العدد 3393 - الأربعاء 21 ديسمبر 2011م الموافق 26 محرم 1433هـ

بين العَجَب ... والصيام في رجب

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قرأت لأحد الإخوة المصريين شيئًا طريفًا. يقول صاحبنا، ان إسلاميًا أراد أن يدخل الانتخابات النيابية، لكنه تذكر أمرًا مهمًا. فهو وإن نجح، فسيقال: ان نجاحه في الانتخابات كان بسبب توظيفه للشعارات الدينية. وإن سقط، سيقال بالعامية: خايب، هو دخلها أساسًا ليه؟! ولو قاطع، سيقال: شفتم السلبية؟ ليه ما يعملش من الداخل. ولو شارك وفشل في التغيير من الداخل، سيقال: هو لا يؤمن بالتدرج، فالله خلق الدنيا في ستة أيام. ولو فاز بأغلبية، سيقال: عشان يكوِّش على المقاعد ويحوّلها لدولة دينية. ولو دخل بثلث المقاعد، سيقال: لضمان حق الفيتو، والاعتراض على كل شيء. ولو دخل بأقلية، سيقال: أرأيتم! هذا هو حجمه الحقيقي.

ولو ترك الوطن لهم، ومضى، سيقال: سابولنا البلد خربانة وطفشوا. ولو ترك الأرض، ولجأ للمريخ سيقال: أرأيتم! سيستقوي بالأجنبي لنشر التشيّع/ السلفيّة. ولو عاد إليهم مرةً أخرى بغرض الزيارة، سيقال: عاوز يبقى زي الخميني ويمسك الحكم! ولو رفع عليهم قضية سبّ وقذف، سيقال: هو يسيء استخدام الحق العام وضد حرية التعبير ولو استشاط غضبًا وشتمهم، سيقال: شوفتوا الانحطاط أدّ إيه. ولو تركهم واعتكف، سيقال: شفتوا الدروشة. ولو انشغل بالعمل، سيقال: طمعان في الدنيا. ولو نزل إلى ميدان التحرير، سيقال: رَكَبَ الثورة. ولو ترك ميدان التحرير، سيقال: خان الثورة. ولو أطلق ذقنه، قالوا: مَظاهِر فقط. ولو حلق ذقنه، قالوا: منافق. ولو مَلَّ منهم، ورمى بنفسه في النيل، سيقال: انتحر هذا الكافر!

هذه طرفة لكنها حقيقة نعايشها. فهي تعبِّر عن حالة نفسية تعاني منها الشخصية العربية. فهي أولاً، تعكس جموحًا من عدم الثقة لدى العربي في كلّ شيء. ثانيًا، هي تبرز مدى ارتباط ذلك الفرد، بذاته والتي تبدأ في تسيير الأشياء، طبقًا لما تقرره تلك الذات. بمعنى، أن العام يُسخَّر لصالح الخاص، ليصبح الأمر أقرب إلى الأنانية المفرطة. ثالثاً، هي تعبِّر عن حالةٍ من العدميّة في الرؤية، بحيث يصبح الأداء كله محكوماً عليه بالفشل، كيفما جاء، وكيفما اتفق.

ترى، أين يكمن الخلل؟ ما هو الأساس الذي يجعل العربي يفقد الثقة في كلّ شيء من حوله؟ وما الذي يجعل العربي يعبد ذاته؟ وما الذي يجعله شخصاً عَدَمياً، لا يختلف لديه العطشان من الريَّان؟ هنا، تتضح مدى المسئولية المزدوجة، ما بين الدولة والمجتمع المدني، في صَوْغ نظام يساعد الفرد على التخلص مما هو فيه، من مشكلات. وفي ذلك يمكن الإشارة إلى التالي:

أولاً: شكَّلت الدولة على طول تاريخها صورةً من صور تطوُّر المجتمع. لكن، وفي سياق عملها، بقِيت هناك تجارب بائسة لتطور الدول، الأمر الذي انعكس سلبًا على تطور المجتمع أيضًا.

