قتل ثلاثة عشر شخصاً على الأقل منذ يوم الجمعة الماضي في صدامات تجدّدت بين المتظاهرين المحتجين وقوات الأمن في مصر، في الوقت الذي ينادي فيه المحتجون بعودة أسرع إلى الحكم المدني. وجد المصريون العاديون في وجه هذا العنف طريقة لمساعدة من هم بحاجة، حتى من خارج الدولة.
في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 كان خريج جامعي مصري عمره 22 سنة واسمه أحمد يشاهد العنف ضد المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير في القاهرة ليومين متتاليين وقد أصيب بالدهشة، وكان يزداد إحباطاً وخيبة أمل يوماً بعد يوم. كان موجوداً في دبي، وشعر أنه أبعد من أن يستطيع تقديم يد المساعدة. ولكن بعد أن تحدث مع صديق له، جاءته فكرة. قام بإطلاق حساب على موقع التويتر.
«من العالم إلى التحرير» في الوقت الذي تنفصل فيه السياسات والحدود، توحدنا الإنسانية»، كتب أحمد على التويتر. لم تكن لديه فكرة أن @tahrirsupplies ستحصل على هذا العدد الكبير من الأتباع في هذا الوقت القليل. لم تكن لديه فكرة أنه بمساعدة متطوعين آخرين سيتمكن من إيجاد نموذج من المشاركة المجتمعية غير العنفية التي تستطيع إلهام العالم.
عند تلك اللحظة، أخبره نظام الإبلاغ في التويتر أنه حصل على 200 من الأتباع. ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يصبح عدد المعجبين والأتباع 16,000، تبرع الكثير منهم، بمساعدة حساب التويتر الذي قام بمراجعة وبث الاحتياجات الطبية من الميدان أثناء الصدامات، بالوقت والأموال لإيصال اللوازم والاحتياجات إلى الميدان لمعالجة المصابين وإنقاذ الأرواح.
شكل فريق إمدادات التحرير مجرد عدد من آلاف المتطوعين الذين قدموا المساعدة أثناء ثورة نوفمبر. في الميدان نفسه، اهتم رجال ونساء شجعان، بعضهم دون علم أسرهم بالجرحى وقاموا بحماية مسارات سيارات الإسعاف وجرد كميات الأدوية والمعدات الطبية. وبالإضافة إلى السلاسل البشرية التي قامت بحماية المستشفيات الميدانية، وزع الناس أقنعة واقية من الغازات وبسكويت التمر. ولدى انتشار الغاز المسيل للدموع، كان المتطوعون مستعدين بخليط من الماء والخميرة وقطرة العيون وأدوية الربو.
كان معظم الجرحى يتم حملهم من شارع محمد محمود، واجهة الجبهة شرقي الميدان، ونقلهم على الأقدام أو الدراجات ثم سيارات الإسعاف. كان بعضهم مصاب بطلقات نارية أو فاقد الوعي بسبب الغازات المسيلة للدموع.
وفي الأمسيات، كان عويل سيارات الإسعاف يلقي شعوراً بالإلحاح على الجماهير الذين كانوا يهتفون «ليسقط الحكم العسكري»، بينما كان دخان حلقات النار الصغيرة التي أضاءها المحتجون يحمل بقايا الغازات بعيداً. ولكن في وجه العنف الذي يعصر القلوب، والذي نتج عنه ما يزيد على 40 قتيلاً و3000 جريح، كان هناك شعور هائل من الحس المجتمعي. استمر العنف، ولكن مع قدوم اليوم الخامس كانت مستشفيات الميدان، التي أقيمت في المساجد والكنائس مليئة بالمواد الطبية والأدوية.
