العدد 3402 - الجمعة 30 ديسمبر 2011م الموافق 05 صفر 1433هـ

وهل هناك أسوأ من ثقافة «التصفيق»؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جوزيف ستالين (18 ديسمبر/ كانون الأول 1878 - 5 مارس/ آذار 1953)، هو زعيم سياسي شيوعي بارز، لكنه دموي حتى النخاع. عندما كان يخطب في الكرملين، أو في مقار الحزب الشيوعي السوفياتي، كان الحاضرون يُثنون على كلمات خطابه بين فينة وأخرى (خوفاً وليس إعجاباً به) بموجةٍ من التصفيق الحار. كان المصفِّقون يتلفتون يميناً وشمالاً، كلٌ ينتظر من الآخر أن يتوقف عن الصَّفْق، لكي لا يُتهم من استخبارات ستالين، بأنه أوّل من توقف عن التصفيق. لذا، فقد كان الحاضرون يستمرون في الصَّفْق دون توقف، حتى تكِلّ أيديهم وأكتافهم.

ثقافة التصفيق، هي في أصلها جزءٌ من السلوك الإنساني المعبِّر عن «التقدير والامتنان». لكن الحكم الفاسد، حوّلها إلى طريقة مبتذلة من طرق التأييد المطلق لشخوص الحكم المؤلَّهِيْن. تتحدث إحدى الزعامات بكلمات تفوقها طولاً وعرضاً ووزناً ومكانة، دون أن تدرك معانيها حتى، فيسترسل الحاضرون بالتصفيق من دون توقف. أكثر من ذلك، يتحدث ذلك الزعيم بما يخالف عمله وسلوكه السياسي الأرعن، فيسترسل الجالسون حذاءه في التصفيق. زعامات تحكم بلدها بالحديد والنار، ثم تتحدث عن الحريات وصونها، فلا تلقى إلاَّ التصفيق، والتأييد، والمبايعة المؤبَّدة.

زعامات، تحكم شعوبها بالحِراب والقتل والاعتقال والتعذيب والنفي، ثم تتحدث في خطاباتها عن ضرورة أن يسوس الحاكم أموره بالعدل والقسط، فلا يسمع من مناصريه سوى التصفيق الحار والتشجيع. وزعاماتٌ أخرى لا تعرف الفرق بين الهِر والبر، ثم تتحدث عن أهمية الصروح العلمية، والإنجازات الأكاديمية التي تحقّقت في عهدها، فيبدأ الحاضرون بطمّ آذانهم بالتصفيق. وزعامات، تستولي على البر والبحر، وعلى خيرات الأرض ونعمها، فلا يجد المهرّجون لها سوى التصفيق والصفير والدعاء لها. هذا الأمر خارج عن اللياقة والأدب، وخارج عن احترام الذات. فهؤلاء أشبه بالمومياء، التي تحملق بعينيها دون أن ترى أو تتكلم أو تسمع.

لو تحدث المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب، عن رُخْض قيمة السلطة وكراسيها، وصُفِّقَ له، فهذا من حقه. ولو تحدث إعلي ولد محمد فال عن احترام إرادة الشعوب، ومنح الناس حرية اختيار حاكميها، وصُفِّق له فهو يستحق ذلك حتماً. ولو تحدث الجنرال رشيد بن عمَّار عن مكافحته لفساد الحكم وقمعه وحَيَّاه أنصاره على ذلك الرأي والموقف، لاستحق ذلك وأكثر. ولو تحدث قبلهم الجيرونديون وطليعيو اليعاقبة المعتدلون وكامل زعامات مرحلة الأنوار في أوروبا، سواء من السياسيين أو المفكرين، عن الحكم الرشيد، ونبذ السلطة الأقلوية والمطلقة والمستبدة، وصفقت لهم شعوبهم، لكان ذلك حقاً من الناس عليهم. أما أن يأتي المحنطون من الحكام، الذين ساموا الناس العذاب، ومَلَكُوا الأرض ومَنْ عليها، وشيَّدوا القصور الفارهة ثم تحدّثوا عن احترامهم لشعوبهم والتعاطف معهم، فهذا هراء محض.

الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك خَدَم الأمة الفرنسية والدولة أكثر من ثلاثة عقود، ثم ينتهي به الأمر إلى المحاكمة بتم الفساد. في حين يبقى آخرون في عالمنا العربي عشرات السنين في الحكم، ويُعرَف عنهم أنهم فاسدون، ويتقاسمون موازنات الدولة ومشاريعها، ثم لا يرضون حتى بالقول انهم فاسدون، أو انهم يستحقون سؤالاً نيابياً، فضلاً عن المحاكمة! أيّ عالمٍ سياسي نعيش فيه نحن اليوم. أيّ مستوى من الانحدار الأخلاقي، وانحطاط الضمير، الذي نشهده اليوم. هذا حالٌ لا يستقيم حتى مع قبائل الأدغال في إفريقيا، الذين شاءت الظروف أن يعيشوا ولو في خاتمة حياة جيلهم الأول وسط أنظمة ديمقراطية، يسودها القانون والعدل.

