العدد 3398 - الإثنين 26 ديسمبر 2011م الموافق 01 صفر 1433هـ

العدالة ونظام الحكم العربي القادم

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هناك لغط كثير بشأن ايديولوجية نظام الحكم وانتمائه السياسي الذي ستأتي به انتخابات ما بعد ثورات وحراكات الربيع العربي في هذا القطر أو ذاك لكن دعنا نطرح السؤال التالي: هل أن مشكلة الحكم الأساسية في بلاد العرب تكمن في مسألة الاختيار بين حكم الليبراليين أم اليساريِّين أم الإسلاميين؟ إذ إن التجربة الإنسانية عبر التاريخ تظهر أن الشعارات والبرامج التي يطرحها هذا الحزب أو تعد بتنفيذها تلك الجهة، على رغم أهميتها، لا تكفي لضمان قيام حكم رشيد يرضى عنه الناس.

تحتاج تلك الشعارات والبرامج إلى أساس قيمي أخلاقي تنطلق منه من أجل ضمان تطبيق تلك الشعارات والبرامج في الواقع ومن أجل تجنُّب أن تبنى وعود فارغة أو أكاذيب علاقات عامة سياسية في فترات الانتخابات. فهتلر طرح شعارات قومية ليبرالية وبرامج حداثية في الصناعة والعلم والتكنولوجيا ولكنه كان مستبداً فاشياً عنصرياً. وستالين أيضاً طرح شعارات ماركسية وبرامج تغييرات اقتصادية وعلمية ولكنه كان دموياً قاسياً بلا ضمير ولا إحساس بعذابات الآخرين. وكانت النتيجة أن تسبّب الاثنان في موت الملايين من البشر الأبرياء، ذلك أن برامجها وشعاراتها، سواء باسم الحزب النازي في ألمانيا والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي السابق، لم تكن موجَّهة ومقيّدة بالأساس القيمي الأخلاقي الذي ينبغي أن يقوم عليه كل نظام حكم.

وإذاً، فالحكم على أيٍّ نظام ستأتي به انتخابات ما بعد ثورات وحراكات الربيع العربي يجب أن يتجاوز المقارنات والتفضيلات فيما بين القوميين أو اليساريين أو الليبراليين أو الإسلاميين ليطرح السؤال المفصلي: ما هي القيمة الأخلاقية الكبرى التي ستهيمن على روح ومنهجية وتنفيذ الشعارات والبرامج التي طرحها هذا الحزب أو ذاك إبَّان الانتخابات؟

هذه القيمة الأخلاقية اختلف من حولها منظّرو علم السياسة عبر القرون، ولكن على الأخص خلال القرن الماضي وإلى يومنا هذا فإنَّ نقاشات كثيرة وكتب كثيرة تطرح بشأن هذا الموضوع الشَّائك، وخصوصاً بعد أن تبيَّن مقدار الأخطاء ونقاط الضَّعف والخطايا المتواجدة في مختلف أشكال الأنظمة الديمقراطية في الغرب الرأسمالي. إذ لا يكفي أن يوجد النظام الديمقراطي ليقوم حكم رشيد، فحتَّى النظام الديمقراطي يجب أن تحكمه قيمة أخلاقية مفصلية حتى يتجنَّب في الممارسة ارتكاب الكثير من الخطايا المظلمة كالسَّماح بوجود جيوب فقر مفجعة أو هيمنة أصحاب المال والجاه على حياة المجتمعات أو وجود انحيازات ضدَّ المرأة أو تقديم تعليم سيّئ للفقراء وحسن للأغنياء إلخ... مما هو موجود في مجتمعات الغرب الديمقراطي بصورة يعرفها القاصي والدَّاني وتهدِّد تلك المجتمعات بالحروب الأهلية والصّراعات الفئوية والطبقيَّة.

من يعرفوا بالنفعيين يعتقدون بأن هذه القيمة الأخلاقية يجب أن تكون المنفعة. فما يعتقد نظام الحكم بأنه سيكون نافعاً ولا يضرُّ أحداً فهو الذي يجب أن يحكم الشعارات والبرامج. الليبراليون بصورة عامة يعتقدون بأن تساوي الفرص وحريَّة الاختيار هي القيمة المطلوبة. فمادام الناس أحراراً في أن يختاروا لأنفسهم ولنمط حياتهم ومادامت الفرص مفتوحة أمامهم فإنَّ نظام الحكم معقول.