في حال أغلب الدول العربية، فقد راوحت الدولة مكانها من حيث فشلها في الانتقال من مرحلة عبادة الفرد إلى احترام الشعب، ومن حكم الأوليغارية والأقلية إلى حكم صندوق الانتخاب. هذا الفشل قاد إلى اختناقات سياسية، حوَّلت هذه الشعوب، من شعوب مستقرة، إلى شعوب موتورة من حالها ومستقبلها، الأمر الذي حالَ دون قيام علاقة تبادلية سليمة ومتكافئة بينها وبين الدولة.

لقد أصبح الشَّك سيّد تلك العلاقة، ولم يعد خطاب الحكم العربي قادرا على النفاذ إلى قناعات وأفكار الناس من شعبه. لقد أصبح العربي يسمع أن الدولة ستقوم بالاهتمام بأمر معاشه ومأكله ومشربه، لكنه وفي حقيقة الأمر، يرى واقعه بشكل مختلف. فهو لايزال يعاني من مشكلة سياسية وإسكانية، ويعاني من عمليات تمييز طائفي وقبلي وإثني، ويرى المحسوبيات والفساد ترتسم كالعروق فوق جسد الدولة، ويرى الأراضي العامة وهي تقسَّم على زبائن الحكم، بشتى صورهم وأغراضهم. هذه المشاهد تدفعه لأن يكذِّب كل ما يسمعه من الإعلام الرسمي، وفي الوقت نفسه، يؤسس له ذلك، سلوكا منطبعا على تصرفاته، يدور على الشك في كل شيء.

ثانيًا: لقد فشلت الدولة العربية، في منح شعوبها الأمان الشخصي، ومماسة الحريات السياسية والفكرية بالقدر الذي يجعله صاحب عقل حر ومستقل. فلم يعد العربي بقادر على التفكير جهارًا بشيء يباين التفكير الرسمي، وبالتالي عدم إدراكه، أو تجريبه للعمل الفردي الحر، الذي يُكوِّن في نهاية السلسلة العقل الأشمل للدولة، وبالتالي فإن كثيرين من الناس أصبحوا يكيّفون أوضاعهم مع الأوضاع السياسية بالشكل التي يتناسب ومصالحهم الخاصة، وذلك محاكاةً منهم في ذلك لأمنهم الشخصي المهدد في كل حين.

صحيحٌ أن الثورات والانتفاضات العربية منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي كسرت حاجز الخوف لدى هذه الشعوب، وباتت قداسة الحكام القمعيين في مهبّ الريح، وأصبحت موضوعات كالتضحية والإيثار والذوبان في المجموع وهمِّه حاضرة، لكن الإشكال هو أن هذا الأمر بات منطبعًا أساسًا في مسلك منتظم تاريخيًا لدى الكثير من الناس، ولا يمكن التخلص منه بين ليلة وضحاها. وربما تحتاج هذه النماذج العربية إلى فترة ليست بالقصيرة، والتي من خلالها يمكن أن تتجاوز مثل هذه الجنوحات، بالاستدارة حول الذات، والمصالح الخاصة والتبريرات المنسجمة مع تلك المصالح.

هذه الأمور يجب أن تدرك جيدًا. صحيح أن الأفراد والجماعات لديها القدرة على مغالبة واقعها، لكن الثابت أيضًا، أنه وإذا غابت الوظيفة الصحيحة للدولة يصبح النظام العام للناس مهترئاً وغير متوازن، وهو ما يُمكن الإشارة إليه لاحقًا في مسألة انتظام الناس في علاقة تبادلية صحيحة مع الحكم وذلك لأهمية ذلك المحور

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3393 - الأربعاء 21 ديسمبر 2011م الموافق 26 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:41 ص

      المال والحرية

      بعض الأنظمة العربية تغرق شعوبها بالمال ظناً منها أنها ترشيها لكي تغض الطرف عن مطالبتها بالحرية والديمقراطية

    • زائر 1 | 11:53 م

      ههههههههههههههههه عجبتني النكتة

      و لو أتى البحرين لانتحر من أول يوم


      كاتبنا العزيز هناك من الشخصيات العربية من لا يفوقها فائق و لا يلحقها لاحق و لا يسبقها سابق في السياسة و في بناء اوطانهم لكن لا الظروف سمحت بذلك و لا انظمت الدول العربية كانت و لازالت تسمح بذلك فالمشكلة ليست في الشخصية العربية فلدي كل مجال شخصيات امثلة على ذلك

اقرأ ايضاً