يتجه الإنتاج الروائي العربي اليوم إلى ما يشبه إعادة التدوير في موضوعاته والقضايا التي يتناولها. ذلك الأمر ينسحب على بقية الفنون في الكتابة من قصة وشعر. وإعادة التدوير في الأخير يمكن ملاحظته في ثبات اللغة والرؤى والأخيلة الموظفة فيه، والقاموس الذي يكاد يعاني من انسداد في شرايينه إذا صح التعبير، وتحرّي الإيقاع والهوس به على حساب أطراف وجوانب النص، في حال افتعال يمكن تلمُّسها في الكثير من النصوص.
وبالعودة إلى المنتج الروائي، يمكن الوقوف حتى على جوانب تناوله للقيم، والدوران في المعالجات السابقة والتناولات التي تم استهلاكها، عبر التحايل عليها في توظيفات توهم القارئ أنها في الصميم من الجدَّة، والمغاير من التناول.
ثمة استثناءات من دون شك في هذا المجال، يمكن ملاحظتها في الأصوات الروائية التي انطلقت منتصف السبعينيات ومطلع ومنتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وهي أصوات مازالت تراكم تجربتها أفقياً، سواء من حيث مؤشر التطور في اللغة التي يمكن تلمُّس صعودها، أو من حيث اختبارها لأشكال وتفتيت لبنية السرد السائدة، تلك التي ظلت محل إشكال وعلامة من علامات إعادة التدوير المشار إليها بداية هذه الكتابة، وهي بمحاولاتها تلك وجدت في تفتيت بنية السرد تلك مدخلاً ساهم مساهمة كبيرة في التعاطي مع اللغة وزوايا المعالجات برؤية مختلفة وتوجُّه يتحرَّى الغوص في الإشكالات والتعمُّق في القيم التي يراد طرحها وتناولها في تلك الأعمال. ونأت تلك الأصوات عبر تجربتها عن اللغة المباشرة في السرد، مستعينة بذلك في أنجح تجاربها باللغة في امتدادها الشعري المتوازن الذي يخدم التوظيف، ولا يستسلم في الوقت نفسه للبنية القارّّة منذ عقود.
هل حدث تراجع في القناعة بأن الرواية هي ديوان العرب، بعد أن كان الشعر هو ديوانهم؟
المسألة لا علاقة لها بالقناعة بقدر علاقتها بحجم التأثير ومساحة الامتداد التي استطاعت فيها الرواية أن تتواجد فيها، وتحدث تأثيرها. ثم إن لعوامل التجاذبات، وتخلخل بنية الاستقرار في المجتمعات العربية كان لها الأثر الكبير في صعود أو هبوط المؤشرات في كل منحى من مناحي الحياة، وليس الإبداع على مختلف أشكاله بمنأى عن العلاقة الجدلية تلك.
ما يجعل الأدب في العالم اليوم صاعداً في مؤشراته في عدد من الدول، ومخترقاً الأساليب القديمة، وظهور موجات أدبية وإبداعية هنا وهناك، يكمن في أن الاستقرار والإنجاز المعرفي المتراكم فيها سبب رئيس في صعود تلك المؤشرات.
لا يمكن الحديث عن الانفصال عن إدمان وتكرار مسألة التدوير في موضوعات الرواية وغيرها من الفنون الإبداعية والقضايا التي تتناولها، وثبات اللغة والرؤى والأخيلة الموظفة فيها، والقاموس الذي يكاد يعاني من انسداد في شرايينه، وحال الاستقرار تكاد شبه منعدمة وتعاني أكثر من خريف
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3400 - الأربعاء 28 ديسمبر 2011م الموافق 03 صفر 1433هـ
تحية
نقد جميل استاذة سوسن ونظرة مميزة ثاقبة
تحياتي لك ولقلبك العذب