بدأ العام الجديد وكأنه لم يبدأ. فالعام الذي مضى كنا فيه مأزومين سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وفي هذا العام صرنا كذلك بالتمام. بل إن شدَّة التطابق بين العامين، جعلت من «الضحية الستراوية»، تسقط في آخر ساعات عام سينقضي، ثم تدفَن في عامٍ لاحق للتوّ يبدأ. فأي تطابق وتشابه نحن فيه؟! وأيّ وصل زمني بينهما أكثر من هذا. الموت في العام. ومراسم الدفن في عام آخر يليه. نهاية ذاك كَرْبٌ وحزن، وبداية هذا دموع ونياح.
أصعب المشاهد التي خَتَمَ العام الماضي ساعاته على قلبي وعيني، هي حينما رأيت ذلك اليافع مُسَجَّىً على الأرض، في مشهد مُصوَّر، وقد اصطبغ وجهه بالدم، وعيناه غائرتان إلى الأعلى، وأصابع يديه مَلْوِية على راحتَيْها، وهو يسحب آخر زفيرٍ في صدره، مستعينًا بما تبقى له من روح وقوة خائرة، ليصرخ بحشرجة واحدة مؤلمة: آآآه. كان المشهد فظيعًا مُفطرًا لنياط القلب، ولا يليق بأن يجري على أرض أوال الطاهرة، التي كانت موئلاً للخير.
في الرابع عشر من شهر فبراير الماضي (2011) سَقَطت أول ضحية في مظاهرات 14 فبراير. وفي الحادي والثلاثين من ديسمبر من العام المغادر (2011) سَقَطت ضحية أيضًا، لا ندري هل ستكون الأخيرة أم ستتلوها أضاحٍ أخرى. وما بين التاريخين، هناك 321 يومًا عاشتها البحرين بمرارة، سقط خلالها عشرات الضحايا قتلى ومئات الجرحى. في تلك الفترة، حصلت انتهاكات لحقوق الإنسان تشيب لها الوِلدان. البعض كان يعتقد، بأن المعارضة السياسية في البحرين، كانت تبالغ وتهوِّل من حجم تلك الانتهاكات، لكي توظفها سياسيًا لصالحها.
جاء تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق ليصدم الجميع بما فيهم السلطة، ممن حالت الأسوار، وبطانات التضليل لأن يسمعوا ويعوا. فلا الذي قالته المعارضة بأكثر مما أفصحت عنه اللجنة وأكدته، ولا الذي توقعته الأولى بأقل مما أثبته التقرير. أيّ انتهاكات حصَلت بين جوانبنا وبهذا الشكل المريع؟ كيف كان كلّ ذلك الحقد موجودًا في صدور البعض ليقول ويفعل ذلك بإخوانه في الدين والوطن والإنسانية؟ بل أيّ قلب يستطيع أن يحمل ذلك كله.
عندما كنت أسمع عن الاعتقالات بألسن أشخاص معارضين في الإذاعات والقنوات الأجنبية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأنهم وصلوا إلى أكثر من 1000 معتقل، كنت أقول إن البلد لا يحتمل ذلك العدد، ولابد أنه أقل. لكن تقرير بسيوني صَدَمني عندما ذكر، أن وزارة الداخلية قامت وحدها بـ 1950 عملية قبض، وأن جهاز الأمن الوطني (الاستخبارات) قام بـ 179 عملية قبض من المنازل، و 42 حالة قبض خارج المساكن. وأن قوات الحرس الوطني قامت بـ 103 عمليات قبض، وأن قوة دفاع البحرين قامت بـ 104 عمليات قبض، اثنتان منها لنائبين سابقين في البرلمان، واثنتان أخرتان لاثنين من الطاقم الطبي. لقد كان ذلك صدمة لي ولغيري بامتياز.
عندما كنت أشاهد وسائل إعلام رسمية، وهي تعرض صورًا لوافد آسيوي وهو مضرَّج بدمه في منطقة سترة، ناسِبَةً مقتله إلى المتظاهرين، ثم أتفاجأ بأن لجنة تقصي الحقائق تقول: بأن هذا الآسيوي قتِل عمدًا برصاصة في رأسه عندما كان يحمي مجموعة من النساء والأطفال الذين هاجمتهم قوات الأمن بحسب الدليل الذي قدِّم للجنة، كنت أتعجّب من حجم التضليل. لكن الصَّدمة الأكبر بالنسبة لي، هي إشارة اللجنة، إلى أن المحققين استخدموا ألفاظًا طائفية ضد الموقوفين أترفع عن ذكرها، وأنزِّه القارئ من سماعها لقذارتها (ذُكِرتَ في الفقرة (و) من البند 1203 من التقرير).
كنت أظن أن البحرين خاليةٌ من نفوس مريضة حاقدة معتوهة كتلك النفوس، فضلاً عن أن توجد بين رجال الأمن والدولة. نعم... وعندما تتلبَّس الدولة بخطاب طائفي فج مثل هذا الخطاب، تصبح القضية مُرَّة جدًا ولا تحتمل، وتصبح الثقة بعدها في مهب الريح.
