كلما اختل ميزان الحقوق، أصبحت الحياة من دون ميزان أساساً. أليس الميزان أداة للفصل في ارتباك واختلاط وغموض الأشياء. أليس أداة لتبيان صورة الحق أو ما يدل عليه؟ البعض يصر على اختراع أكثر من ميزان ليقيِّم حياته وعالمه الخاصين، بعيداً عن حيوات وعوالم الآخرين.
والتعدد في الموازين فيه اختلال. الموازين إما أن تكون واحدة، وإما ألا تكون. تعددها ذهاب في تعدد الاختلال وصوره وامتداده.
***
البعض يضع الميزان الذي يراه أداة لحصر الحقوق كل الحقوق في جانبه؛ ثم لا يتردد في أن يراه ميزاناً لضبط حقوق الناس بالطريقة التي يرتئيها. لا يكتفي بالاقتناع بذلك؛ بل يحاول أن يقنع الذين وضع لهم ذلك الميزان أن عليهم أن يخزوا شياطين الإنس والجن وألا يخضعوا لنفَّاثات العقد حين تلقي في روعهم أن الميزان إياه وضع لخلخلة كل متوازن في حياتهم.
***
للقلب ميزانه هو الآخر، ولا يتأتى مثل ذلك الميزان إلا بالعلم والمعرفة؛ إذ لا ميزان لقلب في جهل. الجهل عمى آخر؛ والعمى لا رؤية له؛ والميزان رؤية في تحريه العدل.
***
الميزان أن يكون لك قسطك العادل من الحياة بكل الحقوق ومعاني وقيمة الحياة، مثلما للآخرين الحق في ذلك الميزان وفي تلك الحياة بحقوقها ومعانيها وقيمتها. لا حياة لك من دون حيوات الآخرين، كما أنه لا ميزان لك من دون أن تضع الآخرين في حسبان وضع ذلك الميزان.
***
الميزان أن يكون لك قسطك العادل من الحقوق مثلما للآخرين قسطهم منها. لا عدل يمكن له أن ينشأ في ظل خلل في ذلك الميزان؛ أو خسران في ذلك القسط؛ أو النظر إلى وضع ذلك الميزان باعتباره منَّة.
***
أزمة الأخلاق والتمييز هما اللذان دفعا بهذا العالم إلى مزيد من تراجعه على مستوى القيم وعلى مستوى شروط ومتطلبات استقراره. أزمة الأخلاق في النظر إلى الإنسان باعتباره المعنى والمركز لا باعتبار لونه ودينه وطائفته وقبيلته وحتى رصيده المصرفي. حين يحدث ذلك يصبح الحديث عن ميزان ضرباً من زلزال بتسع درجات على مقياس ريختر.
***
الميزان شاهد هو الآخر. الميزان ما لم يتجاوز الخسران في كل شيء هو محض فخ. فخ لأكثر من ميل مقبل. أكثر من فوضى /احتقان/ تأهب لانقضاض. فخ لتخريب الوسط الذي فيه ذلك الخسران. الوسط الذي لا ميزان فيه؛ أو يرى في الميزان اضطراب وتخلخل حاله.
***
الميزان روح أخرى. لا روح في علاقات البشر ما لم يحتكموا إلى ميزان. ما لم يكن نصب عينهم درء أي طغيان وتجاوز وقفز على حق أي منهم. الميزان بطاقة عبور إلى مدى الحياة. انعدام الميزان سجن في الذات قبل سجن الحياة.
***
حين صدحت «والسماء رفعها ووضع الميزان» كانت إيذاناً بوصفة عمار وخريطة طريق للإنسان والحياة. و»الوضع» هنا بمعنى الجعل؛ على رغم ما يفهم من النقيض بين «رفع» السماء و»وضع» الميزان. لكأن رفع السماء - بل هو كذلك - لا ينفصل عن وضع الميزان. هذا التلازم إذا ما استوعب وفهم وتم إدراكه ببعده القرآني يرسم تلك العلاقة بين الخلق عموماً وبين الميزان في تفاصيل ودقائق ذلك الخلق. لا برزخ بينهما. لا يستوي معنى لخلق ورفع ذلك الخلق من دون ميزان.
***
مهما عمد الذي يزن إلى الخسران في الميزان، لا يمكن له أن يدعي أن ميزانه الحق. ميزان كل امرئ في نقاء وشفافية روحه وحضور حسه وانتباهة ضميره ووعيه بمآلات أن يقسط ومآلات أن يظلم.
***
لكلٍّ «شرعة ومنهاج» وموازين. الفارق بينها هو كيف تحفظ لموضوع رفع السماء رفعة الخلق، وأن تضع موازين تأخذ بهم إلى حيث موضوع الميزان.
***
في هذا العصر الذاهب في متاهته بامتياز يوضع أكثر من ميزان ولكل ميزان مثقال أو مكيال بحسب الحال والظرف والزمان والمكان. تتعدد الموازين والأحوال والظروف والأزمنة والأمكنة، من دون أن يطول الإنسان قسط عدل ورجحان لكفته في هذا التصحر الأخلاقي والقيمي. إلى العدم يتجه وإلى المجهول يأوي ويظل الميزان في غربته في هذا العصر أكثر من أي عصر عرفه الإنسان.
***
الساعة ميزان وقتك. حبك لأهل وقتك عدل الميزان.
***
روحك ميزانك. من لا ميزان له لا روح له.
***
بالمعنى الذي ذهبت إليه هذه الكتابة، كأن رفع السماء من دون وضع الميزان عبث، ولا يستقيم رفع الأولى ووضع الثاني مع العبث نفسه
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3390 - الأحد 18 ديسمبر 2011م الموافق 23 محرم 1433هـ
الموضوع
كيف خطر ببالك الموضوع
زلزال ب 9 درجات وربطه بالميزان