجيدة نسبياً مرة أخرى. وتظهر بيانات الموازنات تحقيقها فائضاً بنسبة 9.7 في المئة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي العام 2011.
كما بيَّن التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي قد وضعت موازناتها السنوية للعام 2011 بناءً على تقديرات حدّدت بموجبها سعر برميل النفط عند 70 - 80 دولاراً تقريباً، في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى أن متوسط سعر برميل النفط للعام الجاري سيبلغ 90 دولاراً للبرميل، وبذلك ستحقق موازنات دول المجلس فائضاً للعام الجاري يقدر بنحو 163 مليار دولار، مع الأخذ بالاعتبار أن هناك إمكانات لزيادة الإنفاق في حال استقرار أسعار النفط.
ارتفاع الإيرادات بنسبة 25%
ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي حجم الإنفاق الخليجي في العام 2011 بنسبة 32 في المئة ليصل إلى 389 مليار دولار، مقابل 294 مليار دولار في العام 2010. أما الإيرادات فسترتفع بنسبة 25 في المئة لتصل إلى 548 مليار دولار في العام 2011. ويتيح إقرار موازنات قياسية بهذه الأحجام المرتفعة إمكانات كبيرة أمام تنفيذ الكثير من المشاريع، وتنشيط الأوضاع المالية والاقتصادية في دول مجلس التعاون؛ إذ يتوقع تنفيذ مشاريع بقيمة 30 مليار دولار في العام 2011، وخصوصاً في مجال البنية الأساسية في هذه البلدان كافة.
وتوضح بيانات التقرير أن موازين الحسابات الجارية لدول الخليج التي حققت فوائض ضخمة عدة سنوات وبلغت 256.6 مليار دولار العام 2008، انخفضت إلى 74.9 مليار دولار العام 2009، لكنها ارتفعت إلى 163 مليار دولار العام 2010، وستواصل نموها إلى 279 مليار دولار العام 2011 بسبب زيادة أسعار النفط وكذلك الكميات المنتجة.
التوسُّع في الإنفاق
لقد شكلت سياسة التوسع في الإنفاق الحكومي الأداة الرئيسة للنهوض بأعباء تطوير البنية التحتية والمشاريع الخدمية في مجال الصحة والتعليم والإسكان؛ علاوة على توفير وظائف لشريحة المواطنين الشباب الآخذة في التزايد بشكل سريع. كما أسهمت خلال العام الجاري في التخفيف من الآثار الضارَّة لتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصادات الخليجية.
أما على صعيد التطورات الاقتصادية فقد توقع تقرير صندوق النقد الدولي أن يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي الخليجي 1.36 تريليون دولار العام 2011، بزيادة نسبتها 24 في المئة، بالمقارنة مع العام 2010، وبنسبة نمو حقيقي قدرها 7.2 في المئة العام 2011. ويبلغ حجم الناتج المحلي للكويت 171 مليار دولار والسعودية 560 مليار دولار والإمارات 358 مليار دولار وسلطنة عُمان 67 مليار دولار وقطر 173 مليار دولار والبحرين 26 مليار دولار العام 2011. وبينت توقعات التقرير أن السعودية ستحقق نمواًقدره 6.5 في المئة والإمارات 3.3 في المئة والكويت 5.7 في المئة وقطر 18.7 في المئة وعُمان 4.4 في المئة والبحرين 1.5 في المئة العام 2011.
