العدد 3407 - الأربعاء 04 يناير 2012م الموافق 10 صفر 1433هـ

رباعية ديمقراطية ما بعد الربيع العربي

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أوحت لي زيارة قصيرة للولايات المتحدة الأميركية قمت بها أخيراً بخاطرتين يمكن الاستفادة منهما من قبل شباب ثورات وحراكات الربيع العربي التي تجبّ السّير في طريقها نحو المستقبل، متقدمة أحياناً ومتراجعة أحياناً أخر، كأية سيرورة ثورية تاريخية كبرى.

الخاطرة الأولى تتعلق بجدلية الحرية من جهة والمساواة والعدالة من جهة أخرى في مكوّنات ما عرفت عبر سنين طويلة بالديمقراطية الليبرالية.

فأميركا التي فاخرت العالم بأنها مهد الحريات الديمقراطية وراعيتها، وخصوصاً الحريات الفردية التي طوَّرتها ووسَّعت آفاقها إلى حدود الجنون والابتذال بين الحين والآخر... أميركا هذه تعيش اليوم كل مشاكل إهمال عنصري المساواة والعدالة في ممارسة الديمقراطية الأميركية. يكفي أن يستمع ويشاهد الإنسان وسائل الإعلام غير المملوكة من قبل كبار الأغنياء وأمثال مردوخ، ولا تابعة لمؤسسات ثالوث المال والصناعة والمؤسسة العسكرية الأميركية حتى يدرك حجم وشدَّة قساوة ما يعانيه الملايين من فقراء أميركا ومهمَّشيها والعاطلين عن العمل ومشردَّي الشوارع، وخصوصاً من السُّود ومهاجري أميركا الجنوبية.

مثل هذه الديمقراطية الليبرالية الكسيحة العمياء هي التي يجب أن تتجنَّبها الثورات العربية فيما بعد الإطاحة بالطُّغاة والفاسدين. ذلك أن بعض المنابر الإعلامية العربية، بصورة مقصودة أحياناً وبجهالة أحياناً أخر، تتعمُّد التركيز كثيراً على مطالب الحرية من قبل ثورات الربيع العربي وخصوصاً السياسية والشخصية منها، ولكنها نادراً ما تتحدث عن أهمية تحقق المساواة القانونية والاقتصادية وعدالة توزيع ثروات المجتمع المادية والمعنوية والرَّمزية، ولا عن أهمية وجود وبناء السلطة الحامية لكل ما يتحقق، سلطة الجماهير الشعبية سواء المنظَّّّّّّّمة في مؤسسات أو غير المنظَّمة، ولكنها واعية وشديدة المشاركة في الحياة العامة.

تمكين الشعب من ممارسة السلطة، وهو الذي تعترف له جميع الدساتير الديمقراطية بحقّ امتلاك تلك السلطة لوحده ودون غيره، يجب أن يكون ممارسة ليست موسمية كالمشاركة في هذه الانتخابات أو تلك، وإنَّما ممارسة يومية بألف شكل وشكل. عند ذاك، وعند ذاك فقط، يمكن الضمان أن تكون السِّياسة في أرض العرب مغموسة في ثلاثي الحرية والمساواة والعدالة.

ولذلك، وكمثل على ما نعني، فإن اختزال الثورات العربية بالنسبة لحصاد نتائج تلك الثورات من قبل المرأة العربية، اختزالها في تمتّعها بالحرية الشخصية في قضايا الزواج والطلاق واللباس والعمل وممارسة الأنشطة العادية اليومية إنما يبتذل تلك الثورات ويشغلها من الشعارات الكبرى الأربع: الحرية والمساواة والعدالة وتمكين الشعب بمجمله.

