العدد 3383 - الأحد 11 ديسمبر 2011م الموافق 16 محرم 1433هـ

التحذير من تقويض الدولة المدنية التي لم نرَ!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

ظل تخويف الناس من المعارضة في العالم العربي الذي يُمسك بمصيره مدنيون بممارسة العسكر، أو عسكر في ثياب مدنية بالقول: إنها ستقوّض «الدولة المدنية»! أسأل:هل توجد دولة مدنية بمفهومها العملي أساساً في العالم العربي؟ إذا كان المواطن منفياً في الداخل قبل الخارج فعن أية دولة مدنية يتحدثون؟ ثم ما هو مفهوم الدولة المدنية بالنسبة إلى مخترعي «البعبع»؟ هل هي عَلَم ونشيد وطني وجيش وجهاز أمني وتشكيل وزاري وسفارات وصحف وعدد من دكاكين الأحزاب أو الجمعيات التي لا تملك التوقيع على إيصال مصاريفها النثرية من دون العودة إلى الدولة، ولا تملك فتح «حصّالة» تبرع من دون الرجوع إلى الدولة، ولا تملك صحفها وضع العنوان الرئيس قبل الرجوع إلى أجهزة الأمن قبل وزارة الإعلام، ولا تملك جمعياتها حق إعلان التبرُّع بالدم قبل الرجوع إلى أجهزة الأمن أيضاً قبل الرجوع إلى وزارة الصحة.

هل هي هذه الدولة المدنية التي تخوّفون الناس من المعارضة كي لا يفقدوا خيراتها وفيضَها وإسرافها في رحمتهم ورعايتهم؟!

ما الذي حصده المواطن العربي من «الدولة المدنية» المزعومة غير ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكّر في الدم، وارتفاع نسبة الإصابة بالسكتة القلبية والدماغية، وارتفاع معدّلات الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية، وارتفاع معدّلات الانتحار، وارتفاع حالات الإجهاض، وارتفاع معدّلات الإفلاس، وارتفاع معدّلات البطالة، وارتفاع مؤشرات الفساد، وارتفاع نسب التضخم، وارتفاع معدلات الجريمة. كل شيء في ارتفاع ضمن هذه الحدود؛ فيما لم يرَ المواطن إلا انعدام الحريات، وتدني وتراجع الخدمات، وانخفاض الأجور، والتراجع في مؤشرات الشفافية، والتراجع في الأداء الوظيفي والتعليمي والصحي، والتراجع في معدلات الإنتاج، والأهم من كل ذلك التراجع في الأمل. الأمل في أن ترتفع قيمة الإنسان في أي سوق حتى لو كانت سوقاً للمواشي!

لا بأس سنذهب إلى الموت ونحن في كامل وعينا وصحتنا فقط أرونا «الدولة المدنية» التي ترعبون الناس من كابوس تقويضها والتعرّض إلى شرفها حين تصل أحزاب وجمعيات المعارضة العربية إلى السلطة.

ارحموا ما تبقى من وعي في هذه الأمة، وارحموا ما تبقى من صبر على الكذب اليومي الرسمي المقروء والمسموع والمرئي عن «صرعة» «الدولة المدنية» التي تخشون المساس بها وكأنها قائمة وماثلة أساساً!

«الدولة المدنية» العربية المزعومة ومنذ أكثر من نصف قرن ولّدت سجوناً أكثر من المدارس والجامعات، وولّدت استجوابات وإهانات أكثر من تكريم الكفاءات، وولّدت نهباً وسرقات أكثر من تراخيص الجمعيات الخيرية وجمعيات الرفق بالحيوان، وولّدت رعباً للأجنة في الأرحام أكثر من توليدها أماناً لمواطن فرّ بجلده إلى منفى في أقصى بلاد الله.

«الدولة المدنية» المزعومة التي يخوّفون الناس من انهيارها حين تتسلّم المعارضة في البلدان العربية المبادرة، وضعتهم أمام النهايات المأسوية بعد ضمان الممسكين بها تكدّس أرصدتهم، وتوافر مظلات دولية تحميهم من الملاحقة جراء العبث والتجاوز الذي يمارسونه على البشر والحجر والمدر.

«الدولة المدنية» التي يخافون على مصيرها ويخوّفون الناس من انهيارها حين تتاح للمعارضة العربية فرصة المشاركة في السلطة وإدارة شئون الحكم ضمن منافسة عادلة وشريفة أعادت مواطنيها إلى عصور الكهوف والغابات وخلقت منهم كائنات تنام وتصحو على القلق والرعب والكوابيس.

هل هي حقاً «الدولة المدنية» التي تخوّفون الناس من انهيارها واضمحلالها؟ من قال، إننا لم نمت أحياء من الرعب من «الدولة المدنية» التي لم نرَ مدنيتها قط؟ نشم رائحة العسكر حتى في المناسبات الدينية الرسمية!

«الدولة المدنية» التي يخوّفون الناس من زوالها أو حتى المساس بها في سجلها وتاريخها مئات الآلاف من سجناء الرأي، ومئات الآلاف من القتلى والمفقودين، ومئات الآلاف ممن يتعرّضون إلى الإهانات والتعذيب في مراكز الاستجواب، وملايين المهجّرين في أنحاء الله وجهاته، ومئات الآلاف أيضاً من اللصوص وسرَّاق المال العام الذين يتناسلون كالفطر.

«دولة مدنية» كتلك سنظل نراهن على موهبتها في إعادة الإنسان إلى ما قبل اكتشاف التاريخ، وما قبل اكتشاف وظيفة الحجر.

هل نخاف على مستقبلنا من «دولة» بتلك المواصفات؟ وهل بقي شيء من مستقبل في ظل «دولة» كتلك؟

فقط، سنظل نحلم بدولة «مدنية» لا يرسم سياساتها «العسكر» ولا رجال الدين، ولا الذين هم طارئون على المعنى والقيمة

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3383 - الأحد 11 ديسمبر 2011م الموافق 16 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 1:34 ص

      اي دولة واي مدنية؟ اذا كانت هذه الدولة المدنية فكيف تكون الدولة القمعية البلوسية

    • زائر 3 | 12:57 ص

      شعرت ابليس

      تتشدق الحكومة و اتاعها ان معارضة عينها على السلطة و ليس الاصلاح لو فرض صحة ذلك
      الشي الاكيد ان الحكومة متمسكة بالسلطة و لاتريد الاصلاح
      من حق اي مواطن ان يحلم بالسلطة و خدمة وطنة بالطرق السلمية و صناديق الاقتراع النزيه التى تخاف منها الحكومة و لا تخشاها المعارضة

    • زائر 2 | 12:39 ص

      --

      مقتطف من المقال:...أرونا «الدولة المدنية» التي ترعبون الناس من كابوس تقويضها والتعرّض إلى شرفها حين تصل أحزاب وجمعيات المعارضة العربية إلى السلطة.
      التعليق:بالفعل لو توجد دولة مدنية بمعنى الكلمة لما حدث كل هذا التمييز والظلم.

    • زائر 1 | 11:57 م

      سلمت يداك

      صح لسانك ، كفيت ووفيت لكن لا حياه لمن تنادي

اقرأ ايضاً