العدد 3384 - الإثنين 12 ديسمبر 2011م الموافق 17 محرم 1433هـ

«هلأ لوين؟» وأد الفتنة بحنكة النساء

زهراء المنصور comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تلوِّن نادين لبكي في فيلمها الجديد «هلأ لوين» صورة النساء في مجتمعات الحرب والسلم؛ إذ يستعرض الفيلم حكاية قرية نائية متخيلة وغير موجودة في الواقع في مكان ما، ويتعايش أهالي القرية جنباً إلى جنب من مسيحيين ومسلمين، غير أن الفتنة لا تلبث وتشتعل بين الطائفتين ولأسباب تكون واهية معظم الوقت، سببها الحقيقي التأجيج المستمر والإحتقان الذي خلفه الشحن الخارجي - من دون وجود مشكلة حقيقة بالداخل - وأيضاً الخلفية التاريخية والقدرة على استثارة الطرف الآخر. وعلى رغم التغريب الذي طرحه الفيلم، إلا أنه طعّم بأداء واقعي/كوميدي/ فانتازي/ عبر ممثلين يقف أغلبهم للمرة الأولى أمام الكاميرا، وأظنني أفهم لماذا يتم اختيار الممثلين بهذه الطريقة غير المألوفة؛ إذ جاءت بعض المشاهد طبيعية تماماً - كأشخاصها - مثل الوجوه التي قد تلتقيها وتحتك معها بشكل يومي أو حتى عابر، هذا الأداء يدفع إلى استشعار المشاهد بأنه داخل في الحدث وأنه جزء من اللعبة أمامه.

ويجدر بنا الابتعاد عن المسميات التي طرحتها لنا مخرجة الفيلم، فالمقصود هنا هو إيصال فكرة ما عن الإنقسام الطائفي البغيض، الذي يشتعل بتداخل السياسة - غالباً - والمصالح وأمور أخرى هي أبعد ما تكون عن العبادة أو عن وسيلة التقرب إلى الله.

كما تستخدم المخرجة صيغاً مغايرة للأفلام التقليدية؛ إذ تمزج أساليب مختلفة لتوليفة لا تتبع مدرسة واحدة، فتأخذ على سبيل المثال المشهد الأول حيث تؤدي النساء رقصة حداد تعبيرية، في نظام مسرحي يمهد لما قبل الحدث وما سيأتي بعده، وأقرب ما تكون إلى الحرب والموت والحزن، يقرأ المشاهد هذا من وجوه الأمهات والزوجات والأخوات اللاتي يتفرقن في الخط الفاصل بين مقبرة المسيحيين ومقبرة المسلمين، يبتهلن بالصلاة والدعاء وتقبيل القبور بلهفة الفاقد، لمن اختطفه الموت من عوائلهن.

الثيمة الأساسية في الفيلم هي الحب ولا شيء ينازع الحب إلا المسائل التي تنشأ في محيط يخلو منه، ليس ابتداء من كره الآخر وليس انتهاء بقيام الحروب الأهلية والكبيرة، ولما تأتي المشاهد متتالية متلاحقة في وقت محدود لا يكفي ربما لمعرفة كل التفاصيل، تأتي موسيقى الفيلم وأغانيه بوصفها حالة إبداعية منفصلة ومتصلة عبر الموسيقي خالد المزنر، لتوصيف الحالات المكتومة حالات الحب غير المنطوق/ الكره/ الحزن/والفرح أيضاً في أغنية «حشيشة قلبي»! تماماً كما نفذها في الفيلم الأول «سكّر بنات/كراميل» مع المخرجة نفسها، وهو جزء لا يتجزأ من العمل الفني لأن توظيف المزنر للموسيقى في صالح العمل كما وضح من تجربتيه السينمائية، وفي تماهي الموسيقى مع الحدث باعتباره جزءاً أصيلاً وليس مكملاً فحسب. ولو بالغنا قليلاً لقلنا إن الموسيقى في الفيلم عوَّضت عن ضيق الكادر معظم الوقت، أو أعطت الإحساس بصغر المشكلة وإمكانية تحجيمها في المكان، كمشهد تجاور الكنسية والمسجد تماماً كما يحدث في حشد الديكور على خشبة المسرح.

وعلى رغم المشهد التمهيدي الأول الذي أوصل للمتلقى الخسائر البشرية «الذكورية» لهذه القرية جراء الحرب، إلا أن هذه المعلومة تتأكد مرة أخرى عبر الراقصات اللاتي يتم استئجارهن في «كلاشيه» واضح ولا داعي له، ومن شاهد التجربة السينمائية الأولى لنادين لبكي سيدرك أنها كانت حريصة على تجاوز مثل هذه المطبات - وهي بالمناسبة تكررت عدة مرات في الفيلم الأخير- في «سكر بنات» كانت التفاصيل فيه محسوبة لدرجة يمكن تصنيفه كفيلم متقن الصنع، وليس القصد هنا المقارنة بين العملين الفارق بينهما سنوات قليلة، لكن لا بد من الالتفات إلى التجربة التراكمية للفنان؛ إذ المحافظة على مستوى النجاح أهم من النجاح نفسه.

في «هلأ لوين» تتكل لبكي على إيصال فكرة قوة النساء العاطفية والمحبة للسلام ونبذ العنف، في إحتواء مشكلات المجتمع ككل، وفكرة ما قبل الحدث التي تدفع المشاهد بالتفكير متى وكيف اتفقت نساء الطائفتين المختلفتين، على إطفاء أي شرر سيتحول يقيناً إلى نار تحرق الجميع، لا أتوقع أن نجد نساء بهذه المثالية وهذا التغلب على الذات دائماً، لكن لا أحد يستطيع انتقاص قيمة العاطفة لدى المرأة وكيفية تفعيلها، لا شيء سوى غريزة الأنثى في كل أدوارها من دور العاشقة لدور الأم وفي كل موقع، فمن شاهد الفيلم لا يمكن أن لا يتأثر بالأم التي تثكل بابنها الصغير وتخفي خبر مقتله بكل جلد، خوفاً من تأليب الطائفتين على بعضهما، وإطفاء فتيل الفتنة قبل إيقاده، والأكثر من هذا أن تقوم بإصابة ابنها الآخر - بنفسها - في قدمه لتعطيله عن القيام بأي فعل « ذكوري» مجنون يفاقم الأمر ويرمي بالإتهام على الطرف الثاني لاريب، وحيث من الواضح أن الرجال في هذه القرية المتخيلة لم يعلمهم الموت قيمة الحياة، وباعتبار أن موضوع الطائفية موجود في كل بقعة على وجه الأرض، ليست دينية فقط؛ بل لكل من يجمعهم رأي يختلفون به عن الآخرين ويعتزلونهم بذريعة نقاء المبدأ وعدم قبول الآخر، لكل هؤلاء، المحصورين في خندق الدين والمذهب والعرق واللون، لكل من يفتعل طائفة داخل الطائفة لتميز نفسه، ولمن يدفع إلى التفريق بالاختلافات ولا يلتفت للمتشابهات، تقول نساء هذا الفيلم وكل النساء اللاتي يعانين من تبعات هذا الهم إنهن قادرات على إيجاد الحلول ولو كانت بطريققة فنتازية/ساخرة كما «هلأ لوين».

وهلأ لوين؟

إقرأ أيضا لـ "زهراء المنصور"

العدد 3384 - الإثنين 12 ديسمبر 2011م الموافق 17 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً