عند الحديث عن الرقابة على أعمال الشرطة والتي تتضمن أعمال التحري والاستدلال، فإنها تكون من خلال مراقبة الأعمال والإجراءات ذاتها، والتي تتحقق من خلال إشراف النيابة العامة ومن ثم المحاكم عليها، كأن يتم قبض من دون إذن من النيابة العامة أو أن يتم إجبار المتهم على التوقيع على إفادة وهو معصوب العينين أو أن يتم احتجاز حرية شخص من دون مسوغ قانوني أو دخول مسكن أحد الأشخاص من دون إذن من الجهة المختصة، وغير ذلك من الأمثلة التي يفترض القانون عدم الاعتداد بما يسفر عنها من أدلة إدانة بمواجهة المتهم متى ثبت ذلك، وترتب بالوقت ذاته أثر على مسئولية القائم بذلك العمل، ومن هنا تتضح الرقابة على أعمال مأموري الضبط القضائي، فهناك مسئولية مأموري الضبط القضائي الجنائية والتي تترتب على ثبوتها توقيع العقوبة الجنائية عليه، وهناك المسئولية المدنية والتي يترتب على ثبوتها إلزام مأموري الضبط القضائي بتعويض المضرور أي (المتهم) عن الضرر الذي أصابه من جراء الجريمة أو العمل غير المشروع، وهناك المسئولية التأديبية والتي يترتب على ثبوتها مجازاة مأموري الضبط القضائي إدارياً والتي تصل لفصله عن العمل.
فالمسئولية الجنائية لمأموري الضبط القضائي تعني توقيع الجزاء الجنائي على شخصه نتيجة تصرفاته غير القانونية التي تجاوز فيها حدود سلطاته أثناء أداء واجباته، إذا نتج عنها جريمة ما أو تصرف فعلاً أو امتناعاً، مثلا قيام رجل الشرطة بفعل التعذيب أو مساسه بسلامة جسم أحد المتهمين، أو تقييده لحرية الحركة والتنقل كالقبض غير المشروع والمنع من السفر بغير مسوغ قانوني، انتهاكه حرمة المسكن، اعتداؤه على حرمة الحياة الخاصة كالتصنت وغير تلك الأمور، استغلال وظيفته بأي شكل من الأشكال بمواجهة المتهم.
وأكدت الشريعة الإسلامية على وجود المسئولية الجنائية، فجعلت قوامها ثلاثة عناصر وهي إتيان الإنسان فعلاً محرماً وأن يكون مختاراً وأن يكون مدركاً، عندها يجب أن يسأل جنائياً عن الفعل الذي ارتكبه بعقوبة رادعة.
وضرب الرسول (ص) المثل الأعلى في تقريره وتطبيقه لهذه المسئولية في أقواله وأفعاله فقد قال في إحدى الخطب: «أيها الناس من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه...).
وجرم المشرع البحريني ذلك حيث أكد قيام تلك المسئولية في المادة 208 من قانون العقوبات «يعاقب بالسجن كل موظف عام استعمل التعذيب أو القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم... لحمله على الاعتراف»، وكذلك المادة 357 من القانون ذاته «يعاقب بالحبس من قبض على شخص أو حجزه أو حرمه من حريته بأية وسيلة بغير وجه قانوني».
أما عن المسئولية المدنية فهي نتيجة لإخلال مأموري الضبط القضائي بالشروط التي تطلبها القانون الجنائي، والتي تستلزم توقيع عقوبة ومن ثم ترتب مسئولية مدنية تقتضي المطالبة بالتعويض نتيجة لما أصاب المتهم أو المضرور، متى توافر الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، ونص المشرع البحريني على تلك المسئولية في المادة 158 من القانون المدني «كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من أحدثه بتعويضه».
كما أن المشرع البحريني وسع نطاق تلك المسئولية وفقاً لفكرة التبعة محملاً بذلك الجهة التي يعمل بها مأمور الضبط القضائي، فقد نصت المادة 172 من القانون ذاته على أن «يكون المتبوع مسئولاً في مواجهة المضرور، عن الضرر الذي يحدثه تابعيه بعمله غير المشروع متى كان واقعاً منه في أداء وظيفة أو بسببها...».
