العدد 3402 - الجمعة 30 ديسمبر 2011م الموافق 05 صفر 1433هـ

سفن بحرينية لا تعرف الطائفية

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

محمد نجيب التيتون، هل تعرفون هذا الاسم، أظن معظمكم لا يعرفه ولا يعرف بأنه يلقب بالعميد. ليس لأنه نقابي ولا قيادي في جمعية سياسية ولا مضارب في أسواق البورصة أو من كذابين الزفة الذين كثروا في المدة الأخيرة. بل هو من سواعد البحرين الأصيلة التي عشقت بحر الوطن طوال عمرها قبل أن يكون هناك بحارة، وصنع سفن الوطن بيده وبيد أجداده قبل أن تبحر أية سفن غريبة نحو شواطئ الوطن.

التيتون هو واحد من مئات إن لم يكن آلاف رجال البحرين الذين مرت أناملهم الخشنة على سطح سفن الغوص وصيد السمك أو الترحال والسفر هنا وهناك. تلك السفن من بوم سفار إلى سنبوك وشوعي، وبتيل، غنجه، بغلة، بقارة، جالبوت، الماشوا، هوري، بلم، وغيرها من سفن الخليج عبر عصوره المختلفة. أكثر من 2500 سنة وهم يحفرون بسواعدهم وأيديهم تلك السفن لتسير على سطح مياه الخليج الزرقاء الصافية بصفاء وشفافية قلوبهم وسرائرهم. أبداً لم يسألوا يوماً لمن هذا «الخشب» أو من سيركبه ويغوص به في بحر هيرات الوطن أو من سيدفع له؟ من أي ملة أو دين أو طائفة أو دولة ذاك الإنسان الذي يشتغلون له في سفنهم؟ لأنهم بكل بساطة، وكما قال عنهم التيتون، هؤلاء أهل البحرين الأوائل «أعمارهم بعشرات السنين وجذورهم لمئات السنين ممتدة في حنايا تراب هذه الأرض».

وبجانب عائلة التيتون، المبدعة طوال عمرها في هذه المهنة التي صبغت تاريخ الوطن منذ مئات السنين؛ هناك عائلات أخرى ممن كان يطلق على كبيرهم لقب (الأستاذ) أمثال: عائلة بن حماد، عائلة بن نوح، عائلة أبوعلي، عائلة بن إسماعيل، عائلة الترانجة، عائلة مرهون، عائلة النشيط، عائلة بن خاطر، عائلة بن سرحان، عائلة العلي، عائلة الكوفي، عائلة بن تمام، عائلة عليوي، عائلة أبوصبيعة، عائلة الجوحة، عائلة الإسكافي، عائلة الغضبان، عائلة العفو، عائلة المرخي، عائلة أبوحمد، عائلة السلاطنة، عائلة علاوي، عائلة بن ثابت، وغيرها. وكما قال أحفاد الحاج أحمد بن خميس زعيم الطواويش في السنابس في زمن الغوص ذات يوم، بأن القرى من منطقة ساحل البديع وحتى منطقة النعيم وحدها كان بها نحو 400 ورشة بحرينية لصناعة السفن بسواعد أهل الوطن فقط. وكذلك كما أخبرني التيتون ذات يوم ونحن في حوار صحافي بموقعه الذي لم يعد في الإمكان الوصول إليه اليوم بسهولة لخطورة الاقتراب منه؛ لقد امتازت معظم تلك العائلات البحرينية بصناعة سفن عملاقة استخدمت في السفر والغوص على اللؤلؤ في الخليج العربي وتخرج من مدرستها العظيمة جُل الأساتذة المعروفين والمتميزين بهذه الحرفة العريقة في زمانهم سواء على صعيد الصناعة في البحرين أوفي الخليج أيضاً، ومنهم: جاسم التيتون، حسن وابنه علي النشيط، حسن أبوعلي وابناه، عيسى بن نوح، خليفة بن حماد، عبدالله بن مرهون، كاظم الترانجة، عبدالله وحسن بن سرحان، احمد بن ثابت، وغيرهم كثيرون ممن كان لهم باع الطويل في صناعة السفن الشراعية حتى قيل في السفن البحرينية «وشار البحرين يا زينة».

