العدد 3398 - الإثنين 26 ديسمبر 2011م الموافق 01 صفر 1433هـ

روائع أدب السجون!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يبدأ الروائي عبدالرحمن منيف رائعته «شرق المتوسط» بوصف السفينة «أشيلوس»، التي تهتز وتترجرج كأنها ديكٌ مذبوح!

كان يتكلّم بلسان بطل الرواية الذي خرج توّاًَ من السجن، ويركب البحر إلى أوروبا للعلاج من مرضٍ خطير. ولم يحدّد منيف الدولة التي خرج من معتقلاتها، إلا أن القارئ قد يفهم منها سورية أو العراق أو حتى الأردن... فكلها بلدانٌ تقع شرق المتوسط، ولها تجارب فذّة في عمليات طحن عظام المعارضين.

هذه الرواية مرثيةٌ للسجناء العرب من المحيط إلى الخليج، وعندما يقرأها السجين يرى فيها وجهه، ويقرأ فيها معاناته وعذاباته. حين قرأتها لأول مرةٍ في الثمانينيات ظننته عراقياً، يكتب توريةً، مرةً عن سورية كما في هذه الرواية، ومرةً عن إيران كما في «سباق المسافات الطويلة»، التي يسجّل فيها تفاصيل الصراع على نفط إيران، والانقلاب الذي دبّرته الـ «سي آي ايه» على مصدّق. ودُهشت حين عرفت بعد سنوات أنه وُلد في الأردن لأب سعودي وأمٍّ عراقية، ولكن خبرته في مجال النفط ومعرفته بتأثيره في الصراع الدولي على منطقتنا، قاده إلى كتابة مثل هذه الروايات «المسيّسة»!

منيف من أعظم الروائيين العرب، درس في العراق حتى طُرد منها في الخمسينيات، وانتقل إلى القاهرة فبلغراد، ثم إلى دمشق وبيروت، ليعود ثانية للعراق 1975 ويغادرها 1981 إلى فرنسا، ثم ليحط الرحال أخيراً في دمشق 1986، حيث تفرّغ للرواية حتى أغمض عينيه عام 2004.

منيف سُحبت منه جنسيته في الستينيات ومُنعت كتبه، وعاش متغرباً، وكتب روايات ستبقى حيةً لعقود. وتكمن ريادته في أنه أول من أسس لأدب السجون، بروايته المؤثرة التي يعتبرها النقاد أول رواية عربية تفضح ما يجري في السجون العربية من جرائم وفظاعات.

الرواية التي استقبلها الجمهور العربي بتلهُّف، أثارت حنق الأنظمة، فهي تكشف أسرار المعتقلات والسجن السياسي الذي أصبح واحداً من أهم مواضيع الرواية العربية، حيث أخذ طريقه للترجمة إلى اللغات الحيّة، وليتعرف العالم الخارجي على ما يجري في هذه المنطقة من العالم.

بطل الرواية رجب، قضى عدة سنوات في السجن، ولكنه في لحظة ضُعف ينهار ويعطي السجّان ما يريد، ويخرج للعلاج. لكن عذاب الضمير يظل يلاحقه، ويعاني معه أقرب الناس: أمه وأخته أنيسة وزوجها حامد. كل هذا التعاطف من الأسرة لا يخلصه من تهمة التخلّي وخيانة الرفاق.

من خصائص أسلوب منيف، أنك تشعر أنه يتكلّم عن تجربة شخصية، فلا يسرد مثل هذه التفاصيل إلا من عاشها، أما في سيرته المتاحة فلا تقف على أنه تعرّض إلى سجن أو تعذيب، بل عمل خبيراً نفطياً في عراق صدّام. ومع ذلك يلقي لك بكلمة لنيرودا ربما تعبّر عن فلسفته في توثيق فظاعات السجون: «ليحتفظ دمي بنكهة الظل الذي لا يستطيع السماح بالنسيان». ويختار بعض مواد «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» مقدمة لروايته: «يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق. لكل إنسان التمتع بكافة الحقوق والحريات دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي. لا يعرض أي إنسان للتعذيب أو العقوبات القاسية أو الحاطة بالكرامة».