في أرض العرب نحتاج إلى أن نناقش هذا الموضوع بجديَّة وعمق وخصوصاً أننا على أبواب الانتقال من أوضاعنا الحالية، إلى نوع من الأنظمة الديمقراطية. من الضروري أن يعرف الإنسان العربي بأن مجرّد الانتقال الى نظام ديمقراطي لن يكفي، إذ لابدَّ من قيمة أخلاقية مهيمنة تحكم تلك الديمقراطية وتجنّبنا خيبات الأمل التي واجهت إنسان الغرب على سبيل المثال. لعلَّنا ونحن تفتِّش عن القيمة الأخلاقية التي تأخذ دروساً من تاريخنا وتستعين بثقافتنا الإسلامية المهيمنة على واقع الإنسان العربي نستفيد من توُّجه عالمي، بما فيه الغرب الديمقراطي، على اعتبار أن القيمة الأخلاقية التي يجب أن تحكم أفكار ومشاريع ومنهجيات كل نظام حكم هي قيمة العدالة والإنصاف. هذه الحساسيّة للعدالة لن تكون بالطبع، عقيدياً غريبة على العرب الذين حملوا رسالة الإسلام المعروف بدين الحق والقسط والميزان. المفروض أن العكس هو الصحيح، إذ من المفروض أن تكون مساهمة العرب، من منطلق حساسية الإسلام للقسط والميزان والحق، في النقاشات الدائرة بشأن قيمة العدالة المطروحة بقوة في الأدبيات السياسية العالمية المعاصرة، أن تكون مساهمتهم كبيرة وغنيَّة. وهذا موضوع سنحاول بتواضع أن نطرقه في المستقبل ونكتفي اليوم بالتوجّه لمفكري الأمة العربية، وخصوصاً في حقل السياسة، بأن يولوا هذا الموضوع، موضوع القيمة الأخلاقية التي يجب أن تحكم وتهيمن على نظام الحكم العربي في كل الوطن العربي، أهمية كبرى

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3398 - الإثنين 26 ديسمبر 2011م الموافق 01 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:57 ص

      العداله الاجتماعيه

      صح الله لسانك يامفكرنا القومي,ونتمى من الله العلي القدير بأن يمن على الساسه العرب بأن يأخذؤ من نصائحك النيرة لكي يعم العدل والمساوا في الحكم المقبل بعد الربيع العربي.

    • زائر 6 | 2:59 ص

      بشارة الخير

      فليكن سنة 2012 سنة التغيير الفعلى الى العداله و العداله تعنى الكثير والتى تحتاج الى القدره الفكريه الفعاله ... و الذين يعملون و يجاهدون للوصوا للعداله الأنسانيه اعلى درجه من الذين يذوبون فى دائره النفس ( إمارة السوء ) .. نشكركم .

    • زائر 5 | 2:38 ص

      يا دكتور والله حسرة عليك تكون في ديرة ما تعرف قدرك

      دولنا العربية لا تعير اهتماما لأصحاب الفكر الناصع النير الذي تركض وراءه الدول الغربية لمعرفتها بقيمته.
      دولنا على العكس من ذلك تبعث الاحباط في نفوس الموهوبين وأصحاب الشهادات العليا والكفاءات النادرة
      يجعلونها محط مساومة.
      سلمت يداك يا دكتور على ما خطت وكتبت
      نحن نقدرك ونعرف مكانتك ولكن؟

    • زائر 4 | 1:45 ص

      التحليق في الفضاء العربي لا يجدي

      التحليق في الفضاء العربي أو العالمي لايجدي

      نحن في حاجة الى ملامسة قضايا الوطن أكثر من أي وقت مضى

      العالم يناقش قضايانا ونحن نناقش قضايا غيرنا

      فالنركز وبشكل مكثف ونظهر للعالم ما يشغلنا في وطننا لا أن ننظر نخن في حاجة الى طرح الحلول وتشخيص الواقع والاشارة بالاصبع لمواطن الخلل

      وشكرا لك يا دكتور فأنت أفضل من دعاة الثقافة والفكر في وطننا الغالي الصامتون أو المنافقون

    • زائر 2 | 11:51 م

      يا فخر الديره انت مقل وبخيل علينا

      نعم دكتور انه دين الحق والقسط والميزان ولاكن ما ذنب الاسلام اذا من يدعون انهم يحملون الاسلام على عاتقهم باعوا الاسلام في سوق النجاسه السياسيه عزك الله مقابل مركز او شويه مصاري دكتور عندما يبرر رجل دين عمل مشين لم تدونه اقلام التاريخ الاسلامي في سجلاتها الا عند غزوا التتار مقابل مال او جاه او مركز فما حال الاسلام ومن يدعي انه حامله وداعي اليه الاسلام من اسمه دين للتسامح والتعايش انسوا القول الحق ان اكرمكم عند الله اتقاكم ام غضوا الطرف عن التسائل الواضح هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون

    • زائر 1 | 10:47 م

      سلمت يداك

      كل التقدير والاحترام لك يادكتور
      كم نحن بحاجة اليك والى فكرك
      نريد ان نتعلم منك
      البحرين بحاجه اليك

اقرأ ايضاً