أما عن المسئولية التأديبية لمأموري الضبط القضائي فهي تعني «إخلال الموظف بواجبات وظيفته وإتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، أو مخالفته لما يقتضيه القانون أو القواعد التنظيمية».
وأكد المشرع البحريني تلك المسئولية في المادة 44 من قانون الإجراءات الجنائية «يكون مأمورو الضبط القضائي تابعين للنائب العام وخاضعين لإشرافه فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم وللنائب العام أن يطلب إلى الجهة المختصة النظر في أمر كل ما تقع عليه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله ومساءلته تأديبياً وذلك لا يمنع من رفع دعوى جنائية».
وباستقراء الواقع العملي، نجد أن وضوح تلك النصوص مازال قاصراً عن التطبيق في جهات الاستدلال والتحقيق وأمام المحاكم، فنجد الكثير من التجاوزات والمخالفات التي تثار من قبل المتهمين ومن قبل الدفاع أمام الجهات المعنية والتي تطرح لعدم إعطائها حجمها المذكور في القانون وعدم القدرة على إثباتها، ولتلافي تلك المخالفات والتجاوزات أرى أن يتم الآتي:
- ضرورة إعداد دورات تثقيفية لمأموري الضبط القضائي تهدف لكيفية التعامل مع المتهمين داخل مراكز الشرطة وفي السجون.
- تعيين شخص يطلق عليه (المراقب للمشروعية) يتبع لجهة عمل مستقلة، ويقوم بإرسال تقارير أولية للنيابة العامة ومن ثم للمحاكم، مهمته رصد المخالفات والتجاوزات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي سواء كان متعلقاً بالإجراءات أو بالأعمال والممارسات داخل السجون، ويرفع هذا التقرير مع محاضر الاستدلال، ويتمتع بحجية أمام القضاء تفوق حجية محاضر الاستدلال.
- سد الفراغ التشريعي الذي يتضمن إلزام القضاء بضرورة التحقيق في أية واقعة تحمل شبهة وجود مخالفة أو تجاوز في عمل مأمور الضبط القضائي بمواجهة المتهم، كدفع من قبل المتهم أو الدفاع، وذلك لإعطاء الحجم الطبيعي لقاعدة الشك يفسر لمصلحة المتهم وقول رسولنا الكريم (ص): «إدرؤوا الحدود بالشبهات» وقاعدة فرضية البراءة.
- ضرورة حظر الجمع بين صفة الضبطية والشهادة لإخلالها الصارخ بمبدأ الحياد، كما أن من المنطقي أن يقوم القائم بالإجراء أو العمل بمعالجة تجاوزاته ومداراة أي عمل من شأنه أن يكون مخالفاً للقانون
إقرأ أيضا لـ "نفيسة دعبل"العدد 3386 - الأربعاء 14 ديسمبر 2011م الموافق 19 محرم 1433هـ
الدكتور ناجي محمود
هناك رسائل جامعية متخصصة في هذا الموضوع وأكثرها شيوعاً رسالة الدكتور عبدالله ماجد العكايلة والتي قدمت لكلية الحقوق - جامعة عين شمس وفيها الكثير من الاراء الشخصية لهذا الكاتب وقد اعددت بحثاً خاصاً بذلك بالاستناد بشكل كلي الى هذه الرسالة
المطلوب تطبيق نص المادة(44) إجراءات جنائية
أعتقد بأن الحل هو تطبيق نص المادة (44) إجراءات جنائية وهو محاسبة مأموري الضبط القضائي في تأديبيا وجنائيا ، بعد سيفكر ألف مرة من تسول له نفسه في تعذيب إنسان في الحبس الإحتياطي لأن ذلك الفعل سوف تكون نتائجه زلزال عليه.
آه على حبر يضيع وأوراق تضيع ووقت يضيّع
أساتذة جامعيون يدرسون وطلبة جامعيون يدرسون وكليات وجامعات ومعاهد كلها تدرس القانون الذي
يشتكي التطبيق
مع الأسف اموال تصرف وتهدر على الفاضي لأن القانون
ليس مادة تدرس لكي ينجح فيها الطالب ويتعدى مرحلة وإنما هي تطبيقات على ارض الواقع واذا خلت
التطبيقات من روح القانون فبلّوا القانون بماي واشربوه