كل هؤلاء امتازوا بدقة الصناعة والتفنن بشتى أشكال السفن الخليجية. وأهل الخليج شهدوا خلال القرون السابقة بمهارة ودقة صناعة «القلاليف» البحرينيين وتغنوا بسواعدهم القوية، لأن أهل هذه المهنة يتميزون بالأمانة والمهارة في الصناعة ولأنهم، ببساطة، أحبوا بلدهم ومهنتهم فهم أهل البحر الذي علمهم الصدق والوفاء والولاء لله ولتراب الوطن بصدق العطاء.

أليس جيل اليوم من الشباب هم أحفاد أولئك الرواد الأوفياء، فلماذا يُتهمون هكذا جزافاً بعدم ولائهم لسفن وشراع الوطن؟ وأجدادهم من صنعها؟ لماذا صارت سفنهم طائفية ممقوتة ورياح التغيير التي تدفعها نحو سواحل الأمل والأمان لجميع أطياف الوطن هي رياح فاسدة وليست بـ (كوس) ولا شمال بل (زمهرير وطوز)؟ ألا يعلم من ينفث هذه السموم اليوم بأن أجداد هؤلاء وغيرهم كثير من حرفيي هذه الصناعة هم من نقلوها إلى عدة مناطق على ساحل الخليج ونقلوا معها لكل أهل الخليج خبرة القلاف البحريني الأصيل وليس المُستجلب من وراء البحار. لمن لا يعلم أقول اقرأوا كتاب التيتون «تاريخ صناعة السفن في البحرين والخليج» لتعرفوا حكايات أولئك الأجداد صادقي الوعد والوفاء لتراب بلدهم وعشقهم السرمدي له ولذكراه واسمه.

فهل هناك من يفكر اليوم، ولو للحظة، في أن يستبدل هذه السواعد السمراء الحنونة المبدعة المحبة بل والعاشقة لبحر الوطن كما هو ترابه؛ بسواعد من خارجه، طارئة، مطاطية الولاء. أطرافها غير حقيقية، فهي كالأطراف الاصطناعية البديلة في الجسم، صحيح أنها تعنيك على الحركة والمشي وحتى الركض والضرب والركل بقوة في أجساد ووجوه الآخرين. لكنها في نهاية المطاف هي أطراف اصطناعية لا تقوى على البقاء أمام ملوحة بحر الوطن ورطوبة هوائه التي لا يتحملها إلا أهلها وبس. ولا هي تمرغت بطين الوطن في «السيبان» والعيون والبرك بين عذاري، أم شعوم، أبو زيدان، قصاري، الصعصعة، التينه، وهرته. ومن يفعل ذلك فهو كما فعلت بني إسرائيل حين طلبوا من نبيهم موسي (ع) أن يستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير، والأدنى هو البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل من الطعام بدلاً من المن والسلوى.

وبعيداً عن هؤلاء، تصلنا دعوة... إنها دعوة تأتي بصداها مع الريح من زمن أولئك الأجداد لجيل اليوم من شباب يتوقون للإبحار على ظهر سفن بلا طائفية صواريها ولا توجهات مذهبية تسيّر أشرعتها البيضاء كقلوب لا تعرف الحقد على بني وطننا، وليس بها نواخذة رافعة خشومها في العالي وتتعالى على بحارتها بنظرة ازدراء ودونية، ولا تتولى أمورها طواويش ما ترحم فقيرها وتنافق أغنيائها. بل تعالوا اليوم نعيد بناء سفينة واحدة فقط تحمل هذا الوطن... بحارتها كلنا، سيوبها جميعنا،غاصتها جميعنا، مجدميها جميعنا، نهامتها جميعنا. وليكن ربانها، هو القلب الواحد بدمه الأصيل بعيداً عن جراثيم التلوث وصوائح الأغراب ونعيق الغربان السوداء. وإذا كان الأوائل هم من بنوا كل تلك السفن العملاقة بفطرتهم الروحية وعشقهم للوطن أفلا نستطيع نحن اليوم بوعينا وحراكنا أن نبني؟ لعمري إن إصلاح ذات البين، بعد أن دس البعض السموم لفترة زائلة، لهو جزء من حركة الإصلاح العامة في البلاد نحن أشد ما نحتاجه اليوم أكثر من الأمس، كي نرسم زمن « الدشة» من جديد على وقع هولو «القفال» بريشة الصادقين من أحفاد جيل الزمن الجميل. أم تُراني من زمن الرومانسية أم الواقعية؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3402 - الجمعة 30 ديسمبر 2011م الموافق 05 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:10 ص

