لا أعتقد أن السؤال الوارد في العنوان صادم أو غير متوقع، فالواقع الغريب والمؤلم الذي نعيشه يرمي في وجوهنا يومياً عشرات من مثل هذه الأسئلة، التي تبدو أنها عادية وبديهية، إلا أن الإجابة عليها تحتاج إلى ثقافة وطنية وحقوقية وإنسانية، كما تحتاج إلى قيادات وقواعد قادرة على التمييز بين الحقوق الإنسانية القائمة على العدل والمساواة وحرية الممارسات الدينية... وبين إخضاع هذه الحقوق للرؤى الأيديولوجية وللحسابات السياسية الطائفية وحدها.
وأهمية هذه الثقافة تبرز بوضوح في المنعطفات التاريخية والمصيرية التي تواجه أي شعب من الشعوب، لذلك ليس من المتوقع أن تكون الإجابة على هذا السؤال قاطعةً وحاسمةً في مثل هذه الظروف! إذ تبقى التقديرات والحسابات الخاصة عاملاً أساسياً في تحديد نوع وطبيعة الإجابة، لذلك سنرحل هذه الصيغة الإشكالية إلى نهاية المقالة، ولكن قبل ذلك أريد أن أشرك القراء الكرام معي في هذه القصة الواقعية، لما تحمله من دلالات وما تكتنزه من دروس تفرض على الواحد منا أن يقف مع نفسه وقفة صدق وتجرّد، قبل أن يحدد ما هي أولوياته كمواطن في مثل هذه الظروف الحرجة.
القصة من سورية التي تعيش حالياً أزمة مريرة، على كل المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية، أزمة امتدت انعكاساتها الخطيرة على حياة الناس وعلى علاقات التعايش بين بعضهم البعض في المدينة الواحدة، والمنطقة الواحدة، والأسرة الواحدة. فالمجتمع السوري كما نعرف يتميز بالتعدد والتنوع الديني والمذهبي والعرقي، لكن تفاصيل «القصة» تكشف كيف يمكن لهذا التنوع المجتمعي الطبيعي أن يتحول إلى «كابوس» بل إلى كارثة مجتمعية مدمرة إذا ما جرى استغلاله أو توظيفه في الصراعات السياسية، كما هو حاصل اليوم في العديد من الدول العربية التي تجتاحها موجات من الثورات والاحتجاجات الشعبية للمطالبة بحرياتها وحقوقها الإنسانية.
إن هذه القصة بكل تفاصيلها المؤلمة تختصر معاناة وطن وشعب من خلال مأساة أسرة مزقها التعصب الطائفي وعصفت بها الخلافات المذهبية، بعد أن كانت حتى الأمس القريب تعيش بسعادة وهناء بعيداً عن السياسة والطائفية. فالتفاصيل كما تنقلها صحيفة «الحياة» (عدد الإثنين 12 ديسمبر/ كانون الأول 2011) نقلاً عن صحيفة «صنداي تلغراف» البريطانية، تتحدث عن عائلة ضابط سوري برتبة «رائد» انشق عن الجيش النظامي واضطر إلى ترك سورية والهروب إلى لبنان، رغم أنه يعيش ظروفاً معيشية جيدة ويتمتع بمركز اجتماعي مرموق مقارنة بغيره من السوريين، تاركاً خلفه زوجته وأولاده. وما يجعل المرء مذهولاً أن أسباب مأساة هذه العائلة تكمن فقط في أن هذا الضابط ينتمي إلى الطائفة «السنية»، وزوجته من الطائفة «العلوية» المحسوبة على النظام، ما يعني أن كليهما يختلف في تقديره ورؤيته لما يحدث من تطورات في سورية، وفي الموقف من النظام وسياساته. فالزوجة من الداعمين للنظام، وتعتقد أن المتظاهرين يقومون بأعمال تخريب وقتل الجنود العلويين، لذلك تصب جام غضبها على «الجيش المنشق» الذي التحق به زوجها، كما أنها ترى في مواقف المعارضة خيانةً وطنيةً لأنها تطالب بالتدخل الخارجي.
أما الزوج «الضابط فهو يرى ما لا تراه زوجته، حيث يتم قتل المتظاهرين السلميين برصاص القوات الموالية للنظام، ويرى في ذلك جريمة كبرى، كما يرى حجم الانتهاكات والإهانات التي يتعرض لها المواطنون السوريون في السجون وفي مواقف التوقيف وعند نقاط التفتيش، وعندما كان ينقل لزوجته هذه الحقائق لم تكن تصدقه أو تتفق معه، لذلك يصر على موقفه في مقاتلة النظام، ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية قد يخسر معها بلده وأسرته إلى الأبد».