الدور الحيوي للنفط والغاز
أما النفط والغاز فقد أوضح التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي تلعب دوراً حيوياً في استقرار أسواق النفط العالمية. وتمتل دول المجلس 40 في المئة من الاحتياطيات النفطية المكتشفة و 23 في المئة من احتياطيات الغاز العالمية. وتسهم دول المجلس في استقرار أسواق النفط كونها تعتبر أكبر مصدِّر للنفط وبنسبة 25 في المئة من إجمالي الصادرات العالمية. وتوقع محللون أن يبلغ متوسط سعر الخام الأميركي الخفيف الذي يعرف أيضاً بخام غرب تكساس الوسيط، 96.30 دولاراً للبرميل في العام المقبل انخفاضاً من 99.40 دولااً في استطلاع الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول 2011). وفي السياق، ذكرت تقارير أن دول مجلس التعاون الخليجي خصصت أكثر من 100 مليار دولار لتطوير مشاريع نفط، خلال الفترة بين 2010 و2015، ما يوازي ثلث المبلغ الذي تتوقع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) إنفاقه لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الخام.
كما بيَّن التقرير بحسب تقرير صدر عن «ميد» أن الإمارات والسعودية تتصدران طليعة دول المنطقة، بحيث تخططان لإنفاق 60 مليار دولار على مشاريع لإنتاج النفط وتكريره خلال السنوات الخمس المقبلة، تليهما الكويت وقطر بإنفاق 14 و13 ملياراً لكل منهما. وقال تقرير «ميد» إن الإمارات تعتزم منح فرص لشركات نفط بهدف تطوير سعتها الإنتاجية النفطية الإجمالية، لتبلغ نحو 3.5 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2015، عبر رفع الكفاءة الإنتاجية للمشاريع البرية والبحرية الجديدة. وتركز السعودية على تطوير مقدرات التنقيب والإنتاج، بحيث تبني مصفاتين باستثمار نحو 10 مليارات دولار، بهدف المحافظة على السعة الإنتاجية للمملكة عند 12 مليون برميل يومياً. أما قطر التي نفذت في العقد الماضي برنامجاً مكثفاً لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال، جعلها أكبر مصدر له في العالم، فأطلقت مشاريع لتسييل الغاز وتنقيته، لبلوغ هدفها المتمثل في إنتاج 77 مليون طن في السنة مع نهاية العام الجاري. وتخطط الكويت إلى تطوير مشاريع قيد الإنجاز في حقول نفط شمال البلاد، باستثمار 14 مليار دولار؛ ما يرفع معدل احتياطي النفط الثقيل ويحسن مستوى السعة الإنتاجية.
163 مليار دولار الفائض في الحساب الجاري
أما القطاع الخارجي فيتوقع تقرير صندوق النقد الدولي ارتفاع صافي الفائض في الحساب الجاري من 163 مليار دولار العام 2010 إلى 279 مليار دولار العام 2011 بفضل زيادة أسعار النفط، وكذلك زيادة الكميات المنتجة. وكنتيجة لذلك، سترتفع الاحتياطيات الرسمية لدول المجلس من 544 مليار دولار بنهاية العام 2010 الى 652 مليار دولار العام 2011.
وعن أداء الأسواق الخليجية قال التقرير، أنهت الأسواق الخليجية تداولات شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2011 على تراجع باستثناء بورصة البحرين والتي كانت البورصة الخليجية الوحيدة التي تمكنت من تسجيل نمو شهري؛ إذ تمكنت بورصة البحرين من عكس اتجاهها التراجعي وأنهى مؤشر بورصة البحرين العام تداولات الشهر على ارتفاع بلغت نسبته 1.35 في المئة، وأغلق عند مستوى 1,163.11 نقطة. ويعزى ارتفاع السوق للنمو الجيد الذي حققه قطاع الصناعة والذي اكتسب مؤشره نسبة 14.24 في المئة بنهاية الشهر بدعم من أداء سهم شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) والذي أضاف نسبة 14.58 في المئة إلى قيمته وأغلق عند سعر 0.550 دينار بحريني. هذا وقد أعلنت «ألبا» خلال الشهر عن ارتفاع صافي ربح الشركة بنسبة 51.4 في المئة عن الفترة المالية المنتهية في 30 سبتمبر/أيلول 2011؛ إذ ارتفع من 106.0 ملايين دينار بحريني في التسعة أشهر الأولى من العام 2010 إلى 160.5 مليون دينار عن التسعة اشهر الأولى من العام 2011.
وشمل التقرير كذلك على ماحذر منه صندوق النقد الدولي لدول مجلس التعاون الخليجي من تزايد أعداد البطالة في صفوف المواطنين الخليجيين؛ إذ يتوقع الصندوق ارتفاع أعداد العاطلين من مواطني دول المجلس بما يراوح مابين مليونين إلى ثلاثة ملايين عاطل خلال السنوات الخمس المقبلة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات تصحيحية في أسواق العمل.
وقال الصندوق، إن التقديرات تشير إلى نحو سبعة ملايين وظيفة تم توفيرها في أسواق العمل الخليجية خلال العقد الماضي، إلا أن نحو مليوني وظيفة فقط من هذه الوظائف ذهبت للمواطنين من دول المجلس.
سياسات تشجيع النمو
وعلى الصعيد السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية بين التقرير السياسات الاقتصادية التي حرصت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي طوال السنوات الماضية على اتباع سياسات تهدف إلى تشجيع النمو الاقتصادي، وقد ساعدها في ذلك أسعار النفط المرتفعة جداً، التي سمحت بتسجيل فائض مالي كبير حتى في ظل زيادة الإنفاق. ومع ذلك، ساهمت استراتيجية النمو السريع في بعض البلدان في خلق ضغوط تضخمية كبيرة، ومما ضاعف من هذه الضغوط ربط عملات المنطقة بسعر تحويل ثابت إلى الدولار. ومع أنها تبذل جهود متواصلة لمعالجة المشكلات الهيكلية، مثل أسواق العمل غير المرنة والدعم الكبير لأسعار السلع وعدم كفاءة معايير الحوكمة الإدارية في الشركات، إلا أن تلك المشكلات مازالت قائمة.
بينما كشف التقرير عن التكامل الاقتصادي الخليجي على مدى ما يقارب الثلاثة عقود، فقد حقق مجلس التعاون إنجازات عديدة وعلى مختلف المسارات وفي صدارتها المسار الاقتصادي عززت من مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي ثم تعزيز وصولها إلى مختلف الأسواق العالمية. ومن أبرز تلك الإنجازات ما تحقق على الصعيد الاقتصادي مثل الاتفاقية الاقتصادية المطورة التي تم اعتمادها في قمة مسقط في ديسمبر 2001م، والتي جاءت استكمالاً لما حققته الاتفاقية الاقتصادية الموحَّدة السابقة التي وقعت في نوفمبر 1981 في مدينة أبوظبي والتي ركزت على تنمية ودعم الروابط الاقتصادية فيما بين دول المجلس بما في ذلك تقريب سياساتها الاقتصادية والنقدية وتشريعاتها التجارية والصناعية بالإضافة إلى الأنظمة الجمركية المطبقة فيها، وذلك بهدف مواكبة التطورات الاقتصادية محلياً وإقليمياً ودولياً.
كما بيَّن التقرير أن إعلان قيام الاتحاد الجمركي يعد من أهم المراحل الحيوية التي تعزز العمل الاقتصادي المشترك وتخلق بيئة اقتصادية وتنقل اقتصادات المنطقة من التنسيق والتعاون إلى مرحلة متقدمة من التكامل وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية الشاملة؛ إذ تضمن الاتحاد الجمركي تحقيق العديد من المزايا ومنها ما يتعلق بتحقيق بيئة استثمارية ناجحة للقطاع الصناعي كتوحيد التعرفة الجمركية تجاه العالم الخارجي والتي تم تحديد نسبتها بـ 5 في المئة اعتباراً من مطلع العام 2003، ثم معاملة السلع المنتجة في أي من دول المجلس معاملة المنتجات الوطنية، وصولاً إلى الوضع النهائي من خلال تطبيق قانون جمركي موحد
العدد 3411 - الأحد 08 يناير 2012م الموافق 14 صفر 1433هـ