      بعد القتل واستمرار القتل

      نعم اراك من وفي زمن الرومانسيه فرجال البلد قد رحلوا بدون اسف فكل ما بنوه قد دمر من بحر ونخل وبر وهواء واطيار وحتى الذاكره وانقسمت اجيالهم واضائعت البوصلة وهادنت في الطريق الى الأنطواء وربما للرحيل الأخير والأمل سياتي من الشمال والغرب القريب عندها ستكون واقعيا

    • زائر 5 | 4:37 ص

      شكرا

      بسواعد من خارجه، طارئة، مطاطية الولاء. أطرافها غير حقيقية، فهي كالأطراف الاصطناعية البديلة في الجسم، صحيح أنها تعنيك على الحركة والمشي وحتى الركض والضرب والركل بقوة في أجساد ووجوه الآخرين. لكنها في نهاية المطاف هي أطراف اصطناعية لا تقوى على البقاء أمام ملوحة بحر الوطن ورطوبة هوائه التي لا يتحملها إلا أهلها وبس.
      نعم استعرت هذه السطور التي سطرت من قلب حزين وجريح شكرا يا محمد على هذا المقال الجميل

    • زائر 4 | 1:57 ص

      النعيم وبناء الصواري

      لك مني تحية اخي الكاتب وعبرك أحلي تحية لاخونا العزيز نجيب نعم هي النعيم التى بنت الصواري للسفن هم الذين اذا احتاجت البلد لتشييد ليس السفن بل انشاء العمارات والنحت والنجارة فيها فهم رجالوها اهل النعيم لليوم وللغد المشرق نعم العوائل التى منهم توافاهم الله ومديد العمر لمن بقي منهم رحمة منه عليهم اجمعين نعم من اراد صنعة فلا يجدها الا على الايدي الطاهرة التى شيدت وبنت وعمرت وغرست اللبنات الاولي لعصرنة البلد دون تفرقة لبنى البشر فسلامى لكم من النعيم بوعلي

    • زائر 3 | 12:07 ص

      زرع الشجر الطائفي وحصاد الشوك

      لا يتوقع من يزرع الشجر الطائفي ان حصاده سوف يكون وردا وزهورا او ثمرا يانعا كلا والف كلا بل سيكون حصاد هذا الزرع شوك وهذا الشوك لا يستثني من زرعه من الوخز بل سيكون هو اول من يوخز به وتلك تجارب الامم وحكاياتها القديمة والحديثة تثبت حقائق
      معينة وهي ان من يزرع الطائفية يكون هو اول المكتوين بنارها وسوف تطاله هذه النار مهما حاول
      تحصين نفسه لأنه لعب بالنار والنار اذا ارتفعت فلهيبها
      سوف يطال الجميع

    • زائر 2 | 12:05 ص

      تحية واحدة فقط

      لك مني تحية واحدة فقط،لكني ارسل لك من قلبي الف شكر والف امتنان.صفق قلبي حين اشرت لتلك العوائل الموقرة التي بُنيت بحريننا بسواعدهم.فنحن احفاد اولائك الاجداد الذين تنطق بأسمائهم تلال عالي ومقابر باربار ونخيل شارع النخيل وما حوله وما بعده.نعم نحن احفاد هذه الشواطئ التي اندثرت وبيعت بل سُرقت.
      تحية ثانية لك استاذي والف تغريدة لك من بلبل ضاع عشه بل سُلب منه؟؟؟؟

    • زائر 1 | 10:24 م

      من لم يقوى على صناعتها لا يقوى على ركوبها

      انها سفينة الوطن صعبة الركوب كما هي صععبة الصناعة فمن لا يقوى على صناعتها لن يقوى على ركوبها

      ومن لا يجيد قيادتها سيغرقها ويغرق نفسه والاخرين

اقرأ ايضاً