يقول هذا الضابط كما تروي الصحيفة، أنه منذ قرر هجر أسرته والفرار من الجيش هو يعيش صراعاً مريراً وأزمة كبيرة داخل الأزمة! كما يشعر بنزاع داخلي وحسرة بالغة، ولا يمر عليه يوم دون أن يبكي عندما يتذكر زوجته التي تركها تواجه أزمتها وحدها مع طفلين: صبي يبلغ 14 سنة، وفتاة عمرها 11 سنة، وهو يخشى من أنه قد لا يتمكن من رؤية أسرته مرة أخرى، وربما خسرهم للأبد.
هذه الأسرة التي تمثل إحدى ضحايا الفكر الطائفي والعصبية المذهبية ليست الوحيدة بكل تأكيد، فهناك العشرات وربما المئات من الأسر التي تعيش مثل هذه الحالة، وتدفع ثمن العنف الطائفي بدرجات وأشكال مختلفة ليس في سورية وحدها، إنما في جميع الأقطار العربية التي تعيش مجتمعات متشابهة من حيث التعدد الديني والمذهبي، وتعصف بها اليوم أزمات سياسة واجتماعية وأمنية تهدد وحدتها الوطنية وتضرب أساس التعايش فيها.
نحن في البحرين بالرغم من الأوضاع المتأزمة التي نعيشها، ورغم التداعيات السلبية والجراح والأحزان التي خلفتها الأزمة، لم نصل بحمد الله إلى هذا المستوى المخيف والخطير من التطرف والعنف الطائفي، وفي تقديرنا أن كل الأحداث المفتعلة التي ترمي إلى جرّ البلد إلى أتون هذه «المحرقة» سيكون مصيرها الفشل بعون من الله، وبوعي كل مكونات هذا الشعب التي تدرك خطورة الانزلاق إلى الاقتتال الأهلي، كما تدرك الدوافع الحقيقية لدعاة الفتنة ومروجيها.
كما أنه ليس لدينا «ضباط» ولا «جنود» منشقون ولاهم يحزنون للأسباب التي عرفها الجميع.
إن كل الحراك الشعبي، وكل التظاهرات والمسيرات هي في جوهرها، وفي طبيعة أهدافها سلمية ومشروعة، وبعض الحالات التي تخرج عن هذا السياق وتصاحبها بعض مظاهر العنف أو الحرق وسكب الزيت هي حالات استثنائية وقليلة ومرفوضة، ولم تحظَ يوماً بقبول أو تشجيع أحد في المجتمع أو من القوى السياسية المعارضة.
ما أريد أن أخلص إليه من هذا الاسترسال هو أن الرؤية أو المقاربة الطائفية للأحداث وللتطورات السياسية سواءً في بلدنا أو في الساحة العربية، حتماً سوف تصيب أصحابها بالعمى السياسي والأخلاقي، وتجعل منهم مجرد أفراد خاضعين لغرائزهم الطائفية، مسلوبي العقل والإرادة، وبهذه الحالة هم غير قادرين على تبصر النتائج أو العواقب الخطيرة لمثل هذا السلوك أو التفكير الجنوني.
وبالعودة إلى القصة السورية، ومحاولة قياس أو «إسقاط» بعض تداعياتها على أوضاع بلدنا، ليس من حيث مستوى عنف الأحداث في البلدين، إنما من زاوية النظرة وتحديد الموقف تجاه الأحداث، بمعنى هل الذي يحكم رؤيتنا للوضع هنا وهناك، النظرة الطائفية المنحازة، أم النظرة السياسية الوطنية والقومية المحايدة؟
فالنظرة الطائفية سوف تجعل الضابط المنشق عند البعض بطلاً يستحق الإعجاب، لأنه يتصدى لنظام سلطوي قمعي، ولأنه يرفض قتل المتظاهرين السلميين. وهو عند فريق آخر، ضابط «خائن» لأنه يقاتل جيش بلده، ويقتل زملاءه من الجنود فقط لأنهم ينتمون إلى طائفة غير طائفته! وأنه يتآمر على بلده مع قوى خارجية.
والانقسام ذاته سينسحب على زوجة هذا الضابط، هناك من سيقول عنها بأنها «عميلة» للنظام السوري، وهناك من سيصفها بالمرأة «الوطنية» التي تدافع عن بلدها وشعبها، وترفض كل التدخلات الخارجية أو تدويل أزمة بلدها الداخلية!
