أطلق الشهيد محمد البوعزيزي من مدينة بوزيد التونسية موجة لا سابق لها من الاحتجاجات، اجتاحت عدة دول في الوطن العربي، وتطورت إلى ثورات وانتفاضات استطاعت حتى الآن أن تسقط ثلاثة أنظمة عربية استبدادية في تونس ومصر وليبيا وهناك اثنان على الطريق في اليمن وسورية.
ولم يتخلف الشباب في الخليج العربي بلدان مجلس التعاون الخليجي، الكويت والسعودية والبحرين وعمان عن التفاعل مع الحدث العربي أو ما أضحى يطلق عليه الربيع العربي، وتظل قطر هي الاستثناء حالياً.
لقد حاولت الأنظمة الخليجية وبعض المنظرين، أن يشيعوا بأن دول الخليج هي استثناء، وأنها لن تطالها رياح الربيع العربي باعتبار أنها دول ريعية غنية بعوائد النفط، وأن مواطنيها يعيشون في بحبوحة، مما تجود به الدول عليهم، وأن العلاقات بين الحاكم والمحكوم حميمية إلى آخر ما هنالك من تنظيرات.
وكما كانت ثورة تونس ملهمة لعدد من الشعوب العربية فقد كانت ملهمة أيضاً لشعوب الخليج، ولولا وجود أرضية مناسبة لتلقي دعوة تونس لما حدث هذا التفاعل على الخلاف. لقد ثبت أن الوجدان العربي واحد، وتطلعات الشعوب العربية نحو الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية واحدة، وإن كانت الأولويات تتفاوت من شعب لآخر ومن فئة إلى أخرى.
كانت البحرين وعمان في مقدمة المتفاعلين مع الحدث التونسي لأسباب تتعلق بالبنية السياسية والنظام السياسي واحتدام الصراع السياسي الاجتماعي، حيث أعلنت على صفحات الفيسبوك دعوات للتظاهر في 14 فبراير من قبل مجموعة شبابية.
وقد اختير انطلاق الاحتجاجات في البحرين يوم 14 فبراير (شباط) لأنه يصادف عشر سنوات على يوم الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني في 2001، والذي صوت عليه شعب البحرين بنسبة 98.4 في المئة باعتباره وثيقة الإصلاح الشامل والجذري.
أما بالنسبة لسلطنة عمان فقد كانت الثانية في استجابتها لنداء تونس حيث جرت الدعوة أيضاً عبر الفيسبوك والتي انضم إليها آلاف الشباب بالاعتصام في ساحة العالم في صحار، عاصمة ولاية الباطنة شمال مسقط، ثم انضم شباب وسكان محافظة مسقط العاصمة إلى اعتصام أمام مجلس الشورى، وكذلك شباب وسكان محافظة ظفار في العاصمة صلالة جنوب مسقط.
في الكويت، فقد كانت هناك حركة احتجاجية ومظاهرات ومسيرات سابقة للربيع العربي، لكنها اكتسبت زخماً كبيراً معه، وتركزت الاحتجاجات في ساحة التغيير أمام مجلس الأمة.
بالنسبة لدول أخرى فقد اتخذت الاحتجاجات طابع العرائض من نخبة المجتمع، موجهة إلى القيادة ومطالبة بإصلاح دستوري وتشريعي، كما اتخذت طابع التضامن مع المعتقلين والحقوقيين.
القواسم المشتركة
هناك قواسم مشتركة لحركات التغيير والاحتجاج في دول مجلس التعاون الخليجي، مع بعض التباينات، ويمكننا ذكر أهم ملامح طبيعة الأنظمة الحاكمة:
- تمتلك أربع منها (الكويت، البحرين، الإمارات وقطر) دساتير عقود منذ بداية الاستقلال، في حين أنه جرى صياغة والاستفتاء على دستور قطر منذ 4 سنوات، لكن الأمير لم يصدق عليه حتى الآن وفي حين أن هذه الدساتير تتراوح في طبيعتها وأفضلها دستور الكويت.
- تنص دساتير كل من الكويت والبحرين على أن الشعب هو مصدر السلطة، ويفترض أن تتمثل مشاركة المواطنين في إدارة شئونهم من خلال ممثليهم المنتخبين في المجالس التشريعية، توجد مجالس منتخبة في كل من الكويت والبحرين، ونصف منتخبة في الإمارات وشبه منتخبة في عمان، وليس هناك مجالس تشريعية منتخبة في السعودية وقطر، كما أن هناك مجالس بلدية منتخبة في كل من الكويت وقطر والبحرين والسعودية ولا توجد في عمان والإمارات. وإلى جانب المجالس المنتخبة هناك مجالس معينة في البحرين (مجلس الشورى) وعمان (مجلس الدولة) ومجلس الشورى السعودي.
وتتفاوت المجالس التشريعية في صلاحياتها وممارساتها لهذه الصلاحيات وأفضلها الكويت.
- غياب التطور والتحديث في الحياة السياسية قبالة ما شهدته البنية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والثقافية. ورغم وجود تيارات سياسية كأمر واقع، إلا أنه وباستثناء البحرين حيث تتسرع للمنظمات السياسية (دون الأحزاب) منذ 2011 فإن المنظمات السياسية وعملها محرمة في باقي بلدان المجلس مع تقبلها كأمر واقع في الكويت.
- يخضع المجتمع المدني ومنظماته لسيطرة وتحكم أجهزة الدولة التنفيذية.
- تسيطر الدولة إما مباشرةً أو من خلال أفراد على وسائط الإعلام الرسمية والخاصة، باستثناء الفضاء الإلكتروني
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3407 - الأربعاء 04 يناير 2012م الموافق 10 صفر 1433هـ