أكد رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، أهمية الحفاظ على البيوت الأثرية والتراثية وترميمها والعناية بها لتظل شاهدة على أصالة وعراقة هذا الوطن، والعمل في الوقت ذاته على تعظيم الاستفادة منها كعناصر للجذب السياحي يفيد الاقتصاد الوطني، يسهم في التعريف بحضارة البحرين وتطورها عبر السنين.
جاء ذلك خلال قيام صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء صباح اليوم الإثنين (12 ديسمبر/ كانون الأول 2011)، بزيارة تفقدية لمنزل المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة -رحمه الله- بمحافظة المحرق، بعدها تجول سموه راجلاً بين الأحياء والمناطق في المحرق للاطلاع على أوضاعها وأحوال المواطنين فيها.
واستقبل أهالي المحرق سموه وسط احتفاء شعبي وترديد هتافات المحبة والولاء من المواطنين، إذ أكد صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء خلال الزيارة أن "المكنون الشعبي من المحبة والولاء وفيض المشاعر الجارف يزيدنا إصراراً على العطاء، فشعب مثل شعب البحرين لديه مثل هذا المخزون من المشاعر الوطنية لا بد وأن يُقابل بمزيد من البذل والعزم على تحقيق أمانيه وتلبية طموحاته"، منوهاً سموه في السياق ذاته بـ"الإرث التراثي والثقافي البحريني وما تشكله المحرق وما تضمه من معالم قيمة تاريخياً وتراثياً، ومنها منزل المغفور له بإذن الله تعالى والدنا الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة طيب الله ثراه، تجعل من المحرق منارة إشعاع ثقافي ومركز تاريخياً قيم تعكس التطور الحضاري البحريني عبر الزمن".
واستمع سموه إلى شرح مفصل عن عمليات الترميم والتقنيات العمرانية المتبعة لإتمام عمليات ترميم وتوثيق المراحل التاريخية التي شهدها منزل المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، والذي يعود تاريخ تأسيسه إلى العام 1796.
وأوضح سموه أن "حرص الحكومة على العناية والاهتمام بالبيوت الأثرية التراثية نابع من إيماننا بأنها قيمة وطنية توثق حقب مهمة في تاريخ الوطن، وتجسد غنى هذا التاريخ بالشخصيات والعوائل البحرينية التي أسهمت في بناء الوطن وازدهاره".
وأضاف سموه "إننا فخورون بما لدينا من تاريخ طويل حافل بالانجازات، وإننا على يقين أن الاعتناء بتراثنا هو السبيل للحفاظ على هويتنا في مواجهة التأثيرات الثقافية الغريبة على مجتمعاتنا".
وأشار سموه إلى برنامج عمل الحكومة يولي اهتمام خاص بمشروعات تطوير المواقع التراثية والأثرية، لاسيما في محافظة المحرق صاحبة التاريخ العريق، والتجسيد الحي لقيم الوحدة الوطنية التي نشأ في كنفها أبناء البحرين على مر العقود".
ووجه سموه جميع الجهات المعنية إلى وضع تصورات وبرامج لتطوير هذه البيوت وفق أحدث الأساليب العلمية في مجالات الترميم والصيانة، حتى تكون دليلاً ومرشداً للأجيال المتعاقبة على ما أنجزه الرعيل الأول لصالح الوطن.
وشدد سموه على ضرورة أن تجري عمليات تطوير وترميم البيوت الأثرية والتراثية وفق مخططات شاملة، تستهدف تنمية المناطق المحيطة من خلال توسعة الطرق ورصفها وإنارتها، على أن يكون ذلك في إطار جمالي بديع يعكس الوجه الأصيل للبحرين ويخلد مسيرة تقدمها ونهضتها.
من جانبها، أكدت وزيرة الثقافة الشيخة مي بن محمد آل خليفة أن "الاتجاه للمحافظة على التراث العمراني يجسّد أهم الركائز الثقافية التي نحاول من خلالها استعادة المشاهد التاريخية والاجتماعية للمملكة".