بالوصول إلى هذه النقطة لا أعرف إن كنا متفقين أم لا على المغزى الحقيقي من استحضار هذه «القصة» والركون إليها في مقاربة الأوضاع في بلدنا، بغرض استخلاص بعض الدلالات، وإجراء نوع من المقابلات بالنسبة لتطور الأحداث، وبالتالي الوقوف على حقيقة المواقف عند بعض القوى السياسية والمجتمعية، والتي هي للأسف غالباً ما تتصف بالازدواجية والانتقائية، نظراً لغياب المعايير الوطنية والمبدئية والأخلاقية، في اتخاذ تلك المواقف.
وما نريد قوله هو أن طأفنة القضايا والأحداث، وغياب الوعي الوطني هو نوع من الأمراض الاجتماعية القاتلة، وهي تعني أن المرء يعاني من حالة خواء فكري وإنساني، ويفتقر إلى الموضوعية والمبدئية، وبالتالي هو غير قادر على وضع هذه القضايا والأحداث في إطارها الصحيح الذي يقوم على المعايير السياسية والوطنية المعروفة وينشد المصلحة الوطنية وحدها، وهي (المصلحة) التي يمكن أن تتحقق فقط عندما يتم حصر الصراع بين قوى المجتمع في إطاره السياسي، وعندما تتوفر مقومات دولة المواطنة والحرية للجميع، حيث لا معنى ولا قيمة للحديث عن أغلبية وأقلية لأن الجميع متساوون أمام مبدأ المواطنة، وعندما توجد سلطة سياسية تقف على مسافة واحدة من جميع القوى المتصارعة، من أجل تفويت الفرصة وقطع الطريق على كل المحاولات الرامية إلى جر الخلافات إلى صراع طائفي مدمر
إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"العدد 3399 - الثلثاء 27 ديسمبر 2011م الموافق 02 صفر 1433هـ
طأفنة الحقوق الانسانية ------ أحمد فاخر
ربما تتذكرني عندما قابلتك في قرية ابو صيبع وبالتحديد في المأتم الوسطي في فاتحة احد رموز القرية من عائلة التاجر وكان معك الاستاد علي ، حينها عبرت عن اعجابي بمقالاتك ، نعم ان الانطلاق من الذهنية الطائفية في الدفاع عن الحقوق الانسانية هي كارثة وطنية تمزق النسيج الاجتماعي للوطن ، هذه النظرة والانطلاقة لا تدافع عن الانسان بحد داته انما عن رؤية طائفية منفصلة عن الوطن وغايتها الحفاظ على بقاء الطائفة وسيادتها وليس الانسان والوطن وهذا بالضبط ما يجري في وطننا نتيجة لغياب الثقافة الوطنية وسيادة الطائفية
أين القيادات
هنا يأتي من يشار إليهم بأنهم قيادات للأطراف كافة يجب أن يهبوا لنبذ الطائفية ليس كشعار يردد، ولكن كخطوات إجرائية جادة وصادقة تبدأ بالتنظير ومن ثم العمل على كل مايثير أشقائنا في الوطن من نبذ العنف علانية وشجبه وايقافه، وعدم الإساءة لرموز أي طرف واحترامها، أم نريد لبننة البحرين، أو عرقنتها، وطننا الغالي يستحق منا أكثر
عبد علي البصري
طأفنه الخلاف السياسي ، هو ليس بالجديد ولا بالمستحدث ولاهو من عبقريه احد وأنما هو من زمن الفراعنه ((يستضعف طائفه يقتل ابنائهم .....)) ، ومن ازمنه الترادف الزمني على البحرين . ومن زمن الخلاف الديولوجي السياسي العثماني ، هو كذلك كان . وأراده الشعب اليوم يجب تتقدم بحذر شديد فلا تنساق مع التحفيز الطائفي الذي بدأ منذ فجر الفكر التغييري ،(( وللاسف على السنه حمله شهادات الدكتوراه ؟؟!)) ولم تقابل هذه الترهات بمثلها ولله الحمد .
اللعب بالنار
توظيف الطائفية لعب بالنار والنار لن ولن تقف عند حد اذا ما اشتعلت أو أشعلت بل سوف تأتي على مشعلها أولا وما نقرأه ونشاهده يوميا يجب ان يكون لنا درسا
لكن قاتل الله السياسة اسلحتها قذرة
ومنها التوظيف الطائفي البعيد عن كل القيم الانسانية والدينية والقانونية
وهي تأتي في سياق فرق تسد
.......
...........