الخاطرة الثانية تتعلق بقيام مؤسسة أو عدة مؤسسات إعلامية تعتمد في تمويلها في الأساس على التبرعات الصغيرة المتواضعة من قبل الأفراد العاديين أو المؤسسات المجتمعية الصغيرة المتعاطفة مع الناس ومع حقوقهم. في الولايات المتحدة الأميركية هناك مثل هذه المؤسسات كالمؤسسة الإعلامية الشهيرة المسمّاة «الديمقراطية الآن» وأخواتها المتناغمة معها. ولذلك فعندما تستمع إلى أو تشاهد القنوات السمعية والبصرية الأميركية الشهيرة فإنك في الواقع لا تتعرف على المشاكل الحقيقية الضاربة بجذورها العميقة في التاريخ والحاضر الأميركيين. وحتى عندما تعالجها تلك القنوات فإنها تغلّفها بألف غلاف حتى لا تعرف أسبابها الحقيقية ولا يعرف المسئولون الحقيقيون عن وجودها وعن تعاظمها. بينما الاستماع ومشاهدة تلك القنوات المستقلّة إلى حدٍّ ما، وغير الخاضعة لمؤسسات المال والسلطة الكبرى، يقدم صورة أكثر نزاهة وعمقاً عن الحياة والمشاكل الأميركية.

قيام مثل هذه المؤسسات، بل وأفضل وأشجع منها، في مجتمعات ما بعد الثورات العربية الناجحة خصوصاً سيكون مطلوباً بقوة في المستقبل القريب. قيامها سيضمن إبقاء الجماهير على علم والتصاق بمسيرة الثورات التي كما كرَرنا مرات كثيرة ستكون مسيرة سنين وعقود، وسيضمن أيضاً عدم اختطاف أو تشويه أو حرف الثورات من قبل مراكز إعلامية مشبوهة أو مختفية تحت ألف قناع وقناع من الانتهازية السياسية والقيمية. قيام مثل هذه المؤسسات هو تحدٍّ لشباب الثورات ولمن يدَّعون مساندة جهودهم وتضحياتهم المباركة من أفراد ومؤسسات عبر الوطن العربي كلٍّه

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3407 - الأربعاء 04 يناير 2012م الموافق 10 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 11:22 ص

      اليونانية أم الامريكية أفضل ؟؟

      الدمقراطية التي كشف عن معناها اليونانيون تتضح في قانون الحكم وحكم القانون النافع للجميع وغير ضار بأحد. فلا سلطة للمال ولا للعسكر على القانون.فللفرد و للمال العام حرمة. كما وتؤكد الدمقراطية اليونانية على الحرية في بديهية مثل : حريتي تنتهي عند ما تبدأ حرية الاخر.فلا حرية دون قانون ولا قانون بلا حرية.

    • زائر 10 | 6:39 ص

      أمسكت لب وجواهر التغيير المطلوب

      فعلا أمسك الدكتور علي لب وجواهر التغيير المطلوب ، وأكثر ما يخشاه اي مراقب عربي نزيه ان تختطف تلك الثورات من قبل الانتهازيين ونعيد توزيع الكراسي مرة أخرى على نفس النمطية السائدة حالياً . ففكرة الاستعمار المعششه في النفوس المريضة مازالت هي الماثلة للحضارات الحالية وتغيرت وتطورت أساليب اقنعتها وفنونها في الاستحواذ على الآخر .

    • زائر 7 | 1:28 ص

      تتعدد الشعارات ولكن من ينفذ وكيف التنفيذ؟؟

      تفوق الشعارات المرفوعة عدد 4 ، ونكون شاكرين لله رب العالمين وللأنظمة الجديدة في البلدان التي تخلصت من طغاتها لو تحققت واحدة من تلك الشعارات في أي بلد منتصر ، حيث سنعتبره بلداً نموذجاً يحتذى به.

      وأنت أيها المفكر الوفي لن تبخل على العروبة والبلاد الاسلامية بشرح آلية تنفيذ الرباعية ليستفيد من علمكم الربيع العربي والصحوة الإسلامية.

    • زائر 6 | 1:20 ص

      نعم الكلام المفيد والاستفادة من تجارب الآخرين يختصر الوقت والجهد

      سرد الله الكثير من القصص في القرآن لأمر مهم وهو لكي يتعلم الانسان وياخذ العبرة من تجارب الآخرين وحتى لا يضيع وقته في تجربة مرّت على غيره واستغرقت الكثير من السنين لكي يخرج بمحصلة نتيجتها في كلمات بسيطة.
      فأنت يا دكتور تقرأ ما بين السطور وهذه مهمة الناس امثالك يعرفون تفاصيل ودقائق الامور بحيث يمكنهم
      صياغتها وتلخيصها لقرائهم لكي يستفيدوا منها
      فشكرا لك

اقرأ ايضاً