على مواقع التويتر، وبعد مرور 24 ساعة من إدارة حساب لوازم وإمدادات ميدان التحرير وحده، انضم إلى أحمد ثلاثة متطوعين جدد: طالبان من القاهرة هما يارة وأميرة، وعزة، وهي طالبة دكتوراه تدرس القانون في لندن. تناوبت الفتيات الثلاثة على توزيع المسئوليات وإعداد الجداول والإجابة على الاستفسارات والتواصل مع الأطباء. عندما تزداد إصابات العيون، حيث كانت قوات الأمن حسب التقارير تستهدف عيون المتظاهرين، قامت الفتيات بإطلاق دعوات لتوفير أجهزة جراحة العيون، بما فيها جهاز يبلغ ثمنه 120.000 جنيه مصري (أكثر من 20.000 دولار). خلال خمس ساعات، يقول أحمد، تم جمع ما يكفي من المال لشراء جهازين.
وعندما توجهت أميرة إلى الصيدلية التي ترتادها عادة في القاهرة الجديدة تحمل أموالاً تم التبرع بها وقائمة بالأدوية المطلوبة أخبرها صاحب الصيدلية أنه لم يعد لديه منها لأن الكثيرين جاءوا قبلها لشرائها. وفي مناطق كثيرة أخرى من المدينة كان أصحاب الصيدليات يعطون حسماً قدره 10 في المئة، أو حتى يقدمون الأدوية مجاناً. وفي الشارع، سارت أميرة وهي تشعر بالتواضع والفخر أمام أناس لم تقابلهم من قبل يحملون يافطات كتب عليها «إمدادات ميدان التحرير» في نقاط خصصت لتقديم التبرعات والمساعدات.
وفي نقطة أخرى عبر نهر النيل، قضى محمد، وهو مهندس يبلغ السابعة والعشرين من العمر جزءاً من الأسبوع يقفز درجات مبنى مكتبه إلى سيارته لتسلّم الدواء والطعام من غرباء، ليقود سيارته بعد ذلك إلى المستشفيات الميدانية في الميدان. وعندما توقفت سيارته عن العمل قدم له أكثر من خمسة من المشاركين على التويتر عروضاً للمساعدة بسياراتهم.
في نهاية شهر نوفمبر، هدأ موقع «إمدادات التحرير» على التويتر لمدة ثلاثة أسابيع. بقي الحكم العسكري، ولكن مصر عقدت أول انتخابات برلمانية منذ عهد مبارك. أطلق محمد موقع «الوطنيون المصريون» مع ما يزيد على 35 صديقاً ومعارف جدد على التويتر، لتوفير المتظاهرين المصابين بدعم طبي على المدى الطويل. وفي ميدان التحرير، أعلن أحد المستشفيات الميدانية أنه سيبقى مفتوحاً أمام الجمهور في كل يوم جمعة، وذلك بفضل التبرعات العامة.
ولكن العنف اندلع مرة أخرى يوم الجمعة، وفي خضم تغطية حيّة للصدامات وصور مروعة لنساء يتعرضن للضرب على أيدي قوات الأمن، عادت «إمدادات التحرير» إلى العمل. كانت القصة الإيجابية الوحيدة بين الأطباء المتطوعين المنهكين الذين كانوا يتسلمون الجرحى على أطراف ميدان التحرير أن لديهم كميات جيدة من الإمدادات واللوازم الطبية ولم يكونوا مضطرين لطلب المزيد.
عند كتابة هذا المقال، وكان موقع «إمدادات التحرير» الذي أصبح يضم 18000 من الأتباع، ينادي بالتبرع بالدم لمهندس مصاب في المستشفى، ويشجع أتباعه بتعلم أساليب الإسعاف الأولي. وعلى التويتر، اقترح غطاس أن يقوم مدرسو الغطس بمد يد المساعدة.
هذه مجرد فكرة أخرى قدمها أحد المصريين الكثيرين لتحقيق فرق في دولة أصبح المصريون اليوم يشعرون أنها دولتهم
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3400 - الأربعاء 28 ديسمبر 2011م الموافق 03 صفر 1433هـ