إن أخوف ما يخاف منه اليوم، أن يأتي زمان على هؤلاء الحكام وتطبَّق عليهم مقولة الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأميركية توماس جيفرسون عندما قال «إن شجرة الحرية يجب أن تروى من حين إلى آخر بدماء الوطنيين والطغاة». بل ربما ان هذا الزمن قد جاء فعلاً، وإن بشكل أوَّلي. وما حال القذافي وأضرابه إلاَّ نموذج لذلك الزمن. نعم... سيعيد التاريخ نفسه حتماً، حينها لن يجد هؤلاء الحكام أنفسهم إلاَّ كما وَجَدَ لويس السادس عشر نفسه على المقصلة. وكما وجد موسوليني نفسه معلقاً من قدميه مذبوحاً. وهو نموذج راديكالي من المصائر النهائية للشخصيات العامة، لا يودّ أحد في العالم العربي أن نصل إليه، وإن كان للمعاقبة والعِظة.

هذه الشعوب لا تريد من حكامها الكثير. هي تريد عدلاً ومساواةً وقانوناً وحياةً كريمةً ومشاركةً في صنع القرار، لا أكثر من ذلك ولا أقل. فإذا كانت الشركات يوجد بها قانون حضور وانصراف وتقرير أدبي ومالي في كل عام، ومجالس للإدارات يقرّرون فيه برأي الجماعة القرارات المهمة، فما بالك بإدارة دول مترامية الأطراف، لها أرضٌ مليئةٌ بثروات الخالق، وحدودٌ مائيةٌ وبريةٌ، والأهم من كلّ ذلك شعب ناهض وواع. إنه لمن المعيب، أن يظلّ الحاكم هو المتسيِّد، ودون حسيب ولا رقيب، لا في ماله ولا في حكمه ولا في سلوكه. فتراب الأوطان مقدّسٌ، وناس هذه الشعوب محترمة، ولها كرامة، والأحرار فيها والواعون، لا يجيدون التصفيق للعَدَم وللكلام المجوَّف، بل هم الأصل (كجماعة) في تقرير ما يريدون وليس للأفراد

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3402 - الجمعة 30 ديسمبر 2011م الموافق 05 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 4:00 ص

      الحمام

      أتذكر أخوي لين قام يصفق للحمام فوق البيت . يعني حتى الحيوانات تحب التصفيق

    • زائر 8 | 3:15 ص

      تتمه ..... انهم بالفعل المحنطون من الحكام و المنحطون بأفعالهم و أخلاقهم المتدنية ...... ام محمود

      الأسرار والضمائر بإرادتي و أمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري و إعلان ديني ذلك ولي حقاً و مهدي عبادي صدقاً .
      -----
      كاتبنا الفاضل مقالك اليوم جميل جدا , قوي و في الصميم .. مشكلتنا مع بعض الزعامات العرب أمثال علي عبدالله صالح والقذافي الراحل و غيرهم ممن اصابته لوثه عقليه و مرض نفسي خطير ما عملوه من مجازر وابادات جماعية يتزلزل منه العرش
      حتى السماء أظلمت نتيجة لزيادة الظلم و الفسوق
      ----
      عندما كتبت عن التصفيق الطويل تذكرت حسني مبارك فهو كان بعد أي كلمة أو خطاب يصفقون له كثيرا كالبطل و كذلك القذافي

    • زائر 7 | 2:51 ص

      ما يحدث في زماننا من استهتار الحكام الطغاة بالدم و بجميع المواثيق السماوية و بانحلال خلقي غير مسبوق عند المصفقين لهم....... ام محمود

      يعتبر من علامات الساعة التي نستدل بها على بشاعة الزمن الذي نعيش به ظلم و طغيان و قتل دامي لا يتوقف و انحلال في الأخلاق و القيم وارتكاب الفظائع خاصة حينما تم الاعتداء عاى النساء الطاهرات و المنقبات
      عن الرسول الكرم ص عن الله سبحانه و تعالى: ... و بالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي و تهليلي و تقديسي و تكبيري و تمجيدي و به أطهر الأرض من أعدائي و أورثها أوليائي و به أجعل كلمة الذين كفروا به السفلى و كلمتي العليـا و به أحيي عبادي و بلادي و بعلمي و له و (به) أظهر الكنوز و الذخائر بمشيتي و إياه أظهره على

    • زائر 6 | 1:51 ص

      اليوم كتبت صح

      اليوم كتبت صح

    • زائر 5 | 12:44 ص

      لايصح الاالصحيح

      خلهم يصفقون خلهم اطبلون والعبرة في النهاية والعاقبة للممتقين

    • زائر 4 | 12:00 ص

      صفاقة

      التصفيق للظلمة هي صفاقة

      شكرا لك على هذا المقال

    • زائر 3 | 11:36 م

      كلأم نابع عن معرفة

      شكرأ لكم ولكن يا اخى تعبت نفسك جاء من اشرف منك ومنى واعلئ مرتبه منك ومنى رسول الأمة محمد المصطفى صلوات اللة عليه وعلى الةوصحبه وسلم مادا فعلوا بوصيته قتلوا خير الناس واشرف الناس واطهر الناس من بعده قتلوا عليأ والحسن والحسين مادا تتوقع اكثر من هادا يأأخى الكريم من امتة الجهل

    • زائر 2 | 11:35 م

      صح

      عنوان جميل ومحتوى أجمل

    • زائر 1 | 10:13 م

      وما يدريك ياخال ,,,,

      بالامس صفقوا لمن قبله وغدا سيصفقون لمن بعده انها صناعتهم توارثوها

      ظلموك بقولهم حسناء .................

      يظلم الظالم مرتين يظلم الاخرين ويظلمه الاخرون بتزيين عمله والتصفيق له على ظلمه حتى ينتهي به المصير الى ما انتهى به غيره بالامس عندها يتفرق عنه المصفقون وفرق الرقص وانتهى المولد ومضت الايام الحلوة

اقرأ ايضاً