وعندما كنت أقرأ التقرير، وكيف أن اللجنة استطاعت تحديد 19 طريقة مختلفة من طرق سوء معاملة الموقوفين كالصعق الكهربائي والضرب والصدمات على الرأس وغيرها، وبعض الجروح الناتجة عن سلاح ناري وقنابل صوتية وحروق سجائر، وأن ممارسات التعذيب كانت تجري بصورة عَمْدية كنت أتساءل: هل نحن في البحرين، أم في بلد آخر؟ كيف يُمكن أن يفعل بحرينيٌ ببحرينيٍ مثل ما فعل؟ هذه مصيبة، اُبتلِيَت بها الدولة، ويجب أن تعالَج فورًا، ودون انتظار، وإلاَّ نَمَت على وجهها بُثور، ستجعل من صورتها غير مقبولة ولا تقبلها حتى مرآة.
وعندما كنت أقرأ التقرير، وكيف أن اللجنة، خلصت إلى أن المسئولين الحكوميين أشاعوا علناً أجواء الانتقام من أفراد شاركوا في المظاهرات. وأن هناك مسئولين حكوميين آخرين صدر منهم تشجيع مباشر للشركات على فصل موظفيها الذين شاركوا في التظاهرات، كنت أتذكّر ما كان يقوله خصوم الحكم في المعارضة، من أن ذلك حصل فعلاً. بل إن التقرير، ذكر أضعاف أضعاف ما قالته المعارضة، الأمر الذي هزَّ القناعات، وأبطل النية الحسنة والتخريجات التي كانت قد تمنَح للدولة بين الفينة والأخرى.
هذه الأمور جدُّ خطيرة، وهي أضرَّت بالثقة ما بين الناس والحكم، وأضرَّت أيضًا بصورة البحرين في الخارج، وأمام محبيها. بلدي البحرين اليوم ليس في وضع صحي أبدًا. ومَنْ أراد أن يقول عكس ذلك، فليقل، وليََنَم على جنبه مبتسمًا، لكنه سيصحو من نومه حتمًا ليجد أن ما كان يقوله هو مجرّد هراء في هراء.
ذلك العام انقضى، وقد افتتحنا عامًا جديدًا بغير ما يجب، وبالتالي، فإن الواجب هو التقييم والتقويم على عجل، لكي نضمن للبحرين مستقبلاً سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا سليمًا. وكما قيل: «مَنْ سَلَكَ الجَدَدَ أمِنَ العِثار»
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3404 - الأحد 01 يناير 2012م الموافق 07 صفر 1433هـ
يبو عبدالله عساك على القوه
يخوي بسيوني وتقريره حشروا المسؤليين في زاويه وجعلهم في وضع لايحسدون عليه حيث ان الحكومه هي من استقدم بسيوني ومعاونيه ولهذا فان كل حرف في تقرير بسيوني ملزم الحكومه بتنفيده وهذا اضعف الايمان
اليس الصبح بقريب
نعم ما حدث يشيب الطفل في رحم امه, وما خفى اعظم, وبشر الصابرين, اليس الصبح بقريب,
جزاك الله الف خير
شكرا
مقال رائع
قمة الجبل
شكراً على المقال الرائع , وأأكد لك أنك لو كتبت نصف هذه المعلومات قبل صدور التقرير لكنت رقماً في متن القرير ولكن كل العارفين و المطلعين يقولون ويأكدون أن ما صدر في القرير هو فقط قمة الجبل الجليدي و المخفي أعظم ....
محمد سلمان
ما حصل يندى له جبين الإنسانية
ما حصل في بلادنا لا يصدقه عقل ففي بلد يتغنى أهله بالأسرة الواحدة لا يصدق عاقل هول المصائب والإهانات التي فتكت بمكون أساسي من الشعب، أين الأحرار أين صادقو الوعد، أين المنادون بالعدالة؟ انصفونا ولو من خلال التقرير المتواضع
مغالطات مقصودة في الترجمة العربية!!
صدر التقرير باللغة الإنجليزية وترجم للعربية وتم سحب النسخة العربية لأحتوائها على إختلافات فاقعة تشوه المعنى. تم نشر نسخة عربية معدلة في 11 ديسمبر ولكنها أيضا احتوت على تحريف في الترجمة. مثال على ذلك التوصية 1715 المتعلقة بتشكيل لجنة المتابعة (ازالة صفة "المعارضة" بعد الأحزاب في النص العربي!)
أيضا التوصية 1723 حول إعادة المفصولين تم إزالة "تهديم المنشئات الدينية" من النص العربي!!
والنسختين موجودتين على موقع BICI
لقد أساءوا الأدب
وكما قيل: «مَنْ سَلَكَ الجَدَدَ أمِنَ العِثار»
ونحن نقول من أمن العقاب أساء الأدب ، هناك بعض الموظفين والمدراء والمسؤولين من أساءوا الأدب فعلا أثناء الأزمة وبعد ذلك ، ولم يجدوا من يوقفهم عند حدهم ، فزادوا في غلهم وأظهروا ما في صدورهم من حقد كان دفينا، ولكن لو دامت لغيرك ما وصلت إليك. قال تعالى : يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. وكذلك قال ، وما يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
بلد جريح
ما حدث في بلدنا الجريح فاق التصور والخيال ولم نكن نتوقع ان يفعل بابناء البلد هذا الامر على يد مرتزقة عاثوا فيه فساد بأوامر من أناس نفوسهم مريضة لكننا نرفع شكوانا الى الله
الحل
المصائب كبيرة في هذا البلد وتحتاج الى رحمة وعطف ولا تجب المكابرة والتعنت
ثناء
مقال رائع يا أستاذ محمد
ياكشف الكرب .. اكشف عنا البلوى
شكرا للكاتب العزيز..وبالفعل هذا هو الحال .. وبيقين العارف بالله أسأل الله أن يكشف هذه الغمة وينصر المظلومين