كما بدأته في 14 يناير/ كانون الثاني 2011 ها هي تنهيه منذ يومين: انتقال ديمقراطي سلمي من حكم الديكتاتور المخلوع إلى دولة ديمقراطية مدنية تقود العالم العربي بأسره نحو مرحلة جديدة من تاريخه.
لقد كانت هذه السنة حبلى بالحوادث البارزة سواء بسقوط بعض الأنظمة العربية أو بموت بعض الشخصيات البارزة (أسامة بن لادن، معمر القذافي) لكن الثورة التونسية وخاصة في مرحلة البناء والانتقال الديمقراطي ضربت أروع مثال: حيث إن الهدم قد يكون سهلاً بعد سقوط حاجز الخوف عند الشعوب العربية لكن الأصعب هو البناء وأي بناء: إنه بناء دولة من جديد بما تركه النظام السابق من إرث ثقيل تنوء به أغنى الدول وأعرقها في التنظير للديمقراطية أما التطبيق فذلك من اختصاص من رفع شعار: «الشعب يريد...»، وها هو القدر يستجيب وتكتمل عرى الدولة الجديدة في مرحلتها الانتقالية فلقد انتهت أخيراً من تركيز السلطات الثلاث المجلس التأسيسي ورئاسة الجمهورية وأخيراً مُنِحت الحكومة الجديدة الثقة بغالبية مريحة لتتحمل «الأمانة»... أمانة تحقيق أهداف الثورة.
إذن هذه الحكومة أمام تحدٍّ كبير ليس أقله ما بات يعرف اصطلاحاً في تونس بالمعارضة حيث رفضت أحزاب كثيرة الائتلاف مع الترويكا (النهضة والتكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية) وشكلوا معارضة لا تدخر جهداً في نقد كل كبيرة وصغيرة وهي بذلك تعطي طعماً جديداً للديمقراطية التونسية.
ولئن كان الحدث الأخير ـ تشكيل الحكومة ـ هو الذي أسال لعاب المعارضة أكثر فذلك لأن منصب رئيس الجمهورية لم يتولَّه من لا يستحقه فالدكتور محمد المنصف المرزوقي علامة مضيئة في تاريخ النضال الحقوقي التونسي والعربي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر له من الكاريزما ما يؤهله لأكثر من منصبه الحالي.
أما الحكومة برئيسها المهندس حمادي الجبالي وأعضائها الواحد والأربعين فقد كانت محل جدل وانتقاد أبان عن وعي سياسي لدى عامة التونسيين وخاصتهم.
لكن لنبدأ من البداية فبعد انتخاب المجلس التأسيسي نادى الكثير بحكومة ائتلاف وطني وحكومة وحدة وطنية وحكومة تكنوقراط لبناء المرحلة المقبلة.
ودعا الكثير أيضاً إلى الإبقاء على بعض وزراء حكومة السيد الباجي قايد السبسي لأنه من غير المعقول أن تبدأ الحكومة الجديدة من الصفر في بعض الملفات التي بدأت فيها الإصلاحات ودعا البعض إلى حكومة سياسية لا حكومة تكنوقراط حكومة ائتلافية من الأطراف الفائزة في الانتخابات ورأى آخرون أن تكون حكومة مصالحة وطنية حكومة تخدم مصلحة الوطن قبل الأحزاب يتجسد فيها التغيير الذي يريده التونسيون عامة.
ولا مانع من أن يكون داخل هذه الحكومة بعض التكنوقراطيين على شرط أن لا يستنقص فيها دور السياسيين لأن الأحزاب والشخصيات السياسية الوطنية لها تصوراتها المدروسة وبرامجها ورؤاها الوطنية الشاملة. وتقريباً سارت اختيارات الجبالي في هذا المسار فكانت حكومة كفاءات من داخل الائتلاف الثلاثي فضلاً عن بعض المستقلين.
لكن من أبرز الانتقادات بعد الإعلان عن الحكومة الجديدة هو قضية الوفرة العددية حيث رأى فيها المعارضون إجحافاً على موازنة الدولة لكن الأستاذ عبدالفتاح مورو المعين مستشاراً قانونياً لرئيس الحكومة الجديدة بمرتبة وزير يرى أن قضية العدد جزئية وإن كانت الحكومة تريد التجاوز والتصدي لكامل الملفات والإجازة فيها بسرعة فهي تحتاج إلى عدد كبير من الوزراء حتى لا تتأجل الملفات والقضايا.
كما أخذت المعارضة بيان الحكومة من جهة كونه بيان حسن نوايا لا أرقام فيه ولا توضيح لآليات تنفيذ ما تعد به من توفير مواطن شغل... وقد أجاب أحد أعضاء النهضة (وليد البناني) بأنه لا يمكن إعطاء أرقام إذ إنها ستظهر في القانون المالي الانتقالي وأما آليات تنفيذ برامج كل وزارة فستتحدد عندما تطرح عليها الملفات في إطار الشفافية والتواصل مع الإعلام والرقابة.
أما المتفائلون فقد رأوا أن بيان الحكومة قد أعطى إشارات مطمئنة خاصة بتصدر ملف عائلات الشهداء والجرحى وتحقيق مطالب العاطلين عن العمل وتحسين القدرة الشرائية للمواطن سلم أولويات برنامج الحكومة.
وعموماً فإن الحكومة الانتقالية المنتخبة ديمقراطياً ستسعى إلى تحقيق ما يمكن تحقيقه خلال مدتها الزمنية المحدودة وليس من الضروري حسب الناطق الرسمي باسم الحكومة (سمير ديلو) أن تستكمل تحقيق البرنامج كاملاً ولكن تحقيق الإجراءات العاجلة ضروري جداً.
وأخيراً فإن المرحلة الانتقالية الحالية في تونس تتخذ بعداً سياسياً وحقوقياً ومطلبياً وفي هذا السياق يؤكد المختص في القانون الدستوري قيس سعيد أن السلطة الانتقالية يمكنها أن تمارس جميع الاختصاصات من الناحية القانونية لكن تتغير الصورة عندما تدخل في المجال السياسي إذ تقتضي طبيعتها الانتقالية أن تتولى فقط تصريف الأعمال، علماً أن صفة الانتقالي تفترض أن لا تتخذ السلطة المؤقتة إجراءات والتزامات لها تأثير على سياسة البلاد على المدى الطويل رغم أنها قانونياً مخولة بذلك. فإلى أي مدى ستتغير سياسة تونس الخارجية الجديدة خاصة مع الوجه الجديد (رفيق عبدالسلام) المكلف بحقيبة الخارجية التونسية؟
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3398 - الإثنين 26 ديسمبر 2011م الموافق 01 صفر 1433هـ
حكومة جديدة والمخاوف أكيدة
والله أستاذ الحكومة جديدة والمخاوف أكيدة لكن نتفاءل خيرا بهم
جميل والأجمل قادم
فعلا جميل ما نراه من انتقال سلس للسلطة في تونس
والأجمل قادم لهذا البلد
نهاية جميلة
ما أجمل مشاهد تسلم وتسليم السلطة في تونس
فعلا شعب راقي
يستاهل
نعم ما أجمل الديمقراطية في العالم العربي
أثبتت تونس أن الديمقراطية ممكنة في العالم العربي
مرحلة صعبة
فإن المرحلة الانتقالية الحالية في تونس تتخذ بعداً سياسياً وحقوقياً ومطلبياً
نظرا لهذه تأسباب فهي صعبة
كان الله في عونهم