العدد 3388 - الجمعة 16 ديسمبر 2011م الموافق 21 محرم 1433هـ

ما ضرَّها إن كانت «كربلائية» أو «أنبارية»؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يحاصرك العراق بمشاكله، حتى تكاد أن تكون أسيرًا له، وأحرص عليه من ناسه.

في كلّ مرة، يظهر ما يؤكد ذلك. مشكلة العراق، أنه قد أصبح الداء والدواء في آن. داؤه في سياسته وأوضاع أمنه، ودواؤه في خيراته وموقعه الحيوي.

تكره سياسته، لكنك تجبَر على احترام تاريخه وثروته وخريطته، وهي التي وفرت له قيمة حضوره إقليميًا ودوليًا، جعل من الولايات المتحدة، تأتيه، بجنون الطمع، الذي أعمى عيون الجمهوريين بالكامل، عندما كانوا في البيت الأبيض.

اليوم، يختلف العراق مع نفسه. كأنه توأم سيامي، لا يريد أن يهدأ إلاَّ بفصل جزئه عن الآخر. بين الفينة والفينة، تظهر لنا دعوات شاذة، تنادي باجتزاء العراق، وتقسيم أرضه. آخرها كان دعوات ثلاث محافظات، اثنتان منها غربية، هما الأنبار وصلاح الدين، وواحدة منها شرقية شمالية هي ديالى. هذه الدعوات ستكون مردودة، مثلما رُدَّت من قبل دعوات المجلس الأعلى الإسلامي العراقي والسيد الحكيم، عندما نادوا بالحكم الفيدرالي كنظام أمثل للعراق.

اليوم، هذه المحافظات الثلاث، لا تعلم ماذا سيعني الانفصال لها ولجمهورها، ولا الأقلمة وبلاءاتها. صلاح الدين ستهرسها حدود الوسط الجافة والمحاصرة، حيث لا حدود مائية، ولا إطلالات زراعية، فضلاً عن التوتر مع الأكراد في كركوك. أما ديالى، فستأكلها الحدود الإيرانية الواسعة، عبر خنق نهرها، ثم ستضيق رقبتها حتى الموت بجبال حمرين في جنوبها الشرقي.

في حين، ستبقى الأولى وهي الأنبار مشكلة المشكلات في العراق، وبين هذه المحافظات. فالأنبار تأكل أكبر مساحة من الأرض العراقية. كما أنها ذات سطح متموّج وفقيرة الزراعة، وذات قابلية لأن تجتاح أرضها التعرية بشكل مهول. عندما تنظر إلى خريطة الأنبار، تجد أن حدودها الشرقية الشمالية هي التي تستقيم عليها الحياة، حيث الفلوجة والرمادي وهيت وحديثة وعانة والقائم، أما بقية الأرض فهي متروكة لصحراء قاحلة وميّتة تمتد حتى شبه الجزيرة العربية حيث الرمال الصفراء، التي لا حياة فيها ولا عمران.

أكثر المشكلات التي ستواجهها الأنبار لو فكرت في الانفصال، أمران:

الأول: عدم ملاءمة ديمغرافية المحافظة مع جغرافيتها، والخلل الذي سيصيب الإنسان والأرض. فمساحتها الهائلة لا تتناسب وناسها الذين لا يزيدون عن 1.432 مليون نسمة، في وقت لا يوجد في هذه المنطقة من العراق بنية تحتية توازي مساحتها الشاسعة، حتى لو كان في بطنها تريليونات من الغاز الطبيعي، والحديد والفوسفور. بل يكفي أرضها أنها قد تشبعت من اليورانيوم المنضب، ومادة النابالم السامة، خلال معركتي الفلوجة الباسلتيْن بعيد سقوط بغداد.

الأهم من كل ذلك، هو وجودها على خط التماس الطائفي مع محافظة كربلاء، وإمكانية أن يتحوّل الخلاف الإداري والأمني إلى صراع مذهبي، وبالتحديد بعد حادثة قتل 22 من الزوار الشيعة وأربعة من السُّنة كانوا معهم، عندما أجبر مسلحون من تنظيم القاعدة هؤلاء المدنيين على النزول من حافلتهم قبل أن يطلقوا عليهم النار ويردوهم قتلى، وذلك في منطقة النخيب الواقعة في عمق صحراء الأنبار، عندما كانوا قاصدين الأراضي السورية للزيارة.

