في 2011 اكتشافٌ متجددٌ لروحٍ تنبض بالحياة تتمرد وتفُك اللغز في حراك المدن الثائرة، تجترح لحظة التاريخ المختمرة، تتداعى في نسيم ربيعها أصوات الحناجر بنشيد «إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر...» فيكون عنوان المرحلة «الشعب يريد....»!
عرّج 2011 وفي داخل ممراته وعلى جدرانه بلاءٌ وبؤس بلون كالح شديد الاتساخ، عامٌ أغلب أيامه مسروقة من أعمارنا، أما بقيتها فهي كتلّ مظلمة لا يضاء فيها نور، عرّج ثم انسحب سريعاً مبكراً عن الساحة قبل بلوغ أهدفه، لما لا وقد لعبت وسرحت ومرحت في أرجائه خفافيش الليل وفئران النهار، لكن عمل الثعابين كان الأقوى والأمضى.
***
في ذاكرة 2011 صوراً وتواريخ وسيل متدفقّ من حكايات الغواية والأقبية بعضها ترشفه كماء زلالٌ نظيفٌ رقراقٌ، بعضها كالوحل أقرب إلى ماء الصرف الصحي، تنصهر تلك الحكايات، لا تتجانس لافتقار بعضها لروح الصدق وثقافة النزاهة، أحدثت صدمة وخلفت حزنٍ وأنين كما تركت أرواحٌ تحتضر ولا من مغيث.
***
الحقيقة أن وجه 2011 دميم، أماط اللثام عن قبح كان مستوراً في صالات الدردشة والأفئدة، بدأت نهايته تتجه نحو النفايات، عامٌ ليله لزج بالأدخنة، غابت عنه الكياسة، كثر فيه الكذب والغش والتدليس، انتشرت فيه الوشاية وما أدراك ما سر الوشاية التي ساقت المئات إلى الغرف المظلمة تحت يافطة وظيفية مزدوجة ذات بعداً تربوياً في الواجهة ومن الواجهة الأخرى تفردت بممارسة مهارات التحقيق بالسؤال والتدوين لماذا: كنتم (...)؟! هل الوشاية هواية، خوف، مهنة؟ ربما هذا أو ذاك! هل هي قيمة أو لا قيمة؟ لِمَ لا؟ في حقيقة الأمر: الوشاية صارت مهنة الفاشل الذي لا مهنة له، غدت مصدراً من مصادر ارتقاء السلم الوظيفي والدخل الإضافي الذي يسجل في الموازنة تحت بند «ساعات عمل إضافية»، وهي - أي الوشاية - مقرونة ببيع صور يتم تبادلها بعد رسم مربعات ومثلثات ودوائر حولها معلَّمَة بأسهم خارجة وداخلة، صار معها الممثل اللامع والمسرحي المشهور والأديب الأبهة والكاتب الفهلوة والمعلم والطبيب والمدير... إلخ، واشياً أو محققاً أو الاثنين معاً، إنه عالم فن دوائر 2011 يا غبي ويا عجبي؟!
***
في 2011 خمد الدين عند البعض ونام، البعض أودعه الخزائن لأجل غير مسمى، خمد معه صوت العقل والضمير، ففيه لم يعد للدين والتربية مكان، حجم الشتائم والقذف والسباب في حفلات المساء كما ردح الصباح مقروناً باستراق السمع والتقصي والغيبة والنميمة التي غدت طقساً يومياً بل قل فرضاً من الفروض الخمسة تكاد تحطم أرقام موسوعة «غينيس». يا للعجب انزلق 2011 إلى قاع القاع، فلا حرية ولا أمان بعد الاستباحة والتطهير، بدا شكل العام قبيحاً ومضمونه معاقاً، إنه عام الشؤم، جنازة وراء جنازة، الواجهات تتغير مع كثرة الباعة المسترزقين الجوالين ممن يرون في ذواتهم أبطال «كتاب المرحلة» والكتاب غالباً ما يقرأ من عنوانه، لكم أن تتخيلوا قدر تشقلب الباعة ببضاعتهم الرخيصة؟!
***
قال أحدهم في 2011 «إن القانون هو السيف القاطع الباتر»، بيد أن «الوشاية» تموضعت في شعارٍ من اللؤم وأعلنت أنها في خدمة القانون، فكان الزواج كاثوليكي بينهما، أنجب مخلوقاً أرعناً عابثاً غير مسئول يعوي عواء الذئاب ليلاً، ينهش في الأجساد الهزيلة ويتغذى عليها، أحياناً يتحول إلى فصيلة الزواحف الذين يغيرون جلودهم في حضرة ما يسمى «قانون» كيفما كان وكما يشاء، المهم تأدية التحية بعبارة: حاضر، أمرك سيدي!