وأشارت إلى أن بيت المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة يُعتَبر شاهدًا عمرانياً مهماً، مشيرةً إلى أن "إن حقبًا تاريخية مهمة لا يمكن استدراجها سوى من أصالة الماضي وعراقته"، مؤكدة: "هذا العمران هو أجمل الوجوه التي يمكن إبقاءها تعزيزاً للهوية واستثمارها ثقافياً لتصبح مواقع ومحطات سياحية تراثية تنقل لنا أصالة الحياة آنذاك، وتستعرض إحدى أهم المحطات الزمنية التي حرصت وزارة الثقافة بدعم من عاهل البلاد على تفعيلها في مسار التراث الوطني، من خلال مجموعة من أعمال الترميم التي تعتمد على الأسس والمبادئ العالمية للحفاظ على التراث وهويته".
ونوهت وزيرة الثقافة إلى أن بيت المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة رحمه الله يعتبر أول بيت يتم ترميمه بالطريقة العلمية الصحيحة والدقيقة في خطة عمرانية محكمة تتخذ اتجاهاً يعتمد على إبقاء جميع الدلائل العمرانية في هذا البيت، والتي تشكّل تاريخاً موثقاً يحفظ الملامح والتغيرات التي نحتت بظواهرها حكاية هذا العمران".
وأكدت أن هذا الترميم يجيء بصورة أكثر قرباً من واقع هذا البيت وملابسات الأحداث التي عاصرها، إذ تم ترميم كل الزخارف بدقة دون المساس بها أو تبديلها أو حتى إجراء أية تعديلات أخرى، وذلك عن طريق تثبيت النقوش القديمة وترميمها إذا لزم الأمر، مع الحفاظ على أعلى مستوى من الحرفية والفن فيما يتعلق بالنقوش المميزة الموجودة في خمس غرف أساسية من بين 27 غرفة يحتويها البيت، إذ تم اكتشاف عمود إنشائي (ثمانيّ الأضلاع) محفور بمجموعة من الزخارف العميقة والمُتقنة التي تستعيد فترة زمنية مهمة وتكشف عن وجوهًا إبداعية وجمالية.
وأشارت الوزيرة إلى أن المنزل الذي يعد من أقدم المعالم التراثية العمرانية ويعود تاريخ تأسيسه للعام 1796 ميلادية، كان تعرض لبعض التعاملات التي كادت تغيّب أحد أهم المعالم التاريخية البحرينية، إذ تمت تغطية جميع مكونات المنزل بطبقة سميكة من الإسمنت البورتلندي خلال فترة السبعينات والثمانينات، مما أدى إلى تسريع تدهور عناصره وملامحه العمرانية، وتآكل أخشابه واتساع نسبة الرطوبة داخل جدرانه.
وبينت أن ذلك استدعى إزالة هذه الطبقات والتعدّيات التي شوّهت أصالة المكان أثناء عمليات الترميم بصورة كاملة وبتقنيات دقيقة، ومن ثم إعادة تطبيق ملاط الحوائط التقليدي المتكون من النورة (الجير)، الجبس والرمل الصحراوي، وترميم الزخارف الجصية والأبواب والنوافذ الخشبية، وإعادة تهيئة أفنية المنازل الأصلية.
ولفتت إلى أن دور وزارة الثقافة لم يقتصر على استعادة الهيكل التاريخي والعمراني لبيت الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، بل تم تفعيله تراثياً عبر تخصيص ثلاث غرف لتقديم عروض متحفية عن تاريخ المنزل ومسارات التغير الاجتماعي الذي شهده هذا العمران، وذلك بالاستعانة بشركة "لا ميدوس" (La Meduce) الفرنسية الدولية في مجال العروض المتحفية.
وذكرت أنه في إطار الحرص على تشكيل صورة بصرية تاريخية، وإبقاء هذا البيت في المجال الرؤيوي والتواصل الجمالي مع الزوّار والعابرين، عملت شركة "آلان فيغييو" الفرنسية العالمية على تنفيذ نظام الإضاءة التي تبرز الملامح الجمالية والأثرية لهذا البيت في إطاره العمراني اللائق به في قلب مدينة المحرق.
ووجهت الوزيرة الشكر إلى الفريق العامل على إنجاز هذا العمل من قبل وزارة الثقافة، وخصت بالذكر مهندس المشروع مستشار الترميم علاء الحبشي الذي أدى مع فريقه عملاً مميزاً.