اليوم، بدأ بعض الكربلائيين يطالبون بإرجاع منطقة النخيب إلى أراضي محافظة كربلاء، بعد أن اقتطعها نظام صدام حسين عن أرضهم، وضمها إلى الأنبار في سبعينيات القرن الماضي لدواع أمنية مثلما يقولون. والنخيب تمثل ثلث مساحة الأنبار تقريبًا، وهي إحدى أهم الممرات الجغرافية باتجاه الأراضي السورية التي تحوي الكثير من التلال والوديان والكهوف.

الأنباريون يعرضون خريطة جغرافية أخرى ترجع إلى العام 1969م يظهر فيها النخيب وهو جزء من الأنبار. لكن المتحف البريطاني في لندن يعرض خريطة شاملة للعراق يرجع تاريخها إلى العام 1939 منسوجة على إحدى قطع السجاد الفاخر، تظهر فيها محافظة كربلاء وهي متصلة بالحدود السعودية، ما يعني اشتمالها على النخيب، وعلى ما هو أبعد من هذا الجَيْب الجغرافي المتنازع عليه، وهو سجال إداري لا ينتهي، ولا يمكنه أن يغيّر واقعًا قائمًا اليوم.

في كلّ الأحوال، فليس المهم إن كان النخيب لكربلاء أم للأنبار مادامت الأرض عراقية صرفة، إلاَّ أن المهم من كلّ ذلك، هو استعراض مسألة خطورة الأقلمة على العراق. ففي الوقت الذي يضعف فيه هذا البلد أمام الخارج، فإنه أيضًا سيكون معرضًا للتقسيم على التقسيم في داخله. وسوف تتقاتل محافظات مُفدرَلة مع بعضها على إرثٍ قديم، الأمر الذي سيدفعها للتفتت هي الأخرى. أما إذا كانت الأمور على خير الحاضر، وتماسَك البلد دون تقسيمات كونكريتية، فإن ذلك سيحفظ لهذا البلد (بكل محافظاته)، أمنه ومستقبله السياسي.

أملنا، هو ألا يفتح أحدٌ جرح الفدرلة مرةً أخرى، حتى لو كان تحت عنوان المظلومية. سيأتي يوم تتغير فيه موازين القوى، وتصبح الأمور أكثر عدلاً من الآن. لكن هذا الأمر لا يمكن أن يحصل من دون أن يكون هناك عراقٌ متماسك، وعصي على الدفع نحو التداعي، تحت ضربات الإدارة الضعيفة، والفاشلة.

فالمستقبل هو للسلوك السياسي السليم وليس للأعوج

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3388 - الجمعة 16 ديسمبر 2011م الموافق 21 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:02 ص

      تكلملة الموضوع

      تكمله
      وهو دليل على عدم وجود الطائفيه او خط الالتماس وشكرا لك اخي الكاتب المحترم وتبقى كربلاء والانبار وكل محافضات العراق هي رفعة راس في مابينهم وبيننا وسيبقى دربنا طويل على الحب والوئام كما قلنا لبيك ياحسين الان نقول لبيك ياعراق ياعراق الحسين نعم للحسينين المسلمين وكلا لكربلاءوالانبار

      الزائر المحب لامام الحسين هاني بو حنين

    • زائر 3 | 11:52 م

      لا كربلاء ولاانبار زوار الحسين على الراس

      نعم انا محافظ على زيارة الامام الحسين السنويه وكنت ولازلت استخدم طريق الطريبيل والنخيب وجديدة عرعر والقائم وحديثه وهذه السنه انشاء الله تعالى لن استخدم طريق الكويت والسبب ان الطريق من الكويت الحدود البصره كلهم شيعه من يخدمنا في الطريق وهو الشي العادي اما عن طريق الاردن والسزريه هم اخونا من المذهب السني المحب لاهل البيت عليهم السلام وعندما يقدم لنا الخدمه والاحترام والترحيب والضيافه والكرم العربي على حب الامام مرة مجانا ومرة مقابل مبالغ مثل المطاعم والاستراحات وذلك دليل على عدم وجود الطائفيه

    • زائر 2 | 11:52 م

      العراق الكبير

      الله يحفظ العراق وأهله من كيد الاعداء
      اشكركم استاذي الكريم

    • زائر 1 | 10:54 م

      سلمت

      مقال مهم ومنصف

اقرأ ايضاً