***
في2011 صادفت يافطة كتب عليها بالعربي «ممنوع الخروج» أسفلها كتبت ترجمتها باللغة الإنجليزية بعبارة «NO PARKING» المعنى بين العبارتين لغوياً مختلف جملة وتفصيلاً، فممنوع الخروج لا يعني ممنوع الوقوف. ضحكت ملء شدقي، شر البلية ما يضحك. لاتزال وزارة العمل تصرّح يومياً رداً على احتجاجات واعتصامات المفصولين من أعمالهم ظلماً بسبب الوشايات والتعبير عن آرائهم، هم يطالبون العودة لأعمالهم وتعويضهم ورد الاعتبار إليهم ودفع مرتبات لهم من صندوق التعطل الذي ساهموا فيه من أموالهم طيلة سنوات مضت فلا منة ولا منحة. يأتي الرد باهتاً مماطلاً شبيهاً بعبارة NO PARKING»: «لقد عاد بعضهم إلى العمل، أنشأنا لجنة تقصي، وبصدد إنشاء أخرى لبحث القضية، سيتم تكريم العمال المجدين في غياب النقابات وأصحاب الأعمال...» تتكاثر التصريحات تباعاً في سوق البورصة تؤكد عودتهم لأعمالهم مع مطلع العام 2012 وهلم جرا، هل سيعودون أم لا؟ الأحسن أن يرد الواشون من إخوان الشياطين على السؤال، إذ لديهم الخبر اليقين؟!
***
في 2011 صادفت اللامنطق بكثرة حد الفكاهة، صورة لسيارة أجرة في إحدى دول الشرق، كتب إلى جانب رقمها عبارتين أحدهما على اليمين تشير إلى أن «قائد السيارة من المحاربين القدماء»، أما على شمال رقمها كتبت عبارة تشير إلى أن «اسم صاحبها من مواليد سلاح الإشارة». يافطة أخرى معلقة على إحدى المدارس تشير إلى «وجود فصول بالمدرسة». في المؤتمرات الدولية تنتفض كل دولة عارضة كم إنجازاتها للعالم على كل الأصعدة ولإظهار أنها أولى الأوائل، لتنتهي من وجع الرأس وجلسات المحاسبة والمحاججة إزاء التزاماتها الدولية، إنجازات تعرف أولها ولا يدرك نهايتها، بيد أن أرقام العوز والفقر والبطالة وشواهد الفساد تكذب الإنجازات الورقية، تثبت أنها إنجازات فقاعة في الهواء، وهي من قبيل الإعلان عن وجود فصول في هذه المدرسة!
***
الآن، بانتظار الوافد الجديد 2012، يعترينا الأمل بأن نعيش أيام الوعد، أن تعلى رايات الحرية في كل بيت، يعود فيه المغيبون من محابسهم ومنافيهم... ومع كل «إيلي صار وبدو يصير» نغني مع فيروز «الله كبير...الله كبير». كل عام وأنتم أحرار من سطوة «2011 وموبقاتها»
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 3399 - الثلثاء 27 ديسمبر 2011م الموافق 02 صفر 1433هـ
صادق
رصد جميل ومعبر ، صادق حتى النزف نتمنى ان يكون القادم أجمل
كل عام وانت بخير
عزيزتي منى مقال رائع يشى بالكثير ، و لعل من وضعوا دينهم في الأدراج أن يعلموا بأن الأدراج لاتستطيع ان تخفي عين الله التي ترصد كل شئ بعد ان غيبوا و قتلوا شهداء جرائمهم . شكرا لك و كل عام وانت بألف خير .
شكرًا للأقلام الصادقة
شكرا لك ايتها الاخت الفاضلة علي هذا المقال الرااع والجري
العام 2012 سيتلو العام 2011
كما أنت موقنة من أن العام 2012 سيتلو العام 2011 , وان النهار سيتلو الليل ويبدد ظلامه فكوني على يقين من ان القادم خير مما مضى
واعلمي علم اليقين الذي لا يقبل الشك
ان أيام الفرح على بعضهم تمضي سريعا ولاتعوض وهم في خوف مما هو قادم
وكما قيل الناس من خوف الفقر في فقر
وأيام الحزن تمضي وما هو قادم خير منها