مع أنني لست من قاطني محافظة المحرق، إلا أنها تعتبر بالنسبة لي من المناطق العتيدة التي يفخر بها كل مواطن ينتمي لهذه الأرض الطيبة، لما نسمع عن أهلها من الطيبة التي يتحلى بها المواطن البحريني ذو المعدن الأصلي، ولوجود أناس بها من أطيب الخلق وأشرفهم.

ما نسمع عنها في هذه الأيام شيء غريب على شعب البحرين الأصلي، فهذه المنطقة يسكنها شعب البحرين بطائفتيه الكريمتين منذ زمن بعيد، فجميع من يقطنها إخوة متحابون متراصون، وتربطهم علاقات تزاوج ونسب ونسيج اجتماعي متشابك، لا يستطيع الدخيل عليها أن يفرق بين السني وأخيه الشيعي.

لا نريد أن نطيل في الحديث عن هذه المدينة التاريخية، فأهاليها كلهم محترمون مقدرون، نجلهم سنة وشيعة. لكن ما يحصل في هذه المنطقة يضطرنا لتسليط الضوء عليها من جهة البعد الطائفي الذي بدأ ينخر فيها من قبل دخلاء على أهلها الأصليين، الذين تعايشوا على حب بعضهم البعض، فكانت كل طائفة تمارس طقوسها وعقائدها الدينية من غير تشويش أو تعرض من قبل إخوانهم، بل العكس كما وردني يشارك كل منهم الآخر في ممارسة هذه الشعائر الدينية، ولاسيما بمواكب العزاء والمحاضرات الدينية بالمآتم.

ما حصل من تشابك يجب الوقوف عنده، ودراسة أسبابه ووضع الحلول السريعة له، فنطالبهم جميعا سنة وشيعة، وخاصة منهم رجال الدين والمثقفين ووجهاء المنطقة، العمل على الحوار لوأد الفتنة الطارئة - التعرض للمواكب الحسينية - بمواجهة المعزين الذين يمارسون طقوسهم الدينية المعروفة كل سنة على مدى قرون، علما بأن هذه الشعائر قد كفلها الدستور البحريني والمواثيق الدولية التي وقعت عليها البحرين.

الاعتداء على المواكب الحسينية أو التعرض لاعتقاد ديني لطائفة معينة نشترك معها في دين ولغة واحدة، ونتعايش فيها كعائلة تربطنا أواصر العروبة، لا تخدم إلا أعداء الأمة، وقد يكون الخاسر الأول والأخير الوطن الذي يحتضننا جميعا، وقد يساهم أيضا في إشعال البلد في حرب طائفية لا نستطيع السيطرة عليها، لأن من أصعب الفتن المدمرة للبلدان هي شعلة الطائفية، ولنا أمثلة جلية في كل من باكستان ولبنان وأفغانستان.

ما نعرفه عن مدينة المحرق، بحسب المعلومات المتواترة لدينا وأكد عليه كثير من قاطنيها في المنتديات والمواقع بالإنترنت، أنهم إخوان متعاونون منذ القدم. لذا لا يجوز أن نقبل بأن يتشمت بنا الأعداء، فعقلنة السلوك الديني قبل الأخلاقي مهم في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها البلد من أزمة دستورية. فيا إخوان... لا يجوز التعدي على حقوق أي مواطن يمارس شعائره وعقائده الدينية من كلتا الطائفتين، فلندع شئون الخلق للخالق، ونتعاون على البر والتقوى ونبتعد عن الإثم والعدوان.

يا إخوان... أعزاء هذا البلد... لوأد هذه الفتنة، يجب اقتناص الفرصة التاريخية، بالإسراع من قبل الدولة تفعيل ما تمخض من تقرير بسيوني عاجلا، ولاسيما البنود المتعلقة بالتصالح والتسامح، وتطبيق الخطوات العلاجية، باتخاذ خطوات تصالحية يتجسد فيها الخير لأهل البلد سنة وشيعة والطوائف الأخرى، والعمل على حراك سياسي يتمثل بأساس صلب وقوانين قوية راسخة مفعلة على الأرض بأن جميع المواطنين سواسية أمام القانون، وتطبيق العدل والمساواة بين المواطنين.

يا إخوان... كفانا لعبا بمصير الأمة، فلنعمل ضد أي فئة تحاول العبث بتمزيق النسيج الاجتماعي المترابط، أو نتفق ضد من يحاول سوءا بالمجتمع.

اللهم أصلح شعبنا، اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة، اللهم ولها خيارها ولا تولها شرارها يا رب يا كريم