أدب السجون من أنضج وأقوى ما أنتجه الروائيون العرب في العصر الحديث، بعضهم كتب عن تجربة وبعضهم استلهمها من خيال... فهل سيتفتق الربيع العربي عن مكتبةٍ كاملةٍ من أدب السجون؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3398 - الإثنين 26 ديسمبر 2011م الموافق 01 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 2:43 ص

      ما اروع اسم المقال (( الحقيقة المرة ))

      الله يخليك يا سيد بصراحه مقالات فى الصميم والاسم يكفى وهو يذل على ان السجون فيها الكثير من العباقرة وان الزمن والمصالح لا تستطيع ان تمحى عبقريتهم رغم انهم فى السجن ... وان السجون فى بعض الاوقات ان امن على الشخص من الحكومه والبلد الذى يعيش فيه ...... ولد ديرتك ابو حســــــــــــــــــن

    • زائر 15 | 2:27 ص

      سجين

      سيدي العزيز بدأت اكتب بعض مذكرتت السجن التي مررت بها في الرابع عشر من فبراير فقد كانت الايام قاسية جدا ولكن بحمد لله تجاوزت الالم وبدأت بالامل واسال الله التوفيق لاكمال ما بدأت

    • زائر 13 | 1:40 ص

      اوائل السبعينيات

      كنا نحوز كاسيت صوت الشيخ امام وكلمات اخوه وصديقه احمد فؤاد نجم بالسر ومن يعثر لديه يستمعه يزج به فى غياهب العتمات بسلطة قانون سيء الصيت وتضحي الكلمات دندنتنا وراء القضبان اسوة بمن خرجت من فمه الكلمات ومكانها الدافيء تحت زقزقة العصافير بعيدا وراء الشمس الغائبة نعم الدندنة لتقوية عود وعضد المناضلين ومازالت سيما قوله "ذاك السجن والسجان.."

    • زائر 12 | 1:35 ص

      أمل البحرين

      نعم المقال , لقد ذاقوا اهلنا هذه العذابات من السبعينات الى الآن . لو اكتب ليلا ونهارا عنها لأبكت الصخر .وما الصبر الامن عند العزيز الجبار. الهم فرج عن جميع المعتقلين.

    • زائر 11 | 1:13 ص

      لايضيع البلد

      لانريد ادب السجون
      نريد ادب الحرية
      نريد الشمس و الازهار و النخيل و الحرية تفوح من الادب البحريني
      الحرية لاصحاب الكلمة الحقة و الصادقة التي تدخل القلب

    • زائر 9 | 12:39 ص

      امهات المعتقلين والمعتقلات

      سيدنا ليس المعتقلون الذين يعانون بل ان امهات المعتقلين والمعتقلات يعانين ويحتاجون ال جلسات علاجيه نفسيه بسبب الصدمات التي يكابدونها ليل نهار لكن رحمة الله الواسعه تحيل الالم الى امل مع مرور الوقت ومع استيعاب الصدمة حينها يستطيعون كتابة مجلدات عما كابدوه بين الم الفراق وامل العود ساعد الله قلبك يا نبي الله يعقوب

    • زائر 8 | 12:31 ص

      مكتبة كاملة

      البحرين بروجها تحتاج إلى مكتبة. خلنا ساكتين سيد.

    • زائر 7 | 12:02 ص

      يا الله

      يا الله فك قيد كل معتقل.

    • زائر 6 | 11:56 م

      سلمت يمناك

      موضوع جدا جميل وهادف

    • زائر 5 | 11:55 م

      الله يرحمه ... صحيح ... الله والحرية وقذارة الزمن.

      قاتل الله الظلم والجهل سواء.

    • زائر 4 | 11:38 م

      جميل جدا

      بارك الله فيك

اقرأ ايضاً