هل تستطيع الطاقة والعاطفة والمثالية الشبابية التي غذّت الربيع العربي واحتجاجات العدالة الاجتماعية الإسرائيلية أن تنقذ حل الدولتين للإسرائيليين والفلسطينيين؟
إذا حكمنا من خلال الحوادث التي سمعناها من تجمّع متعدد الأجيال في جنيف قبل أسبوعين، هناك أسباب للاعتقاد بأن بإمكانها ذلك.
في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني2011، استضافت الرئيسة السويسرية ميشلين كالمي- راي مؤتمراً ضم إسرائيليين وفلسطينيين للاحتفال بالذكرى الثامنة لمعاهدة جنيف، وهي الاتفاقية الرائدة التي صاغها أعضاء بارزون من المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني لتشكل نموذجاً لحل جميع مجالات النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد تم تطوير المعاهدة من قبل مبادرة جنيف، وهي جهد إسرائيلي فلسطيني مشترك يهدف إلى تقديم خريطة طريق إلى السلام.
قدم مؤتمر 22 نوفمبر، الذي سمي «مبادرة جنيف 2.0»، مؤسسي مبادرة جنيف ياسر عبد ربه، الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويوسي بيلين، وزير العدل الإسرائيلي السابق. حضر المؤتمر كذلك الفيلسوف والكاتب الفرنسي بيرنارد هنري ليفي، وحسام زكي من وزارة الخارجية المصرية، وأعضاء من الكنيست الإسرائيلي من أحزاب شاس وكاديما والعمل، وعدد من الناشطين الفلسطينيين وقادة الرأي البارزين. وبالأهمية نفسها كذلك، حضرته مجموعة من الشباب والشابات الإسرائيليين والفلسطينيين.
قالت الرئيسة السويسرية كالمي- راي لأعضاء الوفود إن «ثماني سنوات لم تكن كافية لإقناع القادة أن السلام ليس مرغوباً فحسب، ولكنه ممكن التحقيق»، وإننا «نعتمد اليوم على جيل جديد يقود جهود السلام قدماً»، خاصة في أعقاب صيف من الاحتجاجات من أجل العدالة الاجتماعية في إسرائيل والربيع العربي. شابة إسرائيلية اسمها فيكي إدزينسكي، وهي مهاجرة يهودية روسية إلى إسرائيل، انضمت إلى الاحتجاجات في يوليو/ تموز الماضي، تابعت الموضوع.
تحدثت الشابة عن كيف وجدت هي ويهود روس آخرون، يُنظر إليهم أحياناً على أنهم «يمينيون»، وجدوا أنفسهم يتكلمون عن قضايا اقتصادية والإسكان وحقوق الإنسان. ودون أن يعوا ذلك، كانوا يطرحون أسئلة بشأن عملية السلام متسائلين لماذا «يستحوذ الحقد فقط» على هذا الكثير من السياسيين ولماذا لا يعملون على «حل المشاكل الحقيقية». وهي ترى أن «الغالبية الصامتة استيقظت» وأدركت «أننا نحتاج لأن نحلم بالسلام والمساواة»، وأن نطالب بهما. «إذا لم نفعل ذلك فلن يفعله أحد لأجلنا»، قالت هذا بإصرار.
كما عبرت عن المشاعر نفسها امرأة فلسطينية شابة اسمها تامي رفيدي. نتيجة لسنوات كثيرة من السخط والنقمة بسبب العيش تحت الاحتلال، تكلمت بعاطفة متدفقة عن دور الشباب في «جعل المستحيل ممكناً». مطالبة بالاعتراف بحق تقرير المصير من خلال إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة، كررت الشابة المبادئ الأساسية لحل الدولتين لمعاهدة جنيف. مثلها مثل إيدزنسكي، نظيرتها الإسرائيلية، تكلمت تامي عن الأحلام «عن الزنبق الأبيض وعن شارع تملأه الأغاني». ثم تخيلت: «لنوصل الضوء بالضوء، ثم نوصل الأضواء معاً لمليار شاب وشابة في عالم اليوم. سنكون كافين لإشعال النور في العالم كله».
تطابقت المشاعر القوية الشاعرية المنعشة لهؤلاء الشباب مع وجهات نظر مؤسسي مبادرة جنيف، بيلين وعبد ربه، والتي اختبرها الزمان، والتي لا تقل حماسة.
عندما اقترح أحد الحضور أن حل الدولتين ليس هو الجواب، أصر بيلين أنه لا يوجد أي بديل آخر. أقسم أن الإسرائيليين والفلسطينيين يتوجب عليهم في نهاية المطاف فهم أن الحل لا يكمن أبداً في تحقيق المصالح الوطنية للطرف الذي ينتمون إليه فحسب. يجب تحقيق التطلعات الوطنية لكلا الطرفين.
وردد ياسر عبد ربه هذا التوجه قائلاً: «إلى الجحيم بجميع العلماء، مهما كانوا، الذين يتوقعون أن حل الدولتين مستحيل». وقد وافق عبد ربه، معترفاً بأن المعوقات التي ما فتئت تزداد أمام دولتين قادرتين على البقاء، مع بيلين بأنه لا يوجد هناك، مع ذلك أي جواب آخر مقبول.
وبينما اقترب موعد اختتام المؤتمر، عاتب عبد ربه هؤلاء الذين يقولون عكس ذلك، مذكراً المعارضين على الجانبين أنهم لا يعلمون الثمن الذي سيدفعه شعبهم إذا أصبح «حل الدولتين» مستحيلاً. يؤمن هو وبيلين بالتأكيد بأن الثمن مرتفع جداً.
ذكّرنا المؤتمر بأنه، مع بعض الخيال والعناد وفهم معمق لحاجة كلا الطرفين لإجراء تنازلات صعبة ولكنها أساسية، قام مهندسو مبادرة جنيف ببناء إطار للدولتين قادر على البقاء من أجل السلام. ولكن ذلك أوصل كذلك رسالة حرجة أخرى، وذلك أن الأمر يقع الآن على عاتق جيل جديد من الإسرائيليين والفلسطينيين، أمثال فيكي وتامي، الذين لديهم القلب والشجاعة لقبول التحدي والمساعدة على إتمام المهمة
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3388 - الجمعة 16 ديسمبر 2011م الموافق 21 محرم 1433هـ