إن من أهم انعاكسات الربيع العربي متزاوجاً مع خبرات ودروس النضالات السابقة على امتداد القرن الماضي، هو أنه طرح قضية ديمقراطية المشاركة (Participatory Democracy)، وليست الديمقراطية الشكلية، والاحتجاج الديمقراطي الشامل والعميق والجذري للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والأنماط الثقافية والفكرية والسلوكية المهيمنة على المجتمع.
إلهام الربيع العربي
«الشعب يريد...» تختصر طيفاً واسعاً من المطالب المتراكمة عبر عقود من وعود لم تتحقق، بعد تسلط وفساد ينخر في جسد الوطن، وتكبيل للشعوب، ومراوحة في المكان، وإعاقة عن التقدم في حين تتوافر لدول الخليج إمكانيات وثروات النفط والغاز الاستثنائية، وقلة في عدد السكان لكن هذه الثروة في كثير من الأحيان تحولت إلى وبال، وتصدير الثورة المضادة عربياً وعالمياً.
ألهم الربيع العربي وحفز انطلاق حركات التغيير في مختلف دول الخليج والتي تفاعلت مع الحركات فيما بينها، ودعمت بعضها البعض معنوياً وسياسياً وإعلامياً. كما استلهمت من ثورتي تونس ومصر، أن يكون للانتفاضة عنوان فكانت ساحة الإرادة المقابلة لمجلس الأمة في الكويت، ودوار اللؤلؤة في البحرين، ودوار العالم في صحار، من هنا اندفع النظام البحريني لإزالة دوار اللؤلؤة، والحال كذلك في سلطنة عمان، لكن الكويت أعقل من أن تحول ساحة التغيير إلى طريق للمرور.
لقد زجت حركة التغيير بقيادة الشباب في بلدان الخليج بمئات الآلاف ممن لا سابق لهم بالنضال السياسي والمجتمعي، وخصوصاً الشباب والنساء والجماهير بشكل عام. إنه لشيء مذهل في بلدان مواطنيها ما بين نصف مليون إلى مليون، أن ينزل عشرات بل مئات الآلاف إلى الشارع والساحات للمظاهرات والاعتصامات.
كما أن حركة التغيير قد نجحت إلى حد كبير في تجاوز الانقسامات التي كُرست ما بين السنة والشيعة في البحرين مثلاً، وما بين الحضر والبدو في الكويت مثلاً، وما بين مختلف القبائل والعائلات في عمان، وما بين مواطني الإمارات كما في الإمارات، وما بين مختلف مكونات المجتمع بشكل عام كما في السعودية وقطر.
أسهمت حركة التغيير في موقع الوعي السياسي لعموم المواطنين وقربت لهم القضايا الجوهرية مثل المواطنة المتساوية، وسلطة الشعب والحكم الدستوري الديمقراطي وأبرزت إلى السطح الحاجة إلى الديمقراطية.
إن حركة التغيير مستمرة وتكتسب زخماً يوماً بعد يوم وأبرز ملامحها:
1 - في الكويت نجحت في إجبار وزارة الشيخ ناصر المحمد الصباح على الاستقالة وعلى إقالة مجلس الأمة، والآن تستمر الحركة من أجل عقد اجتماعي جديد بين الأسرة الحاكمة وشعب الكويت، وحكومة الإرادة الشعبية ومجلس يمثل مصالح الشعب فعلاً، وحرية تشكيل الأحزاب.
2 - في البحرين وبعد تجاوز الصدمة والترويع يوم 17 مارس/ آذار، فإن الشعب ينهض من جديد، مصر على مطالبه التي أطلقها بالإصلاح الجذري الشامل ومملكة دستورية ديمقراطية حقة، ومحاسبة المسئولين المتسبيين في التجاوزات، وتنفيذ توصيات اللجنة الوطنية المستقلة لتقصي الحقائق (بسيوني).
3 - في الإمارات، يستمر التضامن مع الحقوقيين وقد نجح ذلك في إطلاق سراحهم كما يستمر النضال النخبوي من أجل دستور ديمقراطي دائم ومجلس وطني ذي صلاحيات تشريعية رقابية كامل.
4 - في عمان ورغم إجراء إصلاحات وإجراءات لتلبية بعض المطالب إلا أن الشعب مصر على دستور ديمقراطي ومجلس تشريعي حقيقي وإجراءات لمكافحة الفساد، وحياة سياسية ومجتمعية حرة.
5 - في السعودية يستمر الحوار من أجل إصلاحات عميقة.
6 - في قطر استجاب الأمير لمطلب إجراء انتخابات لأول مجلس تشريعي في العام 2013، لكن المطلب الرئيسي هو تفعيل الدستور، وإعادة بناء أجهزة الدولة تبعاً لذلك، وكذلك التشريعات المتوافقة معه.
هذه عناوين عامة ويمكن التوسع في شرح المطالب والبرامج والحركات الشبابية المناضلة.
إن هذا الاجتماع لنخب ثقافية ومجتمعية خليجية وعربية تعبير عما يجمعها من وجدان وأهداف مشتركة وتطلعات واحدة نحو الحرية والكرامة والعدالة. ويجب أن نستغله لتطوير مناهجنا وآليات عملنا ودعمنا المتبادل.
لا عودة إلى الوراء، فتاريخ ما بعد يناير/ كانون الثاني 2011 «يجبّ ما قبله»، وليكن الربيع العربي ربيعاً دائماً وهو بالتأكيد ربيع خليجي كما هو مصري وتونسي وسوري ويمني وعربي
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3409 - الجمعة 06 يناير 2012م الموافق 